بغداد – ملاذ الأمين
تصوير- حسين طالب/
يشغل محل (برتو) مساحة صغيرة في سوق الصدرية القديم، لكن جذوره تمتد إلى أكثر من 115سنة، فقد افتتح عام 1908، وتخصص منذ ذلك الوقت في بيع الألبان، إذ كانت ترده مختلف أنواع الألبان من القرى الكثيرة المحيطة ببغداد.
ومع التمدد العمراني اختفت غالبية تلك القرى، وأصبح المحل يعتمد على بيع الجبن الذي يرده من قرى سلمان باك ومناطق الراشدية وخان بني سعد، الذي يزداد الطلب عليه في الأعياد والعطل الرسمية، فيعمل برتو على تخزين المزيد منه لتلبية الطلبات المتزايدة.
تعددت المحال التي تبيع منتجات الحليب في بغداد لارتباطها بكثرة الأبقار والأغنام، لذا فإن غالبية أصحاب (الحلال) يعمدون إلى صنع الأجبان من الحليب الفائض عن الحاجة خوفاً من تلفه، إذ إن الجبن حين يحفظ في ظروف جيدة لا يتلف ويحافظ على نظارته وطعمة أسابيع عدة.
وكانت القرى تحيط بالعاصمة بغداد من جميع اتجاهاتها، لذا انتشرت تجارة الألبان والحلال (الأغنام والأبقار والماعز) بين القرى وأسواق بغداد، ولاسيما الأسواق القريبة من بوابات العاصمة قبيل تهديم سور بغداد عام 1937لغرض توسعة المدينة التي تضاعف عديد سكانها، لكن محل برتو حظي بشهرة فائقة لدى سكان الأحياء الجديدة آنذاك في منطقة الرصافة.
ولعل من أهم أسواق الرصافة قديماً وحديثاً هو سوق الصدرية المميز بتنوع معروضاته من اللحوم والفواكه والخضراوات والألبان وأنواع الأطعمة، كالكباب والتكة والكبة والمخللات، وفي هذا السوق ذاع صيت برتو لصدقه في التعامل، ولنكهة ونظافة منتجاته من الجبن والقيمر، إذ يعمد إلى خلط بعض أنواعها ببعض الأعشاب التي تمنحها نكهة طيبة. وتحتوي أزقة الصدرية -الضيقة نسبياً- على محال قديمة يعود تأسيسها إلى بدايات القرن الماضي، إلا أنها على الرغم من الظروف الصعبة التي مرت بالبلاد، مازالت صامدة ونجحت في تحديث منتجاتها مع مراعاة التطور الجاري في البلاد، ومنها محل برتو الذي حافظ على سمعته ومكانته، إذ مازال زبائنه يترددون عليه من مختلف مناطق بغداد، حيث توارث العمل فيه الأحفاد عن الأجداد..
عمره 115 سنة
يقول مشتاق، أحد أحفاد مؤسس محل الأجبان السيد برتو، إن “جبن العرب يمتاز بطعمة الطيب واحتوائه على الفيتامينات والحديد والدهون المفيدة للجسم، ويصنع عن طريق تخمير الحليب بواسطة بكتيريا حمض اللاكتيك، ويجري وضعه في أكياس من القماش لمدة يوم أو أكثر.”
أجبان ونكهات
يضيف مشتاق: “توجد أنواع كثيرة من جبن العرب، وحسب المذاق.. فهناك الجبن المالح المسمى (الكرغول)، وهو المفضل، والجبن الحلو (الخالي من الملح)، والجبن بالحبة السودة، والجبن بالكرفس. كذلك توجد أنواع منه حسب الحليب المصنع، مثل جبن البقر وجبن الغنم وجبن الماعز، ويتميز الجبن المالح بكونه كثير الثقوب، أما الحلو فهو بلا ثقوب، وهناك أنواع من الأجبان تكون خالية من الدهن، وأخرى تحتفظ بنسبة من الدهن مثل الكرغول، ولا بد من الإشارة إلى قيمر العرب الذي يتزايد الطلب عليه. ولاسيما أيام الأعياد لأنه لذيذ ومميز في وجبة الفطور، وأهل بغداد يفضلون تناوله مع العسل أو الدبس أو المربى.”
شهرة واسعة
واشار مشتاق إلى أن “المحل الأصلي لأجداده لم يكن في هذا الموقع، وإنما كان في سوق الصدرية القديم، لكن أمانة بغداد في أربعينيات القرن الماضي قررت توسعة شارع الصدرية، وجرى هدم السوق القديم وبناء آخر جديد، حيث بنيت فيه العمارات والمحال ومازال السوق مكتظاً بالباعة والمتسوقين، ما اضطرنا للانتقال الى هذا المحل داخل الفرع في الصدرية، ولكوننا مشهورين لدى سكان الصدرية مازال المحل يمارس عمله منذ أكثر من قرن، ولدينا زبائن من أحياء متعددة من بغداد.” مبيناً أن “طريقة إعداد وتحضير أجباننا ظلت على حالها يتوارثها الأحفاد عن الأجداد الذين تعلمنا منهم أن نكون صادقين في تعاملنا مع زبائننا، لأن الصدق هو رأس مال النجاح، وبالطبع فإننا حفظنا طرق تحضير الأجبان والنكهات، وهذا ما يميزنا ويجعل زبائننا يتمسكون بشراء منتجاتنا، على الرغم من بعد أماكنهم عن محلنا.”