حوار / علي السومري
تصوير / حسين طالب
شاعر وروائي، ولد عام 1982، حاصل على شهادتي بكالوريوس في اللغة الفرنسية والإعلام. أحد مؤسسي نادي الشعر في الاتحاد العام لأدباء وكتّاب العراق. أصدر مجاميع شعرية عدة، منها (تضاريس من جغرافية الروح)، و(سجادة من حرير العناء)، و(كالحجارة وأشد قسوة)، و(بدوي بربطة عنق)، و(دروب)، مجموعة مشتركة. و (الداخلون من أبواب متفرقة) مجموعة قصصية، أما في المسرح فكتب (ذاكرة الرجال المرقطين)، النصّ الذي فاز بجائزة الهيئة العربية للمسرح، كما فاز بجائزة الطيب صالح عن روايته (معجم الأوجاع)، فضلاً عن جوائز أخرى من بينها جائزة الشارقة للإبداع العربي، وميدالية الرئيس الإيطالي عن جائزة (كاستيودي دوينو) العالمية للشعر، وجائزة الإبداع العربي لمنظمة الألكسو.
إنه ياس السعيدي، ضيف مجلة “الشبكة العراقية” عبر حوار نسلط فيه الضوء على مسيرته الإبداعية، حوار ابتدأناه بسؤال:
* لو أردت أن تصف الشعر بالنسبة لك، ماذا ستقول عنه؟
– حياة تقيني الحياة، حياة من صناعتي، تقيني الحياة التي وجدتُ نفسي فيها.
* أنت شاعر وروائي، كيف ساعدك الشعر في كتابتك للسرد؟
– قراءتي للرواية وحبي لها هما ما ساعداني في كتابة الرواية، لا أنكر دور الشعر طبعاً، فهو أفادني في صياغة الجملة الروائية واختصارها ومحاولة جعلها مختلفة ولافتة وصادمة ربما، وإيجاد المفارقة في الرواية، لكن كل هذا لن يساعد شاعراً في كتابة رواية ما لم يكن قارئاً نهماً للرواية ومسحوراً بأجوائها، عارفاً بطرق ربط خيوطها.
* هل حقاً أن الزمن اليوم زمن الرواية لا الشعر؟
– لا هو زمن الرواية ولا زمن الشعر، هو زمن تقلص تأثيرهما وتأثير الأدب عموماً، لذلك يجب أن ننشغل بما هو أهم، وهو كيف نعيد للأدب مكانته وسط هذه الفوضى العارمة. قطعاً لا أقصد كامل مكانته القديمة، لكن ولو جزء يسير من تلك المكانة. سابقاً كان الكتاب يمثل متعة من متع الحياة بالنسبة للناس من غير الأدباء، كل ساعة فراغ يتجه فيها الفرد العادي نحو خيارات ثلاثة، قناة تلفزيونية واحدة، أو إذاعة واحدة أو اثنتين، أو كتاب، أو مجلة، أو صحيفة، وهي كلها تعتبر خياراً واحداً، لأنها تقريباً تحمل محتوىً متشابهاً. أما اليوم فلا يجد الإنسان نفسه قادراً على مشاهدة كل ما يعرض في الفضائيات مثلا بسبب كثرتها، ولا يسقط هاتفه من يده، إذ يبقى متنقلاً من برنامج تواصل اجتماعي إلى آخر. علينا اليوم أن نفكر كيف نعيد الكتاب إلى أيدي الناس، لا للنخبة فحسب. وبعد أن نحقق هذا الهدف -أو جزءاً منه- سنفكر بعدها بهوية هذا الزمن.
وكي أعطي إجابة، بغض النظر عن مشكلة غياب الكتاب عن أيدي الناس، أقول إن دُور النشر تفضل طباعة الرواية لا الشعر، هذا ما أعرفه حقاً، لكن هل هذا يكفي لنقول إن هذا زمن الرواية لا الشعر؟ لا أظن، فالموضوع يحتاج إلى دراسات وبحوث معمقة.
* كيف ترى الشعرية العراقية اليوم؟
– بأفضل حال، ولن أبالغ إن قلتُ إنها ربما لم تصل يوماً إلى ما وصلت إليه اليوم، وعدم الانتباه للتجارب الكبيرة الموجودة لا يعني عدم وجودها، كل ما في الأمر هو أن الظروف اختلفت، فصار المبدع يحتاج جهداً مضاعفاً ليحفر اسمه، إذ لم يعد يكفي الشاعر أن ينشر في مجلة عربية تنتشر من المغرب إلى عُمان كي يصبح نجماً وتجربة معروفة، لأن مثل هذه المجلات لم تعد موجودة، وإن وُجدت فلا يقرؤها الكثيرون. سابقاً كان هذا ممكناً، ولهذا أقول لك إن الزمان اختلف، وهذا ما جعل بعضنا لا ينتبه إلى التجارب الكبيرة الموجودة، ليس ذلك ذنب الشاعر صاحب التجربة، وليس ذنب المتابع أيضاً، بل هي طبيعة زمن تغير. سابقاً، كان نشرٌ في صحيفة، أو ظهور خاطف في التلفاز، يجعل الأضواء تنصب على تجربة الشاعر، لهذا لاحظنا ظهور أسماء شعرية كبيرة في العراق، مثل هذه الأسماء وما يوازيها موهبة، أو قد يفوقها أحياناً، موجود اليوم، لكن مَن سينتبه وسط كل هذا الضجيج!؟
* طالما ترددت عبارة مفادها أن (المسرح العراقي يعاني من أزمة النص)، ما رأيك بعد خوضك الكتابة للمسرح؟
– قد يعاني المسرح العراقي من أي شيء باستثناء أزمة النص، المبدع العراقي منتج بطبعه، والحياة العراقية مكتظة بكل ما هو مسرحي، إنها حياة ممسرحة باختصار، تحتاج فقط إلى مَن ينقلها على الورق ولو لم يبذل أي جهد يُذكر، فكيف إذا ما عرفنا طبيعة المبدع العراقي الذي لا يكتفي بالنقل حتماً، وإنما يضيف روح إبداعه إلى كل نص يكتبه.
* لنتحدث عن الجوائز التي حصلت عليها في الشعر والمسرح والرواية، ما الذي أضافته إلى مسيرتك الإبداعية؟
– أضافت لي الكثير، فهي لفتت الأنظار إلى ما أكتب، وهذا مهم كما أسلفتُ، ولاسيما في زمن فوضوي كزمننا، حلم كل كاتب أنْ يقرأ الناس ما يكتبه، ترى كيف سيقرأونه إنْ لم يعرفوا بوجوده وسط هذا الكم الهائل، خصوصاً حين نعرف أن مئات الكتب صارت تُطبع كل سنة، إذ لم تعد الطباعة دليل إبداع بعد ظهور الطباعة على الحساب الشخصي للكاتب.
أفادتني الجوائز أيضاً في رؤية أعمالي مطبوعة، وهذا حلم كل كاتب أيضاً، إذ إن غالبية الجوائز تطبع الأعمال الفائزة، فضلاً عن هذا فإن كل كاتب يحب أنْ يرى عمله مقدَّراً ومحتفى به. لكن مع كل ما تقدم، أقول إن الإبداع قطار، أما الجوائز فمحطات، عدم توقف القطار في محطة ما لا يعني أبداً أنه لا يسير.
* ما تقييمك لكمّ المهرجانات الشعرية، هل يضيف ذلك للشعر شيئاً، أم أنها -كما يصفها بعضهم- فرصة للقاء الأحبة والأصدقاء؟
– بلا شك أراها أكثر من ذلك، مع أهمية لقاء الأصدقاء. الشعر موقف تجاه الإنسان أولاً. لذلك يجب أنْ تكون المهرجانات تأكيداً على قضية الإنسان الذي صار ممتهناً في حياة اليوم كأية آلة، هذا إذا سُمِحَ له بحق الحياة أصلاً. الشعر حارس للحقيقة أيضاً، فبه وبكتابته لن يجرؤ أحد على جعل الضحية جلاداً، أو العكس، وهذا ما نراه كثيراً في أيامنا هذه. قبل مدة سألت أحد الأصدقاء الذين درسوا الأدب واللغة الألمانية عن حقبة ألمانيا النازية، أردت أنْ أعرف المزيد من الحقائق، والتاريخ يكتبه المنتصرون كما تعرف، أجابني ذلك الصديق إجابة غاية في الأهمية، قال لي “اقرأْ أدب ما قبل وما بعد تلك الفترة وما كُتِبَ أثناءها، إذ لا يمكن لكل الأدباء أنْ يتفقوا على التزييف.”
هذا هو دور الأدب يا صديقي، والشعر جزء منه، لذلك لا يمكن القول إن مهرجانات الشعر هي للقاء الأصدقاء فحسب، ثم مَن يدعي هذا لماذا يعتلي المنصة ليقرأ؟ ألمْ يلتقِ أصدقاءه في باحة الفندق وفي السهرات؟ هذه المهرجانات تضيف إلى روح الشعر، أعني الإنسان والدفاع عن قضاياه أمام أخيه الإنسان المتغول سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً. مع كل ما تقدم أقول إن كثرة المهرجانات حالة إيجابية، لكن بشرط عودة الرقابة الفنية، لا السياسية. لماذا لا يُعلن عن المهرجان قبل مدة ويُدعى الشعراء لتقديم نصوصهم ويجري اختيار أفضل خمسين قصيدة من قبل لجنة مختصة من النقاد والشعراء، تتغير مع كل مهرجان، بهذا سنضمن جودة النصوص المقروءة، ونتجنب -بشكل كبير- جر الفاعل على منصات كبيرة كما يحدث في بعض مهرجاناتنا للأسف، ونمنح للأفضل فرصته، وإنْ كان بعيداً عن الوسط وعلاقاته.
* ما جديدك؟
– موجز أنباء الهواجس، مجموعة شعرية ستصدر قريباً في لندن بالعربية والإنكليزية، عن دار عرب للنشر والترجمة، بترجمة الدكتور المغربي مبارك السريفي.