د.حسن عبد راضي /
منذ أكثر من عشرين عاماً وهو يطوف في قارات العالم، باحثاً عن أسرار الوجود محاولاً فهم ألغازه.. بالشعر تارة، وبالكتابة تارة أخرى، عشق الثقافات الآسيوية وكتب عنها في “طواف بوذا” وفي نصوصه الشعرية، وسحرته أميركا اللاتينية فكتب فيها “الحلم البوليفاري”، وتوغل عميقاً في أدغال أفريقيا واقترب من أوجاع إنسانها في رواندا وكينيا وسواهما، فكتب “لؤلؤة واحدة وألف تل”..
الشاعر والكاتب العراقي باسم فرات في حوار مع مجلة الشبكة العراقية:
* متى انطلق باسم فرات الى العالمية؟
– أعتقد أن كلمة العالمية كلمة صعبة، لكن أرى أن الترحال والاحتكاك بالثقافات ولاسيما عندما يكون هذا الاحتكاك أو الاندماج أو السفر ليس سفراً سياحياً وإنما نظرة ثقافية بحتة، تتكون لدي رؤى مختلفة كثيرة، وعندما أكتب يكون ذلك الحس الإنساني واضحاً في قصائدي، هذا ما لمسته عندما ترجمت بعض قصائدي الى الإنكليزية والإسبانية وغيرها من اللغات، لكني أميل الى اللغة الإنكليزية كونها تصدرت قصائدي وكتبت بها عني مقالات ودراسات كثيرة سواء في الولايات المتحدة الأميركية، ونيوزلندا، وكندا، وغيرها من الدول، فهذا كله أعدّه الانطلاقة الحقيقية لي نحو العالمية.
* كيف تنظر الى تجربة شاعر من الشرق الأوسط عندما يعيش في ثقافة مختلفة ويحاول أن يكتب نصّاً جديداً منسجماً مع تلك الثقافة دون الانقطاع عن ثقافته الأصلية؟
– هنالك مأزق كبير عاشه بعض الشعراء، إذ أنك عندما تعيش في مجتمع مختلف من حيث اللغة والثقافة، واذا كنت تفكر بالجمهور، ولاسيما عندما تكون ناشطاً بالقراءات، فلا أظن أنك ستكتب نصاً حقيقياً وإنما مداعبة لجمهور مفترض، ولا أتذكر أني في يوم من الأيام فكرت بالجمهور الذي سيحضر جلساتي الشعرية، بل أكتب برؤية خاصة للشعر لكن بمؤثرات المنطقة والمكان والثقافة الجديدة، وهذا ما ظهر جلياً في القصائد التي كتبتها بعد سنوات عدة في نيوزلندا، لذا أعتقد أن التآلف مع المكان والثقافة الجديدة هو الذي يجعل النص الجديد الذي يكتبه الشاعر القادم من منطقة عربية الى منطقة أوروبية مختلفاً بقدر جذوره التي تمتد في الهوية الأولى وتكون منفتحة على الثقافة الجديدة، فلا تخسر جذورها وفي الوقت نفسه تكون متآلفة مع الثقافات الأخرى.
* عشتَ طويلاً في بيئات شتى ليست عربية، هل تعتقد أن لديك جمهوراً أجنبياً مثل جمهورك العربي الذي يتابع كتاباتك؟
– نعم، نصوصي الشعرية كانت تستقطب جمهوراً كبيراً، ولا سيما في نيوزلندا، بل كنت أحصل على الأموال من جلساتي الشعرية، وأتذكر أن بطاقة حضور الجلسة الشعرية كانت تباع بـ (12) دولاراً، لهذا لم أحصل على الأموال من دواويني الشعرية بالعربية بل بالإنكليزية، وكنت أنتبه دائماً إلى الجمهور بعد القراءة وأجد في داخلهم الإحساس الكبير بالكلمة مع إعجاب بموسيقية اللغة العربية، وأكثر ما يصلني باستمرار نشوة الإحساس عند المتلقين وهم ينصتون بدقة الى النصوص الشعرية بشغف كبير.
* كيف أثّرت تجربة الترحال الشاسعة عندك في نصِّك الشعري؟
– تجربة الترحال أضافت لي كثيراً، فجعلت عوالم قصائدي مختلفة من حيث المكان والثقافات، فعلى سبيل المثال كنت اقطن في اليابان في منطقة قريبة من مكان سقوط قنبلة هيروشيما، هذا الموضوع كان له تأثير قوي وواضح في قصائدي، وكذلك عندما ذهبت الى أميركا الجنوبية بعوالمها السحرية التي قرأناها عند الروائي (ماركيز) وبقية الروائيين، تسلل هذا الأمر أيضاً الى نوعية كتاباتي وروحيتها، حتى أن من يقرأ قصائدي يشعر برائحة المكان الذي أكون فيه وعبقه، لذا أتذكر الكاتبة المبدعة لطفية الدليمي عندما قرأت بعض قصائدي فقالت: جعلتني أشم روائح البهارات والمكان في “لاوس” الهندية البوذية.
* بعض دواوينك الشعرية ترجمت الى لغات عدة، كيف ترى تجربة الترجمة من العربية الى اللغات الأخرى؟ وهل كانت الترجمة أمينة حافظت على روح النص؟
– سأقول كلاماً ربما سيزعج الكثير، أؤمن أن أي نص عربي إذا ترجم الى أية لغة من لغات العالم لا يعطي المستوى والدقة المتناهية نفسها، بينما عندما يترجم النص الأجنبي الى العربية يكون أجمل وأكثر لياقة مع أن الفكرة والمضمون نفسهما، وهنا أتحدث عن المترجم الذي يكون متمكناً من أدواته وعارفاً ماذا يعمل.
* متى بدأت مشروع أدب الرحلات؟ في أية رحلة وفي أية سنة؟
– هذا المشروع كان مؤجلاً سنوات طوالاً، وكان من المفترض أن يبدأ قبل أكثر من عقدين، وأكثر من حفّزني لخوض تجربة الكتابة في أدب الرحلات هم كل من الكاتبة لطفية الدليمي، والناقد والشاعر الدكتور صالح هويدي، وصديق المنافي الشاعر صباح خطاب، هؤلاء الثلاثة هم من زرعوا بي حب هذا المشروع وألحّوا عليّ أن أدوّن سيرتي وحياتي المكانية وأدب الترحال، فبدأت الكتابة من (الإكوادور) عن رحلتي الأولى التي تبدأ من أقصى الجنوب ثم حول الإكوادور، فوجدت أفضل تحفيز في موقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك، لكنني كنت أجد صعوبة في إيجاد جهاز حاسوب، وكنت أنشر بشكل يومي، ثم نشرت كتابي الأول (مسافر مقيم.. عامان في أعماق الإكوادور) وبعد ذلك أتممت كتابي الثاني عن رحلتي الى بيرو وكولومبيا (الحلم البوليفاري) وحاز هذا الكتاب على الجائزة الأولى في أدب الرحلات في مسابقة ناجي الساعاتي عام 2015، ثم جاء كتابي الثالث عن تجربة اللجوء ورحلتي في عموم نيوزلندا بعنوان (لا عشبة عند ماهوتا)، ثم جاء الكتاب الرابع الذي تناول تجربتي في جنوب شرق آسيا، وبعدها نشر كتابي الخامس والأخير بعنوان (لؤلؤة واحدة وألف تل)، لذا أستطيع القول إن أهم ميزة في أعمالي هي أني أكتب بطريقة خارجة عن المؤثرات الاستشراقية والسياسية.
* أخيراً هل ستكتب رحلتك.. رحلة الإياب الى العراق؟
– هل قرأت ما ببالي؟! نعم، هذا المشروع أنا عازم على إنجازه منذ شهور عدة، أعتزم أن اكتب عن رحلتي في الخروح من العراق وكيف غبت سنوات طوال جداً، وشعوري عندما عدت بعد كل هذه الأعوام وكيف وجدت العراق والاختلافات سواءٌ أكانت إيجابية أم سلبية، وسيرى هذا المشروع النور قريباً إن شاء الله.