وائل حمد/
قرب «كراج» كبير، لبيع المواد الاحتياطية للسيارات غرب بغداد، بوسعك أن تسمع من شهود عيان وعناصر أمنية بإن صاحب المكان يقوم بتفكيك السيارات ولايدقق كثيرا في مصدرها، وعادة مايكون هناك “عناصر بملابس الشرطة” وراء وصول هذه السيارات الى الورشة.
لم يكن من السهل الوصول الى “الكراج”، الأمر تطلب قبل ذلك الاتصال بمجموعة من الوسطاء لتتمكن “مجلة الشبكة” من الكشف عن “عناصر بملابس شرطة” يشاركون في “تفكيك” السيارات في ورش داخل وخارج العاصمة وتهريب بعضها الى كردستان.
البحث عن سيارة مسروقة
البحث عن شبكة سراق السيارات التي تقدر شهريا حوادثها بـ400 حالة في عموم البلاد، أوصلنا الى حسن جمعة(34عاما) كانت سيارته نوع تويوتا (بيك آب) قد سرقت منه في سوق شعبي شرق بغداد.
حسن سمع كما سمعنا بأن عليه البحث في «كراجات» تفصيخ السيارات قبل أن تهّرب عجلته المسروقة أو ينسى الأمر.
وفي مقهى وسط بغداد، اتفقنا عبر أحد الأصدقاء للقاء «حسن» والبدء معا بخوض مغامرة الدخول الى «كراج التفصيخ» والاستمرار بالبحث حتى نجد مكان سيارته.
سيارة «حسن» كانت وسيلته للعيش، لانه يستخدمها في نقل بضائع بين بغداد والنجف، وأحيانا لمناطق قريبة أخرى. وسمع صاحب السيارة المسروقة عن «كراج» في مكان قريب من قضاء ابي غريب يعمل في تفصيخ السيارات المسروقة.
كان علينا الذهاب بسرعة الى «الكراج» قبل أن تتحول سيارته الى «خردة» وينتهي التحقيق من دون أن يصل الى نتائج. يقول حسن في حديثة لـ»مجلة الشبكة»: « تدخل أحد الأصدقاء لارشادي الى وسيط على علاقة بمجموعة التفصيخ وقررت الذهاب الى هناك». ونحن كذلك سنذهب معه.
الوسيط وعبر رسالة نصية بعث بها الى أحد المسؤولين عن «الكراج» ادخلنا في مخزن كبير سقفه من الحديد داخله عشرات السيارات التي تعمل عليها مجاميع من الشباب كـ»خلايا النحل» لتفكيكها بشكل سريع.
الشخص الذي استقبلنا في الكراج قال لنا بغضب بعد أن عرف أننا نبحث عن سيارة مسروقة: «سيارتكم ليست لدينا.. نحن لانعمل في المسروق وكنا نظنكم تبحثون عن أجزاء للسيارة»!
لانعلم سر «الاستقبال السيئ» برغم تدخل الوسيط في الأمر، لكن أحد العمال هناك قال لنا بشكل سري بعد أن عرف مضي أشهر على سرقة سيارته: «تأخرتم كثيرا، نحن هنا لانحتاج سوى أيام لتفكيك السيارة».
قبل أن نعود بخفي حنين
قررنا أن لانضيع الرحلة الشاقة للوصول الى «الكراج» بلا فائدة وأن نعرف معلومات أكثر عن كيفية وصول السيارات المسروقة الى هنا. بحثنا عن شهود عيان في المنطقة قد يكونوا عونا لمعرفة كيف تصل هذه السيارات الى هنا.
قال لنا شاب يدعى أبو مريم من سكان المنطقة: « نشاهد سيارات تأتي في الليل محمولة بكرين، وعادة ما تكون متعرضة لحادث».
ويضيف أبو مريم لـ»مجلة الشبكة» :»صاحب الكراج واسع النفوذ، فقد تدخل لتغيير احدى نقاط التفتيش القريبة من المكان قبل سنوات، وكان يجبر المسؤولين المحليين على تبليط بعض الأزقة أو تعديل رصيف».
بالمقابل يبدو أحد الشرطة القريبين من موقع الكراج متأكدا في حديثه مع «مجلة الشبكة» بأن «عناصر أمنية تقف وراء سرقة السيارات».
ويقول هادي- وهو الاسم الأخير للشرطي، الذي رفض ذكره بالكامل لأسباب أمنية-: «كيف تعتقدون أن تمر تلك السيارات عبر المفارز الثابتة والمتحركة من دون أن تكشف وهي عادة تأتي محمولة بكرين؟».
يستدرك الشرطي قائلا:»بالتأكيد عناصر من (…) هي من تساعد في ذلك»، واضاف: «نسمع من زملائنا في (….) بأن أشخاصا برتب عسكرية يشاركون في تزوير أرقام السيارات وأوراقها الرسمية، كما يقومون بحماية كراجات التفصيخ».
من بغداد إلى كردستان !
في النهاية يأس «حسن» من العثور مرة أخرى على سيارته المسروقة وتركنا لنكمل مشوار الكشف عن عصابات السرقة والتهريب.
يقول ضابط شرطة أن أغلب السيارات المسروقة في بغداد على وجه الخصوص، تهرب الى «كردستان»، وعدد قليل جدا منها يتم تفصيخه.
ويضيف ضابط الشرطة الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ»مجلة الشبكة»: «السارق ينتهي دوره عند تسليم السيارة لأحد الوسطاء في المحافظات التي تعرف بالمتنازع عليها».
في تلك المحافظات، مثل كركوك وديالى، يتم نقل السيارات الى تجار في كردستان، وهناك يتم تغيير أوراقها ويضع لها لوحات أرقام جديدة.
ويكشف الضابط الذي يعمل في وزارة الداخلية أن أكثر العصابات التي يتم القاء القبض عليها تكون بينها نساء. وتابع قائلا: «المرأة في عصابات سرقة السيارات تلعب دورا مهما في خداع صاحب العجلة».
السارق وعشيقته !
وعن دور النساء في تلك العصابات يقول (م.ن) سائق سيارة الأجرة الذي سرقت سيارته قبل أشهر بأن: «المرأة مع عشيقها خدعاني وسرقا سيارتي وسط بغداد وفي وضح النهار».
بدأت القصة في أحد أيام شهر نيسان حين ركب شاب في الثلاثينات مع فتاة جميلة بسيارة (م.ن)، نوع هونداي النترا موديل 2013، في وسط العاصمة. يقول سائق الأجرة: «بدأ الحديث خلال الطريق يجرنا حتى همس لي بأن الفتاة عشيقته وسوف يحتاجني كثيرا لاقلهما الى مناطق متفرقة في بغداد في الفترة المقبلة».
تبادل السائق والزبون أرقام الهواتف، واستمر السائق لاسبوع يأخذهما الى مطاعم ومتنزهات في بغداد، حتى جاء أحد الأيام ليطلب الشاب من السائق أن يترك له السيارة لبضعة دقائق منفردا مع عشيقته. ويضيف السائق: «لم أكن أشك بنواياهما، كانا طبيعيين جدا. جلست لنصف ساعة في احدى المقاهي وعدت لأجد أن السيارة قد اختفت».
كيف يتم سرقة السيارات ؟
تقول وزارة الداخلية أن أكثر عمليات السرقة تتم في الشوارع التجارية المكتظة، خاصة حين يكون السائق على عجلة فيترك مفتاح السيارة في الداخل لشراء بعض الأشياء من السوق، وأحيانا أخرى يتم ذلك بالاكراه.
ويشير الضابط في الداخلية أن نحو 400 سيارة تسرق شهريا في عموم البلاد، ولا تستعيد الشرطة الا العدد القليل منها، مضيفا أن: «السيارات القديمة تتحول عادة الى التفخيخ لأنها أرخص ثمنا. هنا الأمر يصبح خطرا وأكثر من قضية سرقة».
وفي السياق ذاته حثت قيادة عمليات بغداد، مؤخرا، أصحاب المركبات كافة إلى تسجيل مركباتها لدى المراكز المخصصة لمنظومة «صقر بغداد الالكترونية» للحصول على الهوية التعريفية الخاصة بها، عادة أن ذلك يخدمهم ويمكن الأجهزة الأمنية من الاستدلال على مركباتهم بـ»وقت قياسي» وتقويض «الإرهاب وأي نشاط إجرامي» آخر يمارس باستخدامها.
واكدت قيادة عمليات بغداد أن “هوية تعريفية ستصدر للعجلات بوقت قصير جداً ﻻ يتعدى الدقيقة الواحدة، وتعد المركبة مخالفة في حال عدم تسجيلها بعد انتهاء ذلك الموعد».
لوحات أرقام مزيفة
الى ذلك ينصح رائد المرور زياد نحاب سائقي العجلات التي يتم سرقتها بالتوجه فورا الى أقرب مركز شرطة لتدوين الافادات عن الحادث.
ويقول نحاب في حديثه لـ»مجلة الشبكة» أن: «مفارز المرور ضبطت خلال العام الماضي 600 لوحة سيارة مزوة ألمانية، خلال حملة امتدت لخمسة أشهر».
ويكشف رائد المرور عن القاء القبض أيضا على خطاط يعمل في تجميل السيارات يقوم بطريقة «فنية» بتغيير الأرقام، مشيرا الى أن «المواطن قد لايشعر بالفرق لكن دائرة المرور يمكن أن تكشف التزوير بسهولة».
وتتعدد أساليب التلاعب بمواصفات السيارات المسروقة وفق رائد المرور الى طريقة تغير رقم «الشاصي». ويضيف قائلا: «إذا غير السارق الرقم الثامن من الجهة اليمنى في لوحة الشاصي بطريقة احترافية فيمكن أن يتغير موديل السيارة، ما سوف يعيق الاستدلال عليها بسهولة».
وأكثر عمليات التحريف في رقم هيكل السيارة تكون في تبديل الحرف (A) والذي يدل على أن موديل السيارة هو 2010 الى الحرف (B) ويعني 2011.
ويمضي نحاب بالقول: “في سيارات الجيب الأمريكية يكون رقم الشاصي في الصندوق الخلفي، والسارق يقوم بضرب خلفية السيارة ويتلف الرقم، وبعدها يستطيع تغييره بآخر”.
جهاز الانذار غير كاف
من جانب آخر يقول صاحب محل لوضع الانذارات في السيارات بأن «أجهزة الانذارات في السيارات» قد لاقت رواجا بعد 2003 وتراجعت بعد عام 2009، وعادت تدريجيا للصعود في السنوات التي تلتها.
ويقول ثائر علي وهو يركب «جهاز انذار» متطور لسيارة حديثة في حديث لـ»مجلة الشبكة» إن «بعض السيارات الحديثة تسرق بوقت قياسي قد لايتعدى العشر دقائق».
تستخدم العصابات الرقم التسلسلي لتلك السيارات الذي يكون موضوعا في باب السائق. وتابع قائلا: «عن طريق ذلك الرقم يمكن أن تستخرج مفتاحا يشبه المفتاح الاصلي».
لكن بالمقابل ليست جميع حالات سرقة السيارات تتم بعيدا عن أنظار صاحبها، فحوادث أخرى جرت بالاكراه وباستخدام الأسلحة.