ميسون جعمور /
تعدّ شخصية الإمام الحسين بن علي عليهما السلام من الشخصيات المحركة للوجدان، الملهبة للمشاعر الإنسانية كونه حفيد الرسول الأعظم (ص) من جهة، وفارساً نبيلاً دافع عن الحق، ورفض الظلم والباطل من جهة أخرى، كيف لا وهو الذي رفض بيعة حاكم ظالم جائر هو يزيد بن معاوية الذي نصّب نفسه أميراً للمؤمنين عنوة بغير وجه حق!
ولا ينبغي أن ننسى الموروث التاريخي الذي اختزنته الذاكرة عن شخصية الإمام الحسين (ع) القيادية الباسلة والبارزة، ورغم مرور قرابة أربعة عشر قرناً على واقعة الطف، فإننا نرى الإمام الحسين ظل نبراساً للثورة في مواجهة الظلم، وللإصلاح في مواجهة الفساد؛ وترك إرثاً هائلاً في أدبيات الرفض، ألهب قرائح الشعراء العرب على امتداد الوطن العربي لخط قصائد تنهل من مبادئ الإمام الحسين شهيد الحق، وسيد شباب أهل الجنة، وتصوغ نصوصاً أدبية شعرية ونثرية تنغنى ببطولة ذات عمق إنساني انتصرت أدبياً وأخلاقياً رغم أن بطلها العظيم الإمام الحسين وكل أهل بيته وأنصاره استشهدوا في تلك الواقعة.
من بين عدد ضخم من الشعراء الذين ساقهم حبهم للإمام الشهيد لتسجيل إعجابهم به، واستنكارهم لأفعال يزيد الطاغية، كان الشاعر اللبناني جورج شكور من أكثر الشعراء إعجاباً وولعاً بالإمام الحسين، وأغزرهم إنتاجاً عن بطولته ومأساته العظيمتين، يقول في قصيدة تحت عنوان ملحمة الحسين:
على الضمير دمٌ كالنار موّارُ
إن يذبح الحق، فالذُّبّاح كفّار
دمُ الحسين سخيٌ في شهادته
ما ضاع هدراً، به للهدي أنوارُ
يُبرز الشاعر جورج شكور في ملحمته كيف دارت رحى الحرب بين طاغية فاسد، وفارس صاحب كلمة وفعل، على الرغم من معرفته بقوة عتاد الخصم وجيشه الجرار إلا أنه قاد الحرب بشجاعة، ولأنه يعلم أن التاريخ لن يرحم يزيداً أبداً، وسوف تلعن فعلته الأيام والسنوات، لأن الباطل مكروه وملعون، ولا يناصره سوى الكفرة، كما أنّ للشهادة رجالها، فدم الحسين السخيّ هو منارة الأحرار الرافضين للخنوع والذل، فالشهادة شعلة تنير درب الباحثين عن غدِ تسوده العدالة والإنسانية.
ويصف الشاعر حب الرسول (ص) لحفيده، وبأنه أسماه ريحانة الشبان، وأن الحسين ورث عن والده الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الشجاعة، وسار على النهج الذي خطه صاحب سيف ذي الفقار الذي قطع به دابر الكفار والمشركين، وعرّج على التذكير بيوم الغدير، يوم بايع الرسول الإمام أمام الناس في حجة الوداع الأخيرة بولاية المؤمنين، وكيف كان الخلاف على هذا، ونقض البيعة بعد وفاة الرسول الأعظم نقطة اختلاف وخلاف بين جموع المسلمين حتى غيّرت مجرى التاريخ حتى يومنا هذا.
ويعود الشاعر إلى مدعي الاسلام يزيد كما وصفه،
هذا يزيد دعيُّ الحكم ينذره
وهل يبايع بالأحكام فجار؟!
ردّ الحسين بـ “لا” كالسيف صارمة
وسيد الحق بـ “اللاءات” زآر
سمعت جدي رسول الله حرّمها
فلا خلافة في سفيان تشتار
المبدأ الحر سرّ لا أدنسه
مقدس، وحماة السرّ أحرار
ويوّضح أن كلمة “لا” في وجه يزيد جعلته يستشيط غضباً وحنقاً ليوقد نار الفتنة، فيجمع جيشاً عرمرماً لكن الإمام الحسين واجهه بصلابة الفرسان بعد زيارته قبر جده، صلى وغفا فرأى جده يقول له:
إني أراك ذبيح الطفّ منطرحاً
في كربلاء ومنك الدمّ فوّار
ظمآن ويلك لا تُسقى وهم بهم
إلى شفاعتي السمحاء أوطار
ارتقى الحسين إلى ربه شامخاً بالعزة، وعيناه شاخصتان نحو السماء يرى جده وأهله، فاتحين أذرعهم لاستقباله شهيداً. لقد كتب الإمام بدمه الشريف على جبين التاريخ أن نور الحق لا يغيب، وبأن الحر لا تثنيه جيوش جرارة، ولا ترهبه كثرة عدة أعدائه وعتادهم، فكرامة الإنسان لا تشترى ولا تباع، وتأبى الذل والانكسار للطغاة الذين تلهيهم مغريات الدنيا عن إحقاق العدل:
نحن النسور سماء الله مسرحنا
أرواحنا فوقُ إن ضاقت بنا الدار
هذا يعلله بالمغريات، وذا
بالمرهبات، وجيش الجور جرّار
لكنما شهداء الحق من كبر
والشامخ الحر لا يغريه دينار
وأشار الشاعر إلى أن كربلاء ستظل شاهداً تاريخياً على فارس شهيد، وطاغية فاسد باع الحق بمغريات دنيوية بلا قيمة، ولن تكف عن ترداد حكايتها مع كل إشراقة شمس، ونسمة هواء، فمن يقف على أرضها سيسمع صوت السيوف وصهيل الخيل، وصرخة تقول: نحن أهل الحق منتصرون:
يا كربلاء لأنتِ الكربُ مبتلياً
وأنت جرحٌ على الأيام نغّار؟
لا..لا وثيقة حق أنت شاهدة
أنْ في الخليقة أشرار وأخيار
وكثيرا ما قارن الشعراء بين تضحيتي المسيح عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، فهما رمزان للقدوة المضحي الفادي الذي لا يتراجع عن قول الحق حتى لو كانت حياته ثمناً لموقفه، يقول الشاعر جورج شكور:
ذكرتنيه يسوع الحق مرتفعاً
على الصليب وفي كفيه مسمار