بغداد / علي غني/
اختارت (هيفاء) الصمت والانزواء في بيتها الصغير دون أن تبدي ردة فعل تجاه زوجها الذي يتشاجر معها يومياً ويوجه لها شتى الاتهامات، لا لأنها غير قادرة على الرد، لكن من أجل الحفاظ على أسرتها. وبالمقابل بدأنا نلمس هذه الظاهرة لدى أزواج آخرين يلتزمون الصمت مع زوجاتهم اللاتي يهجرنهم داخل البيت من أجل المحافظة على هدوء البيت، على الرغم من هذا (التمرد الجاهز)، الحامل معه بوادر الانفصال الذي ينخر جسد الأسرة.
هذه (الظاهرة) الغريبة على مجتمعنا باتت تنمو وتهدد كيان الأسر العراقية، والسؤال: من يتصدى لها؟
تبريرات للخيانة
عدّت المعلمة في مدرسة ابن الأرقم الابتدائية (أسيل كمال) أن السبب الرئيس وراء هذا التمرد الجاهز، هو “إهمال المرأة لنفسها، وتحملها أعباء البيت والوظيفة والأطفال لوحدها، ما يؤدي بالرجل إلى أن يهجرها حتى في فراش الزوجية، وتلك بداية الصراع الخفي. إلى جانب عدم الاهتمام بها أو حتى السؤال عن صحتها، وربما تجد بعض النساء في ذلك تبريراً جاهزاً للخيانة. عندما تتراكم مثل هذه المشكلات بغياب الحلول الحقيقية، ببقائها بمفردها تتحمل ذلك.
لكن (محموداً) له حكاية أخرى فيها الكثير من الألم، فبعد أن أفنى شبابه في الوظيفة متفرغاً لإعالة اسرته، وجد زوجته في جدال معه في كل صغيرة وكبيرة عن البيت والأولاد، إذ إنها تريد أن تسحب القرار منه في قيادة البيت من دون مقدمات مناسبة، وبدأت معارك الكلام التي تسربت آثارها إلى الأولاد الذين كانوا غالباً ما يتدخلون لحماية الأسرة، فربما يعيدون الثقة إلى الحياة الزوجية، لكن النقاشات مازلت مستمرة بعد كل جدال.
غياب الحلول
نعود إلى التربوية أسيل كمال التي قالت إن “غالبية النساء يفضلن الصمت، للحفاظ على تماسك الأسرة ومن أجل الأطفال، ولاسيما تلك التي لديها أطفال صغار، لكني لا أنكر أن هناك نساءً يفرضن سيطرتهن على الرجال بالقوة، او حتى بأساليب غير مرغوبة، وهنا يقع ظلم كبير على الرجل، لكني أرى غرائب تحتاج إلى تحليل نفسي واجتماعي معمق، فكل امرأة ملتزمة ومؤدية واجبها على أتم صورة، وجميله وتراعي زوجها، نجد أن العديد من الرجال لا يقدرون مجهودها، فتتعرض إلى ظلم كبير، سواء من الزوج أو من أهله، أما التي تتذمر وغير الراضية عن حياتها، تجد أن زوجها يلبي جميع احتياجاتها، ولا أعرف هل هو صراع جديد في داخل مجتمعنا؟”
لكن (فاتن)، التي يصفها زوجها بأنها عاشقة (للموبايل)، تريد منه أن يحقق جميع رغباتها التي تشاهدها على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو خالف ذلك تقاليد العائلة.
تبادل الأدوار
ولمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة القاتلة، وإيجاد الحلول لها، استعنّا بالأستاذ المساعد الدكتورة (صبا حامد حسين) التدريسية في كلية ابن رشد بجامعة بغداد، التي عزت أسباب ذلك إلى أن “طبيعة تربية الأسرة سابقاً كانت تتركز حول احترام الآخر، ولاسيما الرجل، لكونه الأب والأخ والزوج، وله الحق في التحكم بتصرفات الأنثى مهما كانت تسميتها، لذلك تتزوج البنت وهي تعرف بأنها يجب أن تحترم زوجها، وتكون ملبية لطلباته، ولا ترفع صوتها بحضوره، ولا تجرؤ على اتخاذ أي قرار دون الرجوع إليه. أما اليوم فإننا نرى تمرداً كبيراً وواضحاً تجاه الأخ والأب والزوج، ففي بيوتنا نرى الزوجة تتمرد على الزوج وقراراته، وذلك بسبب مظاهر الحياة العصرية، التي تفهمها بعضهن بشكل خاطئ، فترى نفسها بمكانة الرجل ولا حاجة إلى أن تكون مطيعة له.”
وتابعت (الدكتورة صبا ) أن “من أهم الأسباب هو عمل الزوجة وإنفاقها على نفسها وتحمل مسؤولياتها، فهي اليوم تقوم بالكثير من الأعمال، التي يفترض أن يقوم الزوج بها، لكن بسبب تلكؤه في القيام بتلك المهام وتأخره في الإنجاز لانشغاله بالعمل، وعند عودته إلى البيت ينشغل بوسائل الاتصال الاجتماعي، ما يؤدي الى خلق عزلة في البيت الواحد لأن كلاً منهما منهمك بعالمه الخاص، وهذا بدوره أدى إلى الغربة والانعزال بين الزوجين، تراهم فعلاً في بيت واحد وتحت مسمى أزواج، لكنهم في حقيقة الامر (أغراب)، كل منهم له حياته الخاصة واستقلاليته التي يرفض أن يتدخل الآخر فيها، ما يؤدي إلى الانعزال، حتى في الأكل والخروج والنوم.”
الانفتاح اللا مسبوق
فيما ترى التدريسية والباحثة في جامعة النهرين (مها العكيلي) أن “الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة (الطلاق الصامت) هي تهشم منظومة القيم الاجتماعية التي كانت تحكم طبيعة علاقات المجتمع، ولاسيما بعد عام 2003 والتغيير السريع والانفتاح اللا مسبوق على دول العالم من دون قيد أو شرط والعولمة وأدواتها وما جلبته من مظاهر التقليد والمحاكاة لدول الغرب خصوصاً. فأصبح الزوج اليوم يقارن زوجته بالفنانات أو البلوكرات أو الفاشنستات، وغيرها من التسميات، ما يؤدي به إلى عدم الرضا والقناعة بزوجته من حيث الشكل والجسم والمضمون، وذلك سوف يدفع بالنساء في المقابل إلى الهوس واللجوء إلى عمليات التجميل المبالغ فيها من أجل الوصول إلى الشكل الذي يرغب الزوج فيه، وذلك بسبب غياب منظومة القيم الاجتماعية وخرقها وضعف الوازع الديني والابتعاد عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. كل ذلك أدى إلى هذا الخراب، ونخشى أن يكون القادم أسوأ بكثير إذا لم تتحرك الجهات المعنية لوضع مجموعة من الحلول والضوابط.”