الشبكة العراقية/
باتت الجوائز الأدبية ظاهرة انتشرت في الثقافة العربية، فهناك من يعتقد بأنها تمثل انعكاساً للمفهوم المؤسساتي ولما يجب أن تكون عليه ثقافتها، وربما تجر الكتّاب الى كتابة ما يرضي هذه المؤسسات أو تلك، فيما آخرون يعتقدون أن غايتها تسليط الضوء على المنجزات الناجحة، ويعتقدون بأنها الطريق الأفضل والأسرع لزيادة الطلب على الكتاب ووصوله الى أيدي القراء والترويج له.
عن هذه الجدلية استطلعنا آراء بعض الأدباء والكتّاب للوقوف على حقيقة الجوائز وأهميتها وكيفية التمييز بين المهمة منها وغير المهمة..
إقصاء وتهميش
تحدث الروائي والشاعر (سعد السمرمد) معترفاً بأن الجوائز الثقافية تشكل حافزاً قوياً وتشجيعياً وملهماً للإبداع والتميز في الكتابة الأدبية، وأن التنافس لنيل جائزة ما يلقي بظلاله على قدرة العمل الأدبي وصقل تجربته، على الرغم من وجود انحياز خفي للمفهوم المؤسساتي في تهميش بعض المفاهيم وانحسارها فيما تبغيه وتطلبه تلك المؤسسات من رؤى خاصة، وتبعيتها لنوع مختلف، ومنحها لكتَّابٍ من دول متناوبة، وعدم تكرار منحها لأعمال إبداعية لتلك الدول، وهذا يجعل مبدأ الإقصاء والتهميش حاضراً، ويبدو أن امتناع المعروفين عن المشاركة يشير الى ذلك. وأضاف: “ثمة جوائز تبعد مانحيها عن استحقاقات في جوائز أخرى، كالروائي الياباني (هاروكي موراكامي)، الذي حصل على جائزة القدس عام 2009، فمنهم من يؤكد أن موراكامي حاز على جائزة القدس، لكنه حرم من جوائز أخرى لاعتبارات آيديولوجية وسياسية. من جانب آخر، تعد الجوائز شهادة اعتراف وتكريم وتقييم لنضج العمل الأدبي ووضعه في مكانه الحقيقي، إضافة إلى أنها دعاية معتبرة لتسليط الأضواء نحوه والالتفاف حوله، على الرغم من قلة حضور الجوائز الأدبية في عراقنا الحبيب.” مشيراً إلى أنه “في فرنسا وحدها ما يقارب الـ (2000) جائزة أدبية سنوية، حيث تعد ظاهرة صحية ورافداً لخلق صناعة ثقافية.” وهو ما أشار اليه بشأن الروائي الراحل (إلياس فركوح) الى ضرورة إعادة النظر في المعايير التي تنظم الجوائز، من الشروط الى التحكيم الى العدد، وأضاف (السمرمد): “نحن نسعى جميعاً لخلق قواسم مشتركة تضمن التميز والإبداع، اللذين هما مقصد كل جائزة، ويبقى الإطار الأخلاقي المؤشر الحقيقي لمنح الجائزة عفتها وشرفها ومصداقيتها.”
ترويج ثقافي
أما الشاعرة (غرام الربيعي) فقالت: “الجوائز الأدبية ظاهرة صارت تتسع باتساع المردود والأسباب، فلا نشاط يتحقق بدون التفكير بالجدوى، منها ما تعود الى المؤسسة التي تتبنى الجائزة كترويج ثقافي وشهرة لها، ما يدفع بالكتّاب الى التعامل معها وتوسيع منافعها والحصول على مبيعات عالية، ومنها ما يعود للكاتب نفسه، إذ تعود عليه بالشهرة والترويج لمنجزاته وعلاقاته.” موضحةً أن “هناك من يستحق فعلاً الترويج له كما أنه يستحق الجائزة، لكن هناك، وهو الجانب الأكثر شيوعا – في الواقع – العلاقات والمردود الاقتصادي والمحسوبيات، كما تلعب المجاملات دوراً في كثير من الأحيان.” مضيفةً: “ولا ننسى الأسباب السياسية وضغوطات الحكومات بعضها على بعض.”
مبينةً أن “ظاهرة الجوائز تبقى فرصة للتنافس والدافع الى الانجاز الأكثر عند الغالبية، ولا ننسى أن كثيراً من الجوائز تقف وراءها حكومات، أو جهات معروفة، أو مجهولة الدعم، لأغراض سياسية أو ثقافية أو تجارية.”
تراشق واتهامات
من جهة أخرى، تحدث الكاتب والشاعر (مهدي القريشي) عن الحيرة التي يقع فيها في اختيار قراءته الآنية أو المستقبلية، سواء أكانت في الشعر أو الرواية. هذه الإشكالية التي تسبب له الفوضى -على حد تعبيره- في الاختيار وإهدار الوقت في البحث عن الجديد الذي يتصف بمقومات الكتاب الجيد. مضيفاً أن “إقامة مراسم منح الجوائز حسمت لي الأمر، وهو الابتعاد قدر المستطاع عن قراءة الأعمال الفائزة، لأنها في النتيجة تخدم أجندات وأخلاقيات وآيديولوجيات المؤسسات القائمة عليها. وما يزيد الشك في أحقية هذا الكتاب أو ذاك في الفوز، هو حمّى الصراع على نيل الفوز بالجائزة من جهة، والتراشق بالاتهامات والتخوين لأعضاء هيئة التحكيم من جهة أخرى.” مبيناً أن “هناك بعض النتاجات التي تستحق الجائزة، التي تسعى (الجائزة) إليها بفخر، على العكس من اللاهثين خلفها ولكن بلا جدوى.”
(القريشي) أشار الى أن “علينا ألا نصدق من يدعي أنه زاهد في الجوائز الأدبية والثقافية، وأنه لم يشارك فيها، وذلك لما تدره من أموال ورفعة للكاتب في وسطه الثقافي.”
سيف ذو حدين
في السياق ذاته، قالت القاصة والروائية رغد السهيل: “أعتقد أن المسابقات الأدبية تدعم وتشجع المبدعين، لكنها أيضاً تبقى سيفاً ذا حدين، إذ إن كثرتها تعد عاملاً سلبياً، لأنها جعلت الهدف من الإبداع هو الجائزة والشهرة.” موضحةً بأنها -شخصياً- تفهم أن الإبداع لا يمكن قياسه بالجوائز، وإنما بمدى صموده مع الزمن. مضيفةً: “فكم من مبدع ما زلنا نقرأ له ولم ينل أية جائزة؟ ومن جانب آخر عدم وضوح رؤيا التقييم للأعمال المقدمة، وعدم تقديم تقرير موضوعي عن المنجز الفائز من قبل لجان التحكيم، وعدم إعلان أسماء المقيّمين في بعض المسابقات، كل هذا يثير الريبة في أن هناك مجاملات أو آيديولوجيا بعيدة تماماً عن التقييم الموضوعي، فلا نعلم لماذا جرى اختيار هذا المنجز دون غيره، وما هي مميزاته؟” متسائلةً عن “السبب وراء التكتم على أسماء لجان التحكيم، حتى لو كان تبرير ذلك عائداً إلى عدم إثارة اللغط أو محاولات الضغط على اللجان، فإن هذا بذاته سيحط من قيمتها، ويرفع من منسوب الشك حولها.”