استطلاع أجراه: د. علاء حميد إدريس /
تمثل نشاطات المثقف وممارساته تعبيراً عن قدرته على خلق فعالية تسهم في دفع حركة المجتمع نحو التغيير، لكن قد يختلف الحال في رمضان لما له من خصوصية اجتماعية وروحية، إذ يدخل المجتمع في حالة مغايرة يختلف فيها السلوك والتفاعل.
مجلة “الشبكة العراقية” استطلعت آراء متخصصين في مجالي العمل الأكاديمي والثقافي عن اهتماماتهم في رمضان وطقوسهم والنشاطات التي يمارسونها فيه، وكيف يقضون يومهم، والبرامج التلفزيونية التي يتابعونها فيه، وهل يستثمرونه لإكمال مشاريعهم الثقافية المؤجلة؟
ارتباط روحي
الدكتورة (علياء ناصر)، التدريسية في كلية الآداب بجامعة بغداد، تقول: “ما يميز رمضان عندي هو أنني أنفصل عن التفاعل مع المجتمع، لذلك أنا مقلّة في المشاركة بالفعاليات أو النشاطات الثقافية العامة، فأنا أتجنبها إلا ما ندر حين تُوجه إليّ دعوات شخصية، ويأتي هذا الانقطاع بسبب ارتباطي برمضان روحياً. ”
تضيف: “تحضيرات رمضان، ولاسيما إعداد الفطور ثم السحور أمور تسعدني، وأنا أستثمر ساعات ما قبل الفجر، التي تستهويني كثيراً، في الصلاة التي تمنحني راحة روحية، فهي استدعاء مستمر لمحاولة الفهم والاستيعاب. ”
وعمّا يُعرض في التلفزيون من برامج في رمضان، تقول: “أنا منذ عام 2007 شبه منقطعة وليست لدي رغبة في المتابعة، لكني أقر بأني أبحث عن برامج ثقافية أو مسلسلات وأفلام أجنبية غالباً، لحاجتي لرؤية الواقع من حولي ولكي لا أكون منفصلة تماماً عن محيطي، كما أني أبحث على نحو غير منتظم عمّا يثيرني في الإنترنت، وليس في التلفزيون.”
أما عن العمل في رمضان، فتقول: في رمضان تزداد أشغالي ويضيق علي الوقت، لهذا أحاول قدر استطاعتي أن أحافظ على تأدية واجباتي المهنية، وألّا أقصر فيها، إذ يتعبني العطش كثيراً، تضيف: “لذلك فإن إنجازي العلمي فيه أقل من الأيام العادية.”
المتاح والممكن
أما الدكتور (أحمد قاسم مفتن)، مدير قسم البحوث والدراسات في وزارة الهجرة، والتدريسي في جامعة بغداد، فيقول: “يتحول عندي الوقت إلى نمط مختلف إذ أبحث عن المتاح في ما يخص شهر رمضان، الذي تكثر فيه الدعوات من الأقارب والأصدقاء، وأسعى لاستثمار الوقت بإكمال بعض المشاريع المعرفية والبحثية التي كانت مؤجلة بسبب الانشغال، كما توفر لي أجواء رمضان مراجعة ما جمعته من كتب في وقت سابق لقراءتها، ولكوني تدريسياً، فإن للطلبة حصة من الوقت، ليس للتدريس فقط، بل للحوار وتقديم الاستشارة والإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم.” مضيفاً: “ربما تنحصر الطقوس عندي في مجالسة الأهل والتسامر معهم، ويتسع الأمر ليشمل الأصدقاء ومنادمتهم وتجاذب الحديث معهم في الشأن العام، ومعرفة ما يمرون به في عملهم، والجنوح معهم نحو بعض الأفكار والحلول الحالمة خارج الصندوق. يبقى أنني لا أتابع التلفزيون كثيراً، اللهم إلا ما تفرضه رغبات الأسرة ومتابعتها لبعض البرامج، إذ تحتل الدراما والمسابقات والمقابلات الجوالة مع الناس مساحة واسعة عندهم، وكأنهم يستثمرون فرصة رمضان لمشاهدة ما لا يستطيعون مشاهدته في الأيام الاعتيادية لانشغالهم بالعمل والدراسة ومتطلباتها، وهذا كله يجعل من رمضان استثناءً يحقق المتاح والممكن الذي يمنعنا عنه عائق الالتزام بالعمل.”
البحث عن المختلف
من جانبه، يقول الدكتور (علاء جعفر)، التدريسي في قسم الفلسفة – كلية الآداب بالجامعة المستنصرية: “منذ سنوات خلت وأنا أخالف المألوف في ما اعتدنا عليه في رمضان، إذ لا أركز كثيراً على النشاطات ذات الطابع الوعظي لأنها غالباً ما تجنح إلى التكرار كأننا أمام حالة استدامة لم نستطع الخروج منها، لذلك أنغمس في متابعة البرامج الثقافية التي تثير الفضول المعرفي، فضلاً عن ذلك أطالع الكتب ذات المضمون الفلسفي والصوفي التي تقع ضمن تخصصي الأكاديمي.”
وعن طقوسه في هذا الشهر الفضيل، يقول جعفر: “في رمضان يختلف عندي الطقس وأتحول من كائن نهاري إلى ليلي، إن لم يكن هناك التزام وظيفي، ولعلي أضطر في أغلب الأحيان إلى متابعة بعض البرامج بعد الإفطار، وأعود بعد منتصف الليل إلى قراءة جادة للنصوص الفلسفية، كما أميل إلى مشاهدة بعض المسلسلات التي تحمل ثيمة مغايرة ذات أحداث مثيرة، ولاسيما تلك التي تحمل نزعة صوفية، مسلسلات من قبيل (السبع وصايا)، و(مملكة إبليس).”
وفي جوابه بشأن إكمال مشاريعه الثقافية، يقول الدكتور علاء: “أحاول جاهداً في كل مرة، ولاسيما في رمضان، أن أقرأ كتاباً جديداً أو أكتشف فكرة مختلفة لكتابة بحث يعينني ويبقيني على وعي كافٍ في مجال تخصصي.”
فرصة رمضان
في حين يقول الباحث والمترجم الدكتور (علي السعيدي): “يعد اجتماع العائلة على مائدة الإفطار كل يومٍ تقريباً من أحبِّ الأوقات وأكثرها متعة لي، إلى الدرجة التي أتمنى فيها ألّا ينقضي شهر رمضان إلاّ ليحلّ من جديد، عادة ما أجد في ليالي رمضان فسحةً للقراءة والكتابة والترجمة والصلاة.” مشيراً إلى أنه عادةً ما يتوفر لديه الوقت والنشاط في هذا الشهر أكثر من غيره ويكون مزاجه لممارسة تلك الأنشطة أكثر حيوية وحماساً من أيّ وقت آخر.
يضيف الدكتور السعيدي: “اعتدتُ في ما مضى من السنوات أنْ أتابع بعض المسلسلات التي يعرضها التلفزيون في شهر رمضان، ولاسيما الهادفة منها، التي تحمل للمشاهدين رسالة اجتماعية أو دينية أو سياسية، غير أنَّ تحول معظم الإنتاج التلفزيوني، مع مرور الزمن وهيمنة ثقافة السوق، إلى بضاعة رخيصة هدفها الإثارة والربح المادي السريع، جعلني أعرض عن كثير من تلك الأعمال. ولم تزل الأعمال الكوميدية الهادفة التي عادةً ما تعرض مع الإفطار أكثر ما أحرص على مشاهدته، وآخرها مسلسل (ممنوع التجوّل) الذي يتناول بشكلٍ ساخرٍ وممتع الآثار التي تركتها جائحة كورونا في حياة الناس وفي عاداتهم.”
وعن المشاريع التي ينشغل بها أو يعمل على إكمالها أجاب قائلاً: “أستثمر شهر رمضان في إكمال بعض ما لدي من مشاريع مؤجلة في الكتابة والترجمة إذ يكون الوقت متاحاً في الليل عادة للقراءة.”
العمل في الممكن
أما الباحث والإعلامي (عدنان صبيح) فتحدث عن طقوسه اليومية في رمضان قائلاً: “لأنني مرتبط بمركز دراسات وبحوث، فإنني أحرص على إنتاج مشاريعه بنحو مقارب للأيام الأخرى.. فهو يأخذ نصف وقت يومي ليكتمل باقي اليوم مع العائلة أو في إكمال المشاريع المتوقفة، على أن يكون وقت ما بعد الإفطار مخصصاً للهوايات الأدبية وإتمام مشروع الرواية.” مبيـّناً أنه ينشغل في أيام العطل والإجازات في كتابة المشاريع العلمية، ويخصص وقتاً لكتابة مقال اجتماعي أسبوعي لصحيفة الصباح العراقية.
صبيح يعتقد أن جائحة كورونا أفقدت رمضان نكهة طقوسه، يقول: “واجهنا وضعاً مختلفاً العام الماضي وهذا العام بسبب وباء كورونا، لذلك اختلفت الطقوس عن السابق، فهي الآن من دون لقاءات كثيرة.” ولكونه يعمل في مجال الإعلام والبحوث، اعتاد صبيح على متابعة البرامج المناسبة لعمله، إذ يشير إلى أن البرامج السياسية العراقية تبدو أكثر متعة في شهر رمضان منها في سائر أيام السنة.
أما بشأن مشاريعه المؤجلة فيقول صبيح: “في رمضان أحاول مراجعة عدد من المشاريع الثقافية المتوقفة والعمل على إكمالها، وغالباً ما أركز على القضايا التي لا تتطلب استقراءً وجهداً عقلياً كبيرين، ككتابة القصص والروايات وأنا الآن منشغل بإكمال مشروعي الروائي الذي ابتدأته في رمضان الماضي وتوقف بانتهائه، وأصبحت الكتابة في هذا المشروع جزءاً من جدولي الرمضاني السنوي”.