سريعة سليم حديد/
الهمُّ العراقي من ألم وضياع واحتلال وفقر كان الطابع العام الذي ظهر في نتاجاته الأدبية قصصاً وروايات.. فعبَّر عن الجانب الاجتماعي والوطني بقلم ملؤه الحسرة على واقع طالما حلم بتغييره نحو الأفضل والأجمل.
الأديب الروائي جابر خليفة جابر، علمٌ من أعلام الأدب الروائي العراقي بما يتميَّز من رشاقة في الأسلوب وعذوبة في صياغة المعاني وقوَّة في التقاط الأفكار المميزة… مما جعله هدفاً لأقلام النقاد وصفحات الصحف وصولاً إلى دور النشر والترجمة.
* لكل أديب حياة طفولة مميَّزة من شأنها أن ترسم له تضاريس حياته القادمة.. فأية طفولة كانت لك مع الإبداع, وما هي إرهاصاتها المؤشِّرة إلى ذلك؟
ـ بيئة كثيفة الخضرة، أنهار وجداول.. شط العرب.. نخيل وبساتين.. وسواحل للخليج.. سفن وبواخر وقوارب صيد وأشرعة، هكذا كانت (الفاو)، وفي هكذا بيئة عشت خمسة عشر عاماً كان لها أثر بالغ وأساسي في تكويني النفسي ورسم ملامح شخصيتي وتركيبتها، في مجتمع (الفاو) المتجانس والمسالم عشت بسلام ولم أزل منشداً لها منتشياً بذكرياتها الطيبة.
* أما آن لنا أن نخصص جوائز لحكاياتنا وحراسِنا، ونرسم لديكَتنا ألواناً زاهية جديدة؟
فهل برأيك اليوم أصبح من الممكن أن يشير ذلك السهم (سهم ديك القراءات) إلى كتَّاب جديرين بالمتابعة ونيل الجوائز بحق على الصعيد العربي بشكل خاص, وما هي المظاهر المميزة التي لفتت نظرك في تلك النتاجات الأدبية؟
– أرى ـ وهذا من الواضحات ـ أن لكل جائزة من يموِّلها, ولكل مموِّل أهداف وسياسات، وهذا يجعل الجوائز العربية والعالمية الأشهر غير محايدة. ما دعوت إليه هو جوائز تخدم أهدافاً وسياسات وطنية وإنسانية, وتشجع على تعزيز الذات الحضارية والثقافية لكي ترقى إلى مستوى محاورة الآخر والتفاعل معه إيجابياً. وللمثال نجد وبتوافق غريب أن أغلب الروايات الفائزة بالبوكر العربي تتحدث عن أقلية مسيحية يضطهدها محيط مسلم! فما سر هذا التوافق؟ أمر يفترض أن يثير انتباه الدارسين والنقاد.
*قصَّة (ساعة أمينة) قصة امتزجت فيها معطيات كثيرة من التاريخ.. الشعر.. الألم.. الذكاء.. الحيَل… ما أعطاها تلوُّناً سردياً مميَّزاً… فأية حالة عشتها وأنت تكتبها وأية مؤشرات أوحت لك بذلك؟
– “ساعة آمنة” أحدث قصة كتبتها, ولعلي حاولت فيها أن أتجدد وأختلف عما كتبته قبلها ، إذ أنني أؤمن وأبذل الجهد لكي لا أكرِّر نفسي ، ثم أن للقصة أبعاداً عاطفية ووطنية تحاول الإعلان عن الأمل وسط صحراء اليأس السائد في زماننا هذا.
– ظهرت ترجمة لروايتك “مخيم المواركة” بقلم المترجمة القديرة فوزية موسى.
ماذا تحدِّثنا عن تلك التجربة وما هي الأصداء التي انبثقت عنها على الساحة الأدبية بشكل عام, وعلى ذاتك بشكل خاص؟
ـ تبنّي دار عالمية بمستوى دار روزدوك بوك لنشر الترجمة الإنجليزية لرواية “مخيم المواركة” هو حدث نادر عادة بحكم حسابات الربح والخسارة لهذه الدور الكبرى، ولولا اقتناعهم بموضوع الرواية وبنائها الفني لما وافقوا على نشرها. وقد أشارت بعض المواقع الأدبية المتخصصة إلى أهمية الترجمة مثل موقع الناقد العراقي وغيره.
ـ قصة “كاليري ماريا” تمتلك صوراً سردية مميَّزة انبثقت من عمق الألم وجمالية الطبيعة… فظهرت فنيَّة السرد في تلك المزاوجة ما بين القص ومشاهد انطلاق فرشاة الرسم المناسبة لمسار تلك القصص..
حدِّثنا عن تلك المزاوجة وعن كيفية البناء القصصي المتراوح ما بين الكلمة واللوحة.
ـ اهتمامي بالمزاوجة بين السرد والرسم يعود بالدرجة الأولى إلى اشتغالي في كتابي القصصي (طريدون)، أرى أن المجاورة بين الأجناس ضمن الإطار السردي العام تضيف لمسات جمالية كثيرة.. كاسرة للرتابة ومحفِّزة على القراءة والتفاعل الإيجابي مع القصة والرواية. ومن هذا المنطلق الفني الجمالي حاولت في قصتي “كاليري ماريا” رسم الأحداث بالكلمات سعياً لإعادة عرض الوجع العراقي بطريقة وشكل مختلفين عما هو تقليدي ومكرَّر.
*التاريخ العراقي مفعم بالألم والحروب والمآسي.. استطعت أن تجر الأحداث إلى خارج العراق فتجلّى ذلك في طابع الهروب من الواقع المعاش في الكثير من قصصك وروايات عن طريق الهجرة إلى الخارج.
فهل ما يزال ذلك الثوب الذي ألبسته لشخصيات قصصك ورواياتك صالحاً حتى الآن, خاصة وأن الوضع قد ازداد سوءاً حالياً؟
– شخصياً لم أكتب أي نص لا ينطلق من الهمّ العراقي، حتى في كتاباتي وقصصي الأولى التي ركزت أكثر على مأساة فلسطين، اذ ليس هناك من فرق أو تباين في الوجع الإنساني عموماً والعربي خاصة، أما إذا كنت تشيرين إلى رواية “مخيم المواركة” التي تناولت مأساة الأندلس بعد سقوط غرناطة فهذا مما فات العديد من القراء والنقاد. وعادة ليس لدي نص بلا رسالة، الرسالة هي؛ إن استمر تنازعنا وتمزقنا واستعانة بعضنا بالأجنبي على بعض، كما يحدث في بلادنا العربية الآن وخاصة في العراق وحتى سوريا ولبنان، إذا استمر هذا الحال فلا مصير أمامنا سوى مصير الأندلس المرعب والموجع، ضياع الأندلس والأسوأ اختفت الأمة الأندلسية ولا وجود لها الآن!
أليس هذا سبباً كافياً لنراجع حالنا؟ هذه رسالة “مخيم المواركة” وهذا ما يدل على أنها كتبت من قلب الهمّ العراقي, وليس عن الأندلس المختفية!
*تتجدد آلام العراق, والتاريخ يعيد نفسه باستمرار, ولكن الآن الوضع العراقي بات أكثر إيلاماً…
فما هي نظرتك للأدب العراقي حيال الأزمة, وهل استطاع عكس الواقع كما يجب؟
ـ الشعر العراقي مواكب مميَّز للأحداث وميزاته كشعر تؤهله لذاك خاصة أن الشعر العراقي هو الأول عربياً؛ أما السرد فيحتاج إلى وقت واختمار ونضج ولا أظن ما كتب بعجالة عن بعض ما جرى من ويلات ودمار قد ارتقى بعد إلى مستوى الفجيعة. ما زلنا بالرغم من التدفق السردي الكبير في العراق دون مستوى الحدث لكنني أتوقع أن ينتج هذا الكم المتراكم تميزاً نوعياً وقد بدأت بعض بوادر هذا التميز فعلاً.
* ماذا تحدِّثنا عن جديدك الإبداعي الآن, وما تطلعاتك لتطوير فن الرواية الآن؟
ـ أهم جديد عندي هو روايتي “دار بهار” لم أزل متأنياً في دفعها للنشر, فأنا ممن يعمل بطريقة الإنضاج الهادئ البطيء. هناك كتب أخرى منجزة تنتظر النشر مثل “عمار اشبيليو” وهو النسخة شبه الشعرية لـ “مخيم المواركة” وكذلك كتاب “نور يريد أباه” وقراءات في الرواية وقراءات في القص وكتب غيرها ومشاريع كتب ورواية.