خولة الفرشيشي /
بعد غياب دام سنتين بسبب تفشي فيروس كورونا، انعقدت الدورة السادسة والثلاثون لمعرض تونس الدولي للكتاب تحت شعار (وخير جليس في الأنام كتاب)، وذلك يوم 11 تشرين الثاني، وتواصلت إلى يوم 21 منه. ترأس هذه الدورة الأستاذ الجامعي مبروك المناعي، وشاركت في المعرض عشرون دولة و300 دار نشر عربية وأجنبية، وبمشاركة منظمات دولية وعربية.
وفي أوّل أيّامه، قام الرئيس التونسي قيس سعيّد بافتتاح فعاليات المعرض الدولي للكتاب وقام بالاطلاع على عدد من المؤلفات المنشورة، كما تحدث إلى مجموعة من الكتّاب ومسؤولي دور النشر في تونس والعالم العربي. تميّزت أيام المعرض الدولي للكتاب بحراك ثقافي لافت، إذ عقدت ندوات فكرية لأقلام تونسية في المهجر كما جرى استقبال الشاعر زاهي وهبي في جلسة (تجربتي)، حيث تحدّث عن تجربته الشعرية، كذلك عقدت ندوة سياسة الهويّات بعنوان (لا ذاتية بدون غيرية، ولا هوية خارج الزمن والعصر)، لنخبة من أساتذة الفلسفة في تونس والجزائر، مع عدد آخر من الندوات الفكرية.
يعتبر معرض تونس الدولي للكتاب فرصة مهمة للقاء بين الكتّاب والمثقفين وأصحاب دور النشر من أجل التعريف بمؤلفاتهم وترويجها، وفرصة للتونسيين لاقتناء آخر الإصدارات الحديثة في العالمين العربي والغربي، وحظي المعرض بإقبال جماهيري منذ أوّل أيّامه.
موريتانيا ضيف شرف الدورة السادسة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب..
حلّت موريتانيا -بلد المليون شاعر- كضيف شرف على الدورة السادسة والثلاثين لمعرض تونس للكتاب، وخصص لها جناح خاص عرضت فيه بعض المخطوطات القديمة القيّمة ومجموعة من الإصدارات الموريتانية، وأكدّ الأستاذ مبروك المناعي مدير معرض تونس الدولي للكتاب، في تصريحات إعلامية، أنّ دورة العام هي دورة المخطوط وذلك “تكريساً لأبوّته للكتاب في زمن الرقميات والتأليف الإلكتروني.”
وعلى هامش هذه الدورة قام وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلماني الموريتاني المختار ولد الباهي بزيارة إلى تونس يوم الخميس 11 تشرين الثاني وجرى استقباله من طرف السيّدة حياة قطاط القرمازي وزيرة الثقافة التونسية.
كما عقدت ندوة لثلاثة أساتذة موريتانيين: سيّد أحمد أطوير الجنّة، والشيخ النحوي، وأحمد الهلالي مولود، أكدّ الباحثون من خلالها على قوّة الروابط الثقافية التي تجمع البلدين، التي تتواصل إلى اليوم منذ انتشار الإسلام في شمال إفريقيا، ابتداء من رحلات عقبة بن نافع مؤسس مدينة القيروان التونسية، الذي وصل إلى بلاد السوس على مشارف موريتانيا، وصولاً إلى نشر أوّل كتاب تعريفي عن موريتانيا في تونس.
تكريم شخصيات وطنية وجوائز للمبدعين..
خصص معرض تونس الدولي للكتاب سبع جوائز متنوعة في الرواية والقصة والشعر والترجمة والبحث، وجرى منح جائزة (البشير خريّف) للرواية إلى الروائي التونسي محمد عيسى المؤدب عن روايته (حمّام الذهب) وجائزة القصة إلى طارق اللموشي عن مجموعته القصصية (انسومينيا). وقسمت جائزة أدب اليافعين مناصفة بين الشاعر والكاتب يوسف رزوقة والكاتبة أسمهان الماجري، وذهبت جائزة الشعر إلى السيّد التوي عن ديوانه (الربيع ليس صدفة)، كما جرى الاحتفاء بالراحل الشاذلي القليبي، المثقف التونسي ورجل السياسة ومؤسس وزارة الثقافة التونسية منذ 60 عاماً، شخصية هذا العام، في ندوة بعنوان (الشاذلي القليبي والذاكرة الثقافية التونسية)، تطرّق من خلالها المشاركون إلى مسيرة الرجل ودوره الكبير في وضع الأسس الثقافية في المؤسسات التربوية التونسية ونضاله من أجل ثقافة وطنية تؤسس لشعب واع مفكر.
غيابٌ لافت لأكبر دور النشر العربية، ومنعٌ لبعض العناوين، وتوقيع رواية (جائزة كتارا) في معرض الكتاب التونسي..
تزامن افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب مع معرض الشارقة الدولي للكتاب في الإمارات العربية المتحدة، الذي اتجهت نحوه أكبر دور النشر العربية، ما ترك فراغاً كبيراً هذه السنة في معرض تونس، وهو ما لاحظه المتابعون. كما سجل معرض الكتاب هذه السنة منع بعض الكتب من بينها كتاب (الفساد والدولة الفاشلة.. تونس نموذجاً) لمؤلفه الناشط السياسي التونسي رابح الخرايفي، وكتاب آخر يتحدث عن مسيرة رئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي، ما شكل استنكاراً كبيراً في أوساط المثقفين والحقوقيين الذين اتهموا وزيرة الثقافة باستهدافها لحرية الفكر والتعبير.
من جانب آخر، ذكر مدير المعرض -في تصريحات إعلامية- أنّ المنع لم يستهدف الكتب، بل استهدف طريقة إدخالها، وقد صودرت بعض العلب التي تحتوي بعض الكتب، من بينها الممنوعة من التداول في هذه الدورة.
احتفت الدورة السادسة والثلاثون بتوقيع رواية (الاشتياق للجارة) للروائي التونسي الحبيب السالمي الحائز على جائزة كتارا للرواية العربية هذا العام، الصادرة عن دار الآداب.
عناوين عراقية وإقبال تونسي
التقت وزيرة الثقافة التونسية السيّدة حياة قطاط قرمازي بالقائم بالأعمال المؤقت لجمهورية العراق في تونس السيّد عبد الحكيم القصابّ على هامش معرض تونس الدولي للكتاب، وذلك يوم الخميس 18 تشرين الثاني، وجرى التطرّق إلى العلاقات المميّزة التي تربط البلدين، ولاسيما في المجال الثقافي، وأكدّ السيّد القصاب على مشاركة الوفود العراقية في الفعاليات الثقافية في تونس كما سجلت بعض دور النشر العراقية حضورها في معرض تونس في دورته السادسة والثلاثين، مثل (دار أنكي) للنشر والتوزيع و(دار الجمل)، وتحظى إصدارات دار الجمل لصاحبها السيّد خالد معالي بإقبال وجماهيرية كبيرين على منشوراتها من طرف القراء التونسيين، الدار التي بدورها قدّمت تشكيلة متنوعة من مؤلفاتها في ترجمة الروايات العالمية والفلسفة والشعر، وكانت من بينها الأعمال الكاملة لسركون بولص.
انتظر التونسيون سنتين لتجديد موعدهم مع الكتاب في معرضه الدولي، ورغم النقائص التي شابت دورة هذه السنة، بسبب غياب بعض دور النشر العربية واختيارها معرض الشارقة، وبسبب جائحة كورونا التي منعت بعض دور النشر بسبب الخوف من العدوى والاختلاط بين الحضور، إلا أنّها كانت مناسبة جيّدة لضخ الدماء في العاصمة التونسية بلقاء القرّاء مع كتّابهم في أجواء بهيجة لا تحدث إلا في معرض الكـــتاب الدولي.