صباح محسن كاظم /
خلال متابعتي ومواكبتي للمنجز القصصيّ العراقي للمبدع (علي السباعي) لأكثر من عقدٍ وجدت التناص التاريخي حاضراً وفاعلاً وماثلاً في معظم مجاميعه القصصية، وقد خصصت فصلاً عن مجموعته البكر الموسومة تحت عنوان (إيقاعات الزمن الراقص) الصادرة عن اتحاد الكتاب والأدباء العرب في دمشق عام 2002 ، في الجزء الأول من كتابي (فنارات في الثقافة العراقية – دراسات نقدية)، وأكدت على المعادل الموضوعي بين الأدب المؤدلج وبين الأدب الجاد الوطنيّ الهادف الذي يمثل الهمّ العراقي، وتطلعات وآمال المجتمع، وقد اعتمد القاص علي السباعي التمويه، والترميز، والشعرية الفائقة، والنقد اللاذع لنظام الاستبداد القائم إبان تلك الفترة المظلمة من تاريخ العراق الذي حكم بالحديد والنار، والمفارقة الساخرة من الطغاة، طغاة الحكم فيه، حيث بدأ سخريته وتحديه من العنونة الرئيسة للمدونة حتى جوهرها، ومضمون الكتابة السردية عند علي السباعي والتي يتقن الأداء فيها بالتناص التاريخي بحرفية عالية. إذ يستثمر الشواهد القرآنية والأحداث التاريخية بمهارة قل نظيرها، ويوظفها في نصه القصصي المعاصر، تلك هي ميزة تفردت بها مجاميعه القصصية كافة .
بطل منهزم
أدون للتاريخ ما أنجزه القاص العراقي المبدع (علي السباعي) لوطنه العراق ولشعبه، حيث حصدت قصصه الجوائز المحليّة والعربيّة، فقد حصل على الجائزة الأولى في مسابقة (بيت الشعر العربي) للأعوام (96-97-98)، والجائزة الثالثة لمسابقة مجلة أور الإبداعية عام 1999، والجائزة الثالثة في مسابقة دبي الثقافية 2003-2004، وجائزة ناجي نعمان في لبنان عام 2006، والجائزة الأولى في مسابقة أور الإبداعية 2006، والجائزة الأولى في برنامج (سحر البيان) الذي أطلقته الفضائية العراقية، والجائزة الأولى مناصفة بمسابقة أور الإبداعية 2007. في قراءة متأنية متفحصة لمجموعته القصصية (بنات الخائبات)، نقرأ في قصة (فرائس بثياب الفرح): “ما كنت يوماً قاطع طريق، لكثرة تعثري بظلي، فتمنيت لو كنت طارق بن زياد، لأحرقت نفسي بدل إحراق سفني، لأنني لم أكن صانع هذا العالم، وما كنت كاسراً للصمت الدولي، لأنني أنفقت عمري كله أعيش مثل أبي الهول، وكم تمنيت أن أكون في ساعات ضعفي مثل أوغستو بينوشيت، حتى أقتص من كل الصبية الذين ضربوني في المدرسة.” يجسد ما ورد أعلاه انهزامية البطل إبان حكم الطاغية المقبور، ومدى عجزه الكبير على تغيير نفسه، حيث ينصاع لأوامر ابن الطاغية. إذ كتب يقول “بدأت أشعر بفحولة أنكيدو. رددها بصوت عال ثانية: فحولة أنكيدو تنتضي سلاحي الباسل. أفقي كان أسد بابل وعشتار. أرسلت له تموزاً كي يبث فيه الخصب. قال عتودة بنشوة مثل أبيقور: ناصرية، سأفض بكارتك قبل غروب الشمس.”
تناص تأريخي
قام السارد علي السباعي بالتناص مع تاريخ عتودة، وعتودة هو خادم إبرهة الحبشي الذي كان مخلصاً لسيده حيث طلب من سيده أن يمنحه شرف فض بكارة كل فتاة قبل زواجها. إذ جعل السباعي عتودة – عدي بكل شجاعة، وتتوالى القصة الشجاعة تتصاعد بدراماتيكية عالية حتى تبلغ ذروتها التي هي نهايتها .
تبدأ القصة الثانية من مجموعة “بنات الخائبات”، والتي وسمها القاص السباعي علي بعنوان لافت (سيوف خشبية). إذ كتب في مطلعها “إنني سيئ السمعة للغاية أكثر من كل الناس. تعلقت بذيل حمار ودخلت سفينة نوح فكان لي النصيب الأكبر من سيئات الناس، رغم حقارتي ونذالتي، إلا أنني أدخل البيوت إلا من أبوابها، بإمكاني إدخال خيطي في كل نسيج، أجمّل القبيح وأقبّح الجميل . كنت مبتلى من هذا الجانب.”
استثمر القاص المبدع علي السباعي كعادته الكثير من التناصات التي شحن بها قصته في مستهلها “سيوف خشبية” وتلك ميزة ينماز بها عن مجايلية كافة.
جسدت التناصات التي وظفها المبدع العراقي علي السباعي في (سيوف خشبية) حالة العنّة التي كثيراً ما ترمز إلى حالات “العجز الجنسي” لدى الأبطال، أبطال قصته، فكل بطل رمز إليه السباعي لديه عجزه، كل واحد من أبطاله ينوء بحمل عجزه، تارة يكون عاجزاً اجتماعياً، ومرة عاجزاً سياسياً .
سرد شجاع
إن عجز السلطة الحاكمة – نظام البعث- من جهة، واسم البطلة “ناصرية” يمنحنا صورة واضحة رسمها السارد بشكل جلي عن عدم قدرة النظام آنذاك على إخضاع مدينة الناصرية لهيمنته، وانهزام النظام البائد أمامها “ناصرية عنقاء بعثت من رمادها، نطقتها في وجهه بعينين متحديتين تفيضان عداوة جارحة.”
تميزت مجموعة بنات الخائبات بما يلي:
أ . لغتها العالية جداً .
ب. كتبت في زمن أعتى دكتاتورية مرت بتاريخ البشرية “دكتاتورية صدام” .
ج. انمازت القصة بثراء مكاني كبير .
د. تفردت بسياحة معرفية هائلة تحسب لمبدعها
وقد درس تلك القصص نقاد كثر لديهم التشخيص العلميّ بتحليل الخطاب، والسرديات، فأثنوا على قضيتين جوهريتين :-
أ-استخدام الرمز التاريخي .
ب-شعرية اللغة .
ويمكن لنا تحديد أبرز ما أنجزه “السباعي علي ” في تلك القصص:
ـ اشتغال القاص على منطقة الرمز. أن تكتب ضد سلطة دموية، وأفعال وجرائم صدام إبان فترة حكمه تلك هي الفرادة والميزة والشجاعة فقد نشر بعض من قصصه في تونس ولبنان والإمارات والأردن وغيرها.
ـ استثمر القاص حادثتين تاريخيتين شنيعتين من جرائم صدام ونجله عدي، وقد وظفهما بشكل أخاذ، ووثق بـ”بنات الخائبات” جريمتين من أبشع الجرائم في تاريخ البشرية ألا وهما إعدام الداعرات في السوح الرئيسة لكل مدينة من مدن العراق، واغتصاب العذراوات من قبل عدي ابن الطاغية.