يوسف المحمداوي /
“الله كريم”.. هي آخر الكلمات التي تمتم بها الشاعر الفرنسي “آرثر رامبو” قبل موته، هذا الشاعر الذي جلس على عرش الإبداع وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، ليصبح حتى يومنا هذا محط اهتمام جميع الدارسين لهذا الجنس الإبداعي، الى درجة إطلاق تسمية “الرامبلدايين” على الباحثين في شعريته سواء من الفرنسيين أوغيرهم من جميع بقاع العالم.
المعهد الثقافي الفرنسي في بغداد استضاف الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي محمد قاسمي الذي ينحدر من أصول جزائرية في أول زيارة له الى بغداد، ليتحدث عن حياة الشاعر “رامبو” لكونه احد الباحثين “الرامبلدايين” الذي تعمق بدراسة حياته كشاعر في فرنسا وتاجر في اليمن، والمثير في تلك الجلسة الرائعة أن من أدارها هو الشاعر شوقي عبد الأمير الذي كان له الفضل في البحث والكشف عن بيت رامبو في عدن على الرغم من مرور عقود على رحيله، وهذا الأمر يعد إنجازاً للثقافة العراقية ناهيك عن أهميته للأدب الانساني. من أهم الباحثين الذين ركزوا على علاقة الشاعر رامبو بالإسلام هو الفرنسي من أصول جزائرية الروائي والكاتب المسرحي محمد قاسمي الذي حضر من باريس الى بغداد التي يزورها لأول مرة حيث التقته “مجلة الشبكة العراقية” ليوضح لها الأمور التالية :”إن ختم الشاعر آرثر رامبو بعد أن ترك الشعر وامتهن التجارة أصبح باسم (عبد ربه)، وعن إقامته في الحبشة وتحديداً في مدينة هرر(harrar) حيث اتخذ له منزلاً بالقرب من أحد الجوامع الإسلامية”. أضاف قاسمي: “أن هناك الكثير من الرسائل التي بعثها رامبو من عدن الى شقيقته في فرنسا، يؤكد عليها إرسال نسخة من القرآن المهمشة الموجودة في بيت والده، الذي تربطه علاقة وثيقة بولده رامبو”، مضيفا: “أن والده فردريك رامبو(Frederique Rimbaud) عاش في الجزائر وتعلم اللغة العربية، ويقال إن والده قد ترجم القرآن لكن لايوجد أثر لهذه الترجمة”.قاسمي، من خلال الجلسة التي أدارها صديقه الشاعر شوقي عبد الأمير، أوضح للحضور “أن هناك شهادات مؤرشفة لبعض المسافرين والتجار الإيطاليين الذين التقوا رامبو، ذكروا عنه أنه كان يتقن اللغة العربية وتحدث معهم بحوارات مهمة عن الإسلام، وأن القصيدة التي فاز بها رامبو وعمره عشر سنوات، كانت تتحدث عن الأمير عبد القادر الجزائري وقد تُرجم جزء من تلك القصيدة”. مؤكداً :”أن رسالة شقيقته (إيزابيل) عن آخر لحظات حياة رامبو في المستشفى، وعندما زاره القس لأداء صلاة الموتى كان الشاعر يرفض استقبال القس، مبيناً أن شقيقته طلبت من القس أداء الصلاة رغماً عنه، وأن القس عندما خرج من عند رامبو قال لها إنه في لحظاته الأخيرة كان يتمتم بعبارات لم يفهم معناها القس وهي “الله كريم”.فيما أوضح رئيس تحرير مجلة “بين نهرين” الشاعر والإعلامي شوقي عبد الأمير الذي أدار الجلسة التي حضرها العديد من المعنيين في الثقافة والشعر: “منذ زيارتي الأولى إلى عدن والتي وافقت مرور(100) عام على إقامة رامبو في عدن، من هناك بدأت عملية البحث عن منزله والتي استغرقت (12) عاماً من العام 1980 الى العام 1992 وهو عام افتتاح المنزل، الذي كان سابقاً للشركة التجارية باردي (barday ) التي كان يعمل فيها رامبو”.
يضيف عبد الأمير:”لابد أن نشير هنا إلى جهود مهمة قام بها باحثون يمنيون ودارسون فرنسيون في عملية البحث والعثور على المنزل، ولأهمية المكان والرمز والحدث حضر حفل الافتتاح وزيران فرنسيان هما وزير الخارجية رولاند ديماس(roiland dumas) ووزير الثقافة جاك لانغ (jack lang)، وفي تلك المناسبة ألقيت رسالة باسم الشعراء الأصدقاء، وتأسس حينها مركز باسم (رامبو للشعر العالمي)، لكن للأسف لم يعمل إلا لفترة زمنية قصيرة”. مبيناً “أن المقر الآن سيطرت عليه شركة تجارية سياحية وحولته الى فندق باسم (رامبو) والمقصود هو الممثل الأميركي (سلفستر ستالون)، وعلقت صورته على مدخل مقر مركز رامبو للشعر العالمي الذي حولته تلك الشركة الى فندق سياحي”. وختم عبد الأمير حديثه قائلاً: “مهما يكن من أمر علاقة رامبو بالإسلام والعالم العربي فإنها وقعت في المرحلة التي ترك فيها رامبو الشعر، وتحول الى مجرد تاجر، أي أنها تتعلق برامبو التاجر وليس الشاعر، لأننا لم نجد أثراً لمفاهيم إسلامية أو نصاً شعرياً له علاقة بالعرب والإسلام”.
مقتطفات من رسالة شوقي عبد الأمير الى رامبو بعد مئة عام من وصوله ألى عدن:
“منذ ان وطأت قدماي أرض عدن وأنا أبحث في شواطئها الساخنة وتحت فوهة بركانها البارد عن بقايا (نعال) ريح مر بها منذ قرن، فهل ترك أثراً فوق هذه الجبال الأبجدية التي تمسك بخاصرة الله بين الربع الخالي والبحر؟”
“بعد سنوات عدت ومعي غيّوفيك (Guillevic ) وسعدي يوسف وأدونيس نبحث عنك بين تماثيل الأصداء التي يمتلئ بها الليل في حي النواهي.. لكننا اليوم نقف جنب جدارك القديم لنبني بيتاً لنا فيك…يارامبو..
ولكن كم كنت أعرف أنك تكره البيوت !!!”