حسين محمد عبد فيحان/
تأثر بديوان الجواهري فكان لا يفارقه بأجزائه السبعة حتى كتب الشعر, ثم اتجه بعد ذلك إلى عبد الرحمن منيف ليشتري جميع رواياته ويقرأها متأثراً بها, فكتب قصته الأولى (الحلم) وقد نشرت في مجلة الطليعة عام 1983, جاعلاً بها الوسط الأدبي معترفاً به وليدخل الساحة الأدبية بقوة.
البدايات
ينتمي علي حسين عبيد إلى جيل الحرب ويفضل الجيل الستيني على باقي الأجيال الأدبية. المرأة كانت الكائن الذي سجل الحضور الأكبر في رواياته وقصصه, ترك البلاد مهاجراً لكنه عاد إليها باكياً. القاص والروائي العراقي علي حسين عبيد, التقته مجلة (الشبكة) وكان أول الأسئلة: متى شعر علي حسين عبيد بأنه أصبح يستحق صفة (قاص وروائي)؟ فأجاب: “سعيت سنوات كي أحصل على هذا الاعتراف، فقد كان من الصعب جداً أن تحصل على هذه الصفة، وكان الوسط الثقافي لا يمنح الشرعية لشخص ما على أنه (أديب) إلا بعد أن يمر باختبار عسير قد يمتد لسنوات، وبعد ذلك الاختبار، أما أن يتم الاعتراف به أو لا يتم”. يضيف: “بدأت الكتابة منذ مرحلة المتوسطة، أدوّن مذكراتي اليومية البسيطة في دفتر (مائة ورقة)، أحداث يومية بسيطة باهتة وفيها أحياناً مواقف تدعو للقراءة والدهشة، بعد ذلك كتبت الشعر، وعشقت الجواهري الذي كان ديوانه بأجزائه السبعة لا يفارقني، نشرت عدداً من الأبيات في صفحات القراء بمطبوعات عراقية وعربية، منها مجلة الإذاعة والتلفزيون (مجلة فنون)، ومجلة المجالس المصورة في الكويت، ثم تركت الشعر”. ثم يتحدث عن انتقاله للقصة القصيرة وشغفه بها “بعد قراءات كثيرة متواصلة، أدهشني عبد الرحمن منيف في (شرق المتوسط)، اشتريت جميع رواياته منها (قصة حب مجوسية، الأشجار واغتيال مرزوق، حين تركنا الجسر، مدن الملح) وقرأتها جميعاً وتأثرت به كثيراً، كتبت عدداً من القصص الأولى، حتى وصلت – بعد سنوات ربما خمس سنوات متواصلة من القراءة والتمرين على الكتابة – إلى قصة (الحلم) التي تم نشرها في مجلة الطليعة الأدبية العدد 11 من سنة (1983)، هذه القصة أرغمت الوسط على الاعتراف بأديب جديد يدخل ساحته بقصة قيل أنها متميزة في حينها”.
حديث الأجيال
*جرت العادة أن يكون كلّ أديب عراقيّ منضوياً تحت مسمّى جيل ما من الأجيال، فهل يُحسب “علي حسين عبيد” على جيل معيّن وما هو رأيك بمسألة التجييل في الثقافة والأدب العراقيين؟
يجيب عن ذلك بقوله: “هناك من لا يعترف بمصطلح الجيل الأدبي، ولكنه أمر واقع، أنا أنتمي إلى جيل السرد الثمانيني، أو ما أُطلق عليه بجيل الحرب، الغريب أنني لم أتفاعل مع قصة الحرب، ولم أفكر بنشر مجموعة قصصية تضم نصوصاً عن الحرب، على الرغم من أنني كانت حاضراً وفاعلاً في المشهد القصصي، وكانت فرصة نشر قصة الحرب متاحة للجميع، حتى المواهب الضعيفة تسللت للسرد القصصي تحت مظلة قصة الحرب، لكنني لم أفكر بهذا، وكنت أنشر قصصاً ذات مضامين بعيدة عن وقائع الحرب المباشرة، كنت أنشر قصصاً عن الفقر، والناس المهمشين، وعن الحب والألم، في عام 1989 قدمتُ مجموعتي الأولى (امرأة على الرصيف) إلى دار الشؤون الثقافية وتم رفضها، وقد نصحني الخبير بتغيير عنوانها إلى (عنوان إعلامي مع إضافة ثلاث قصص عن الحرب للمجموعة) لكي تسهل عملية نشرها، لكنني نسيت الأمر وانقطعت خمس سنوات عن النشر وابتعدت عن الوسط، من 1989 إلى 1994.
يتحدث عبيد عن أفضل الأجيال الأدبية وأقربها إلى قلبه فيجيب بثقة “قطْعا الجيل الستيني، فهو جيل متميز متمرد أثرى المشهد بأفكار عميقة وأساليب كتابة مغايرة، ولا أظن هناك من يختلف من الأدباء مع الرأي الذي يضع الجيل الستيني في المقدمة دائماً”.
تدوين الواقعة العراقية
*مفردات الواقعة العراقية الفادحة كالحرب والحصار والهجرة والإرهاب.. ماذا تعني للكاتب وكيف أمكن له توظيف مضامينها في شغله السرديّ؟
هذا ما يجيب عنه عبيد بتفصيل:
“الحرب وسمت تاريخ العراقيين ماضياً وحاضراً، وقطفت من أعمارنا (العمر كله)، فقد فتحنا أعيننا على رصاص ومدفعية (الإطاحة بعبد الكريم قاسم)، وربما سنغلقها على ضجيج الحرب، فالتطرف والإرهاب يضرب بلادنا ومنطقتنا بل العالم كله، وقبل ذلك جعلنا الحصار الأممي المشرعن نأكل خبزاً مخلوطاً بعيدان الخشب، فما أن ننتهي من وجبة أكل حتى نبدأ بتنظيف حلوقنا (اللثّة) من عيدان الخشب التي تنبت في أفواهنا كالإبر، بسبب طحن الحكومة للخشب أو سيقان الذرة اليابسة مع القمح لقلته. جوع وعذاب وحرمان وخوف ودمار مستمر. أما الهجرة فلا تزال قائمة إلى يومنا هذا، وشخصياً جرّبتُ قبل عشر سنوات صفقة تهريب إلى أوروبا ربما يعرفها كثيرون، ولو أتينا للإرهاب فإنه قطف الكثير من أرواح العراقيين بلا وجع قلب ولا تمييز ولا ضمير ولا شرف، وهل للإرهاب شرف؟
العلاقة مع المؤسسة الثقافية
*سألناه عن تقييمه للمشهد الأدبي الآن: “لماذا أنت مبتعد عن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، هل أنت في خصومة مع شخوص هيئته الإدارية لأسباب ثقافية عامة”؟ فأجاب بأن “المشهد الأدبيّ لا يختلف الآن عن سواه من مشاهد حياتنا الأخرى، فهو للأسف تابع وليس متبوعاً، وبدلاً من أن يغير الأدب في حياة وسلوك الناس، بات هامشياً، هذا طبعاً رأي شخصي، قد يصح وقد يخطئ، وفي الحالين لا مشكلة في ذلك، ولكن من المهم أن يكون الأدب متبوعاً وليس تابعاً، ومؤثراً لا متأثراً.
أيّ دور لوزارة الثقافة؟
*الإهمال الرسميّ للثقافة يحتّم علينا أن نستوضح عن دور وزارة الثقافة في هذا الصدد، فهل أدت هذه الوزارة دورها أم أن المحاصصة أبعدتها عن مجالها الحيويّ؟
ـ نحن في العراق نفتقد للبناء التراكمي، بمعنى أن الحكومة الجديدة تنسف كل ما أسسته وبنته وطورته الحكومة السابقة لها، لتبدأ بتأسيس وبناء جديد، وهذا يعني ضياع جهود كبيرة للحكومات السابقة ويعني أيضاً العودة إلى الصفر، المشكلة أن هذا الخلل ينطبق على جميع وزارات ومؤسسات الدولة، ومنها وزارة الثقافة.
تمثال الجواهري
*أثير في الآونة الأخيرة جدل كبير في مواقع التواصل الاجتماعيّ حول تمثال الشاعر الكبير الجواهري الذي نُصب في مدخل اتحاد الأدباء.. هذه فرصة لنسألك عن رأيك بالتمثال وبالجدل الدائر حوله؟
– باختصار الجواهري العملاق لا يحتاج إلى تمثال، فهو يعيش في أعماقنا بالتمثال أو بسواه، وهو أرفع من أن يختلف هذا وذاك على هذا التمثال أو ذاك، أظن أن هذا الأمر لا يعني الجواهري كثيراً لو كان حيّاً، لذلك لم يخطر في بالي الخلاف على هذا التمثال، وسأقول لك بصدق، إنني عندما أزور مقر الاتحاد في بغداد لرؤية أصدقائي الأدباء، لا أنظر إلى تمثال الجواهري، ليس لأنني على خلاف مع منتِج هذا التمثال، ولكن ما قدمه الجواهري من إبداع شعري، يجعلني في غنى عن مشادات وخلافات فائضة من قبيل ما يحدث.
توثيق الحاضر
* هل بدأ الجيل الأدبي لمعارك وحرب تحرير الأرض من تنظيم داعش توثيقه لهذه المرحلة أم أنه لم يبدأ بعد؟.
– نعم هناك بدايات أولية في هذا المضمار، ومنها جيدة وراسخة، كما في رواية أحمد سعداوي (فرانكشتاين في بغداد)، وعدد من الروايات والقصص في هذا المجال، هنالك المسابقات المحلية التي تقيمها بعض المنظمات الثقافية، هي أيضاً تصب في هذا الإطار، ولكن في العموم، وكما هو معروف، فإن الأدب الكبير والعميق، لا يُكتب إلا بعد أن تمضي عليه فترة كافية، كي تستعيده الذاكرة السردية بتأنٍ وتأملٍ وإبداع حقيقي.
صراع الصحافة والأدب
*هناك سؤال يتكرر بإفراط ولا مفرّ من الالتقاء به كلما كان الضيف أديباً مشتغلاً بالصحافة، السؤال عن العلاقة بين الصحافة والأدب، وهل تؤثر تلك على هذا سلباً؟
ـ هذه عقدة كبيرة، فقد أصبحت الصحافة أو الكتابة الصحفية، مصدر رزقنا وأعني بصيغة الجمع عدداً كبيراً من الأدباء، ولهذا أتخيّل أحياناً أنني أتناول في وجبات طعامي حروفاً وكلمات، نعم باتت الحروف والكلمات هي التي تطعمنا، وتقضي احتياجاتنا الحياتية الأخرى، نحن وعائلاتنا بالطبع، ولكن مع ذلك هناك فرصة للموازنة بين العمل الصحافي ومواصلة الإبداع، الأمر ربما يعود إلى القدرات والمؤهلات والخبرات الشخصية، أعرض لك مثالاً من تجربتي الشخصية، فأنا الآن وفقاً لعملي الصحفي مطالَب بكتابة ألف كلمة يومياً باستثناء الجمعة، مقابل أجر شهري يكفيني وعائلتي، إضافة إلى بعض الأعمال الكتابية الصحفية الأخرى، هذا العمل اليومي متعب طبعاً، وقد يستنزف طاقات الكاتب، لكن مع ذلك، قبل شهور عديدة، أي في السنة الماضية، تمكنت مع مواصلتي لعملي الكتابي الصحفي اليومي، من كتابة أهم عمل روائي لي في عموم تجربتي، يقترب عدد كلمات هذه الرواية من (50,000) خمسين ألف كلمة، هذا في الحقيقة ربما يؤكد أن الصحافة لا يمكن أن تقتل روح الإبداع.