حوار أجراه: علي السومري – تصوير:صباح الامارة /
هو روائي وشاعر وكاتب سيناريو ورسام كاريكاتير، ولد في بغداد عام 1973، كتب في الصحافة المحلية والعربية والدولية منذ تسعينيات القرن الماضي، وعمل مراسلاً في شبكة الـ (BBC) البريطانية ووكالة (MICT) الألمانية، نشرت له صحيفة (الأخبار) المصرية ملحقاً خاصاً لرسومه الكاريكاتيرية بعنوان (رأسي) عام 2000.
أصدر مجاميع شعرية عدة منها: (الوثن الغازي، نجاة زائدة، عيد الأغنيات السيئة، صورتي وأنا أحلم)، ومجموعة قصصية بعنوان (الوجه العاري داخل الحلم)، كما أصدر روايات عدة منها: (البلد الجميل) الفائزة بجائزة الرواية العربية في دبي عام 2005، و (إنه يحلم، أو يلعب، أو يموت) الفائزة بجائزة هاي فاستيفال البريطانية لأفضل 39 أديباً عربياً دون سن الأربعين عام 2010، وكانت أبرز رواياته (فرانكشتاين في بغداد) التي فازت بجائزة البوكر العربية عام 2014، وبجائزة الترجمة الإيطالية عام 2016، وجائزة الخيال الإبداعي الكبرى الفرنسية (GPI) عام 2017، وجائزة مان بوكر الدولية، القائمة النهائية، عن ترجمتها الإنكليزية عام 2018، وجائزة آرثر سي كلارك، القائمة القصيرة، عام 2019، وجائزة التينيكل الذهبي عام 2019، وترجمت إلى أكثر من سبع وعشرين لغة، في وقت وصلت عقودها الموقعة إلى ثلاث وثلاثين لغة.
كما أصدر بعدها في مجال الرواية (باب الطباشير) عام 2017، و(مذكرات دي) عام 2019.
كما عمل في التلفزيون مؤلفاً وسيناريستاً فكتب أعمالاً درامية عدة بينها (حفر الباطن) و (وادي السلام) اللتين عرضتا على قناة العراقية العامة.
“مجلة الشبكة” أجرت معه حواراً ابتدأناه بسؤال:
• أنت أحد الروائيين العراقيين الذين أوصلوا السرد، العراقي خاصة والعربي عامة، إلى العالمية، وكانت رائعتك (فرانكشتاين في بغداد) تذكرتك للوصول إليها، كيف تفاعل القارئ الأجنبي والنقاد هناك مع أحداث الرواية؟
ـ ما زالت الرواية تحصل على تفاعلات من القراء والنخب الثقافية والأكاديمية، إذ يكفي أن تضع اسم الرواية بأي من اللغات العالمية على البحث في تويتر مثلاً لترى التغريدات المستمرة حولها حتى الآن. صدرت الطبعة اليابانية منذ شهرين وما زالت هناك تغريدة كل نصف ساعة في تويتر حولها، فضلاً عن مقالات المراجعة والندوات. ربما قبل نشر هذا الحوار أكون قد أجريت ندوة عبر تطبيق زوم مع أساتذة ونقاد من الجامعات اليابانية عن الرواية، تنشر الأجوبة فيها لاحقاً في الصحف اليابانية. من الجميل أن تقرأ تغطيات تأتي من مختلف الأماكن حول العالم، وأن تكون الرواية مادة لمراجعة برامج إذاعية ثقافية في غينيا، أو هدية لأعياد الميلاد في بولندا من قارئ لحبيبته، وعشرات المواقف الطريفة الأخرى. الشيء المهم هو أن يتحرّك فضول القرّاء للتعرف على بغداد والعراق والثقافة العربية عبر هذه الرواية وروايات أخرى لكتاب آخرين، وأن يتعاطف أناس من خلفيات مختلفة مع المآسي العراقية.
• كم وصل عدد ترجمات الرواية حتى الآن؟
ـ صدرت ترجمات للرواية حتى الآن إلى 27 لغة، لكن العقود الموقعة مع دور النشر تجاوزت 33 عقداً، فضلاً عن قرب صدور الترجمة الفرنسية لرواية (باب الطباشير) من قبل ناشري الفرنسي دار بيرانيا، ومترجمة (فرانكشتاين في بغداد) الأستاذة القديرة فرانس ماير. بالإضافة إلى تفاهمات بين وكيلي الأدبي مع دور نشر بشأن أعمالي الأخرى.
• من يقرأ لك، منذ روايتك الأولى (البلد الجميل) وصولاً إلى (مذكرات دي)، مروراً بباقي الروايات، يُدرك جيداً أنك صاحب مشروع روائي، أين وصلت بهذا المشروع الكتابي؟
ـ لدي ستة كتب مطبوعة حتى الآن، وأنظر إلى نفسي أنني ما زلت في بداية الطريق، وما زال لدي كثير من الأشياء التي أتمنى أن يسعفني الزمن والحظ والمصادفات كي أنجزها، ولا أبالغ إذا قلت لك أنني احتفظ في مسوّداتي بعشرة مشاريع على الأقل لكتبٍ أعمل على بعضها منذ عام 2010، لكن إصدار الكتب بحد ذاته ليس هو الهدف بقدر الشعور بالإنجاز، وأن تقدم في كلّ مرّة ما تشعر بأنه يمثل إضافة إلى المشروع الكتابي، وما يستحق أن ينفق القارئ وقته في مطالعته، وهذا ما يجعلني أنفق وقتاً كبيراً في إنجاز مسوّدات لرواية قد أتركها لأعود إليها بعد سنوات، هذا ما حصل مثلاً مع رواية (الرحلة غير المؤكدة والأخيرة) التي أعدت كتابتها ثلاث مرّات حتى الآن، ومن المفارقة أنني ذكرت اسم هذه الرواية داخل (فرانكشتاين في بغداد).
• في رواية (باب الطباشير) تنبأت عبر أزمنة الرواية المتعددة بوقوع أحداث معينة، سياسية واجتماعية، وحدثت! هل تعمدت مكاشفتنا بما سيحصل في العراق كنتيجة حتمية لما حصل فيه في الماضي القريب؟
ـ لا أعتقد أن من مهمات الكاتب أن ينجز تنبؤات، لكن يمكن أن نقول أنه استقراء، أو مصادفات، من الطريف أن عدداً من الأحداث التي جرت بعد صدور الرواية كانت فيها إحالات إلى أشياء موجودة في الرواية، لكن ماذا بعد مرور السنوات؟ هل سيتذكر القارئ الجديد هذه الأحداث، وهل يستطيع إنجاز علاقة ما بين الرواية وما يمكن أن يبدو أنه تنبؤات لأحداث جرت في الواقع؟ لا أظنّ هذا، يبقى صمود العمل الأدبي متعلقاً بالقوّة الفنية، وقدرة الكاتب فيه على إنجاز استعارة عن الوضع البشري، وتوثيق لحظات من النشاط الإنساني في بقعة ما من الأرض ولحظة زمنية محددة، لقد رافقت رواياتي حتى الآن أحداث مفصلية في التاريخ العراقي المعاصر، لأنه تاريخ مليء بالدراما ومليء بالاستعارات الإنسانية الكونية، يمكن للكاتب العراقي أن يقدّم أعمالاً أدبية كبيرة تؤثر في القارئ في أي مكان بسبب خزين الاستعارات الإنسانية الهائل الذي لدينا، فضلاً عن أن الأدب يبدو في جانب مهم من وظائفه أنه يحارب النسيان، علينا أن ننسى ما جرى لنا إن كان لنا أن نتعلّم ونتقدم في الزمن وأن لا نكرّر المآسي التي مررنا بها مرّة بعد أخرى.
• تعمد في كتاباتك إلى تشريح المجتمع العراقي وتشخيص علله، وما مجموعتك القصصية (الوجه العاري داخل الحلم) إلا برهان على ذلك، ونرى فيها كيف تتحول أحلام العراقيين إلى كوابيس خانقة، هل تشعر بمسؤوليتك لتوثيق هذه الفظائع؟
ـ كما قلت في آخر الجواب السابق؛ إن ما جرى لنا عبر الحقب السابقة، ولاسيما في السنوات الخمس عشرة الماضية، يستحق التوثيق الفني والأدبي من أجل محاربة النسيان. ولا أقصد هنا التوثيق البارد والحيادي الذي يمكن أن تقوم به الإحصائيات أو التقارير الرسمية والصحفية، وإنما توثيق ذلك الجانب المخفي الذي يتسرب ويفلت من الوثيقة الرسمية والصحفية، توثيق اعتمالات الروح الإنسانية واختلاجاتها النفسية والعاطفية تجاه ما يحدث لها، توثيق البصمة الإنسانية. في حدث مثل مجزرة سبايكر الذي شاع في الإحصائيات أنه خلّف 1700 شهيد، فإن التوثيق الصحفي والرسمي ينظر إلى الرقم ومسار الجريمة التي حصلت، أما عند التأمل الإنساني العميق فإن لدينا 1700 قصة، وإذا أضفنا إليهم شخصيات القتلة فسيكون عدد القصص كبيراً. الإنصات إلى هذه القصص بدفقها الإنساني شيء لا يستطيع القيام به إلا اثنان: الآلهة والفنانون.
• كُنت، ومازلت، رساماً كاريكاتيرياً، وشاعراً، وصحفياً، ومراسلاً إذاعياً، وسيناريستاً، وقاصاً وروائياً، أي جنس من هذه الأجناس الإبداعية الأقرب إلى روح سعداوي؟
ـ دخلت إلى العمل الصحافي وأنا مكتمل الأدوات ككاتب، لقد استفدت من خبرتي الثقافية والأدبية في العمل الصحفي الذي دخلت إليه مضطراً للعيش، وقد تعلمت أشياء كثيرة من العمل الصحفي أفادتني لاحقاً في مساري الإبداعي، لكني دفعت أيضاً ضرائب من وقتي وجهدي في سبيل ذلك. لقد أخذت الكتابة الأدبية كلّ وقتي للأسف في السنوات الخمس عشرة الماضية، ما زلت أعود بين وقت وآخر إلى فراشي الرسم والألوان من أجل الاسترخاء وطرد التوتّر، لكن مع تعقيدات حياتنا لن يكون سهلاً الاستمرار والتواصل في مجالات عدة وتحقيق تقدّم فيها في وقت واحد. ضمن مسار الكتابة نفسه فنحن نخطط أنا وناشري العربي (منشورات نابو) إلى إصدار كتابين شعريين العام الحالي، الأول يضمّ مجموعاتي الشعرية الثلاث التي أصدرتها في عقد التسعينيات، والكتاب الثاني يحوي النصوص الجديدة.
• قرأنا عن تحويل (فرانكشتاين في بغداد) إلى فيلم سينمائي وعمل مسرحي، أين وصل الإنتاج في هذين المشروعين العالميين؟
ـ كان يفترض أن يبدأ التصوير في الفيلم خريف 2020 ولكن جائحة كورونا عطّلت العمل وأجلته إلى العام الحالي. وهذا السبب نفسه الذي أجّل عرض مسرحية (فرانكشتاين في بغداد) على مسارح لندن إلى موسم 2021.
• لنتحدث الآن عن موقف المثقف العراقي مما يحدث في الوطن، برأيك هل ساهم المثقف العراقي عبر كتاباته ومواقفه بتبني الاحتجاجات السلمية الداعمة لبناء عراق ديمقراطي حقيقي؟ كيف تقيّم هذه المواقف؟
ـ إن الصور التي عرضت عن الحراك الاحتجاجي العراقي، إن كانت مع انتفاضة تشرين 2019 أو ما قبلها، تمرّ غالباً عبر مرشّحات الفن والتغطية الخبرية الصحفية ونشاط مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وفي كلّ هذه المسارات كان المثقف حاضراً بخبراته التقنية والفنيّة ووجهات النظر والتواصل مع العالم الخارجي لشرح الصورة الدقيقة عن هذا الحراك الوطني ودحض الشائعات وحملات التشويه والتزييف والتضليل، ولا شكّ أن هذا لم يكن من دون دفع ضرائب وتحمل تكاليف وصل بعضها إلى التغييب والخطف والتهجير من قبل القوى المعادية لطموحات الشعب العراقي وآماله.
• سؤالنا الأخير، لابد منه، ما جديدك؟
ـ أكملت منذ أسابيع المسوّدة الأولى لعمل روائي جديد، ربما يكون جاهزاً للطبع أواخر شتاء هذا العام أو بداية الربيع، سيكون عملاً قصيراً ما بين 100 إلى 120 صفحة تجري أحداثه في ناحية ريفية في منتصف القرن الماضي.