الناقد حاتم الصكر : كتّاب قصيدة النثر لهم الريادة في التجديد الشعري

خضير الزيدي/

لا يمكن إن نشير إلى فاعلية قصيدة النثر عبر كل تلك السنوات التي قدم لها الرعيل الأول من مناصريها ومؤيديها من دون أن نمر على الشعراء اللبنانيين والعراقيين الذين ارسوا دعائم التنظير لها، ولان جوانب فهم قصيدة النثر تستدعي التوقف بالمعلومة النيرة عند النقاد الذين درسوها وتعمقوا كثيرا في فحواها وأساليبها
فضلا عما تحمله من ملامح إنسانية أو فنية لتتميز بلونها الحداثوي، ولعل من ابرز من اهتم بهذا الخصوص الناقد العراقي حاتم الصكر، الذي زود المكتبة العربية بعشرات الكتب النقدية.
هذا الحوار الذي خص به مجلة «الشبكة» العراقية يأخذنا مع الناقد الصكر إلى تأريخ قصيدة النثر وأهم الأسماء التي انتجت هذا الضرب من الشعر، وكيف ينظر لها النقد العربي.
أول دراسة عن محمد الماغوط
¶بداية اسمح لي أن أتساءل كونك من بين النقاد العراقيين الذين دعوا إلى الانفتاح لكتابة قصيدة النثر والنص المفتوح، هل كانت آراؤك يومها تؤخذ بالاهتمام وتدفع بالجيل الثمانيني إلى الاستجابة لندائها؟
-لقد كانت جهودي والزملاء النقاد تعضيدية إذا شئنا التوصيف. لأن مشروع السبعينيين الشعري تمحور حول قصيدة النثر بشكل كبير. ذلك لا يسلب جهود سابقيهم من الستينيين مثل سركون بولص وعبد الرحمن طهمازي وجان دمو وفاضل العزاوي وصلاح فائق وشعراء قصيدة النثر الآخرين. مضافاً لذلك ميراث الشعر المنثور لحسين مردان والمؤثرات العربية – جماعة شعر وأدونيس خاصةـ وما قدمته مجلة الكلمة عن قصيدة النثر مطلع السبعينات وقبل إغلاقها أو بالنصوص والدراسات. وفيها نشرت لأول مرة دراستي المطولة عن محمد الماغوط: دراما الحلم والحرية. بالنسبة لي ثمة دراسات مبكرة ذات شقين: تنظيري يخص إيقاع قصيدة النثر واختلافها الموسيقي ودلالاتها وقربها من السرد، وشق تطبيقي واصلته بكوني أميل إلى التحليل النصي والتطبيقات على النصوص. وأحسب أن لهذين المجالين أثرهما كمساهمات بجانب سواي من الزملاء. سأتجاوز هنا المماحكات والخصومات والجدل حول شرعية قصيدة النثر وشعريتها، ما احتدم في الساحة الثقافية العراقية. سأتجاوز الجهود غير النقدية التي قمنا بها. وأعني على المستوى الثقافي ، خاصة حين عملت في مجلات الأقلام والطليعة الأدبية والأديب المعاصر وكانت فرصة لفتح آفاق نشر قصيدة النثر، وما تلقيناه من هجوم بسبب ذلك وصل حد التخوين واستعداء السلطة بمقالات منشورة ومعروفة. لأننا واصلنا نشر نصوص قصيدة النثر، وأجرينا مسابقات لجوائز بين كتابها ودخلت دراستها في صلب المجلة.
المشكلة اليوم تخص القراءة
¶هل فعلا قصيدة النثر عصية على الفهم النقدي قياسا بالقصة والرواية والمسرح والنص الشعري القديم؟
-الشعر عموما ذو طابع نخبوي. حتى حين كان يوصف بأنه ديوان العرب لم تكن القصائد مفهومة بالمعنى العادي أي بما تنتجه من معانٍ لذا احتجنا لشروح وتعليقات لتسهيل فهم النصوص الشعرية. هذا حين كانت التقاليد الفنية للقصيدة مبسطة تنحصر في إيقاعها الوزني ودلالاتها المباشرة. وحين ظهرت قصيدة النثر وصفت بأنها معقدة وعصية على التقبل. طبعا بالاحتكام لما لها من مزايا فنية واسترسالها ونثريتها، وذلك شكّل عائقا في مهمتها الجمالية أي ما يتعلق بتقبلها وتداوليتها. وأحسب أنها بعد تلك العقود التي مرت على كتابتها لم تعد بتلك الصعوبة المفترضة. المشكلة اليوم تخص القراءة, فالمتلقي لايزال يقيس الشعرية بما وقر في وعيه المتكون بما قرأ في النوع الشعري وما امتلك من ذخيرة.
¶ترى من هم الشعراء العرب والعراقيون الذين أرسوا دعائم قصيدة النثر وأسسوا لها قواعد مهمة؟
-دون شك أجد أن شعراء مجلة شعر من كتاب قصيدة النثر كانت لهم الريادة في الحماسة لقصيدة النثر، ومنذ الستينات ونصفها الثاني تحديدا انتقلت كتابتها بأيدي شعراء عراقيين لا سيما ما عرف بجماعة كركوك وفي مجلة الشعر 69 ببغداد. هؤلاء جميعا ساهموا في إرساء (دعائم) لقصيدة النثر. ومن المؤكد أن الأجيال التالية ستعمق التجارب وتنوّع مناخات قصيدة النثر. وفي ظني أن أدونيس وإنسي الحاج ويوسف الخال ومحمد الماغوط كانت لهم تأثيرات مهمة ومباشرة. كذلك تجربة سركون بولص وفاضل العزاوي وعبد الرحمن طهمازي وصلاح فائق وسواهم.
إشكالية قصيد النثر
¶جوابك هذا يقودني لتساؤل آخر أتمنى أن تبين الخواص الشكلية التي تميز قصيدة النثر والنص المفتوح عن باقي النصوص الأدبية؟
-لا أتيقن من إمكان تلخيص ذلك في مقابلة صحفية. ولكن أحيل القارئ للدراسات الكثيرة حول قصيدة النثر: شعريتها وإيقاعها وصلتها بالأنواع الأخرى والأجناس الأدبية. ولكن شكليا تطرح قصيدة النثر مقترحا إيقاعيا بديلا للموسيقى التقليدية (وزن وقافية) ويقوم غالبا على الدلالة أي توسيع المعنى بصور وتخييل لا تحده موانع وزنية، وهذا الاسترسال يقربها من فنون نثرية كثيرة في مقدمتها السرد القصصي. ولعل إشكالية قصيد النثر وحتى لدى الغربيين وفي حاضنتها الأساسية تقوم على جمع المتناقضات في مصطلحها (قصيدة / نثر) وفي مفهومها المختلف عن التعريف الموروث والسائد. ولكن يجب التنبه إلى أن الاستسهال قد نال كثيرا من نماذج يتوهم كتابها أنها قصائد نثر، بسبب تصور خاطئ يقوم على أن كل ما ليس منظوما هو نص مفتوح أو قصيدة نثر.
¶هذا الكلام يأخذنا إلى أسماء ومجاميع شعرية أيمكن لي القول أن مجموعة انسي الحاج (الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع) هي قصيدة نثر بصياغة فنية وروح شرقية؟
-نعم يمكن ذلك. ولكنني شخصيا أرى أن أثر أنسي الحاج يتركز في ديوانه المبكر(لن)1960 ومقدمته الشارحة للقواعد التي استخلصتها سوزان برنار في دراستها المعروفة عن قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا. وفي ديوانه (ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة) ولعل الميزة الخاصة لأنسي الحاج بين مجايليه اشتغاله على اللغة وإمكان توليد صور وخيالات جامحة أقرب للهذيانات أحيانا. وهو ما رصدته في دراسة لي. ووسيلته الأسلوبية هي الجمع بين التناقضات، وأهمها النظام والفوضى داخل النص واعتماد الثنائيات الضدية لتوليد رؤى تعوض عن الإيقاع التقليدي المحذوف في نصوصه.