استطلاع أجراه: علي السومري /
لا تخفى على الجميع أهمية السوق العراقي للناشرين وأصحاب المكتبات، إذ يعد واحداً من أهم الأسواق العربية، حتى ضربت به الأمثال، إذ أصبحت المكتبات في البيوت العراقية ركيزة أساسية عند تأثيث هذه البيوت، بالرغم من سنوات الحرب وتأثيرها على العراقيين، والحصار الذي اضطر أصحابَ المكتبات الخاصة إلى بيع مكتباتهم في الطرقات.
وما زالت ثقافة اقتناء الكتاب حتى اليوم واحدة من تقاليد المجمتع العراقي، فقد أصبحت زيارة شارع المتنبي ومكتباته من العادات المهمة لدى العائلات العراقية، ولكن بعد انتشار الجائحة التي أوقفت الحياة بنحو واضح وأحالت المدن إلى مدن أشباح، تراجع هذا السوق وتوقفت الفعاليات الثقافية ومنها زيارة شارع المتنبي أو إقامة معارض الكتب الدولية.
اليوم عادت الحياة تدريجياً إلى هذه الفعاليات، والاستعدادات جارية لانطلاق معارض الكتب، وأهمها معرض بغداد الدولي للكتاب، الذي تشارك فيه مئات دور النشر المحلية والعربية والعالمية، وآلاف العناوين.
عن أهمية استعادة هذه المعارض وإقامتها من جديد، استطلعنا آراء عدد من أصحاب دور النشر والمثقفين لمعرفة تأثير ذلك في سوق الكتاب العراقي، وما الذي يطمحون إليه بعد كساد طويل أثر تأثيراً هائلاً على مبيعاتهم وتجارتهم ونشاطهم الثقافي.
ديمومة الكتاب
في معرض جوابه عن سؤال مفاده: “كيف تسهم معارض الكتب في إعادة الحياة إلى سوق الكتاب،” قال (علي الطوكي)، صاحب منشورات (درابين): “نعم تسهم هذه المعارض في انتعاش سوق الكتاب، وتدعم استمرار هذه المهنة، لأن معارض الكتب تعدّ المنفذ الأهم لبيع الكتب وتسويقها، فهي رافد مهم لديمومة صناعة الكتاب في العراق وانتعاش المكتبات في شارع المتنبي، التي تشارك أغلبها في هذه المعارض بكتبها أو عبر توكيل دور نشر عربية أخرى.”
متنفسٌ عائلي
أما (سامر السبع)، صاحب دار نشر ومكتبة (نابو) فتحدث عن هذا الموضوع قائلاً: “تسهم معارض الكتب في إنعاش سوق الكتاب بإتاحة الفرصة لتداول الإصدارات ما بين المكتبات وانتشارها بشكل أكبر. كما أنها تصنع قاعدة تعارف ما بين القراء، ما يسهم في ترسيخ أهمية الكتاب وتأكيدها.” مشيراً إلى أن هذه المعارض من الفعاليات التي ينتظرها المواطن العراقي عامة والمواطن البغدادي خاصة، فهي، بحسب (السبع)، متنفس للعائلة وطقس عائلي يسهم في ترسيخ الثقافة لدى هذه العائلات، وتوجيه الأبناء إلى الكتاب بعد غزو الألعاب الإلكترونية حياة هذه الشريحة المهمة في المجتمع.
تأثيرٌ اقتصادي
الصحفي (رزاق عبد علي) قال: “إن توقف إقامة معارض الكتب في العراق بسبب جائحة كورونا أثر اقتصادياً في سوق الكتاب ومنتجيه، إذ تراكمت عليهم من جرّاء القيود المفروضة بسببه مبالغ طائلة دفعوها إيجارات لمحالهم المغلقة شهوراً طوالاً في شارع المتنبي، ما اضطر كثيراً منهم إلى مغادرة هذه المهنة العريقة في العراق.” مبيـّناً أن استعادة معارض الكتب وإقامتها هي استعادة لدور الكتاب وأهميته للعائلة العراقية خاصة وللمجتمع العراقي عامة.
أعمالٌ متوقفة
وعن تأثير الجائحة على مبيعات الكتب، وكيفية تقليل خسائرها، قال علي الطوكي: إن جائحة كورونا أثرت تأثيراً واضحاً في سوق الكتب، ولاسيما في بيع الكتاب وصناعته، وظهر ذلك الأثر في حياة الناشر وعمله وموارده، مضيفاً: “الحياة بمجملها تأثرت بهذه الجائحة، وكثير من الأعمال توقفت، وما زاد الطين بلّة، كما يقال، فرض حظر التجوال الكلي أو الجزئي في العراق، ولاسيما يومي الجمعة والسبت، وهما اليومان اللذان تخصصهما الأسر العراقية لزيارة شارع المتنبي، ناهيك عن المثقفين. وتمنى الطوكي أن يلغى هذا الحظر نهائياً بعد إلغاء الحظر الكلي قبل أيام من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها مع اشتراط الالتزام الكامل من المواطن بوسائل الوقاية من كورونا.
وقتُ القراءة
أما سامر السبع، فيرى أن الجائحة أثرت تأثيراً إيجابياً في العلاقة ما بين القارئ والكتاب، إذ استطاعت استعادة طقس القراءة المفقود بسبب ضيق الوقت وكثرة مشاغل الفرد العراقي الذي يعيش ظروفاً استثنائية، يضيف (السبع): “أوقات الحظر والحجر المنزلي في العالم أعطت فرصة للقراء بالتقرب أكثر للكتب والقراءة، ورغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي صاحب الجائحة، لكن تأثيره كان بسيطاً في سوق الكتاب، إذ ازداد طلب العراقيين على شراء الكتب، ولاسيما أن الوقت الذي يقضونه في بيوتهم بسبب الحجر الوقائي طويل وممل.
إصدارات مؤجلة
في حين تحدث الصحفي رزاق عبد علي عن هذا الموضوع، مشيراً إلى أن الحجر الوقائي كان فرصة لقراءة عناوين كثيرة كانت مركونة في زوايا البيت والمكتبات، وهي فرصة لاستعادة القراءة التي أهملت بسبب الانشغالات الكثيرة المحيطة بالفرد العراقي، مضيفاً: “لكن لا يمكن إنكار تأثير هذه الجائحة في سوق الكتاب وانتشاره، أعرف كثيراً من الكتّاب أجّلوا إصداراتهم حتى عودة الحياة إلى طبيعتها، مخافة أن تهمل بسبب ظروف كورونا والحظر الشامل أو الجزئي، الذي أثر كثيراً في فعاليات توقيع الكتب الجديدة من لدن أصحابها.”
دعمٌ غائب
وسألنا الطوكي عن تقييم دور المؤسسات الحكومية في دعم الكتاب وطباعته وانتشاره في ظل هذه الجائحة، فقال: “دور المؤسسات الحكومية في دعم الكتاب غير موجود بصراحة، وأعتقد أن آخر ما تفكر فيه الحكومة ومؤسساتها هو دعم الكتاب وصناعته.”
أما سامر السبع فقال مجيباً على هذا السؤال: “لا يوجد أي دور للمؤسسات الحكومية في دعم الكتاب وطباعته وانتشاره، ليس في ظل تفشي جائحة كورونا فحسب، بل في أي وقت، وإن تسويق الكتاب بعد طباعته يقع على عاتق دور النشر ومؤلفي الكتب فقط.”
رعايةُ الكتاب
في حين أشار رزاق عبد علي إلى أن المؤسسات الحكومية عاجزة عن دعم الكتاب وتسويقه حتى في دور النشر التابعة لها، متمنياً أن تولي هذه المؤسسات الرعاية لدور النشر الخاصة عن طريق تسويق كتبهم وشراء عناوين كثيرة منهم في معارض الكتب وتوزيعها على المؤسسات التابعة إليها، وهو سياق متَّبعٌ في أغلب الدول العربية والأجنبية، إذ يعد نشاطاً تشجيعياً لأصحاب دور النشر والمكتبات في العراق.