عامر كاظم /
لماذا تثير الموسيقى انتباهنا ومشاعرنا إلى تلك الدرجة؟ إن طفلا في الشهور الأولى من عمره سوف يستجيب للموسيقى كشخص كبير، سوف يتأهب ويتراقص مع بعضها، ثم مع البعض الآخر الحزين منها سيركن إلى كتفي أمه ليهدأ قليلاً، ونحن نفعل نفس الشيء, فعند سماعنا مقطوعة موسيقيه ما، نجد أنفسنا منسجمين مع الألحان والنغمات المختلفة التي من الممكن أن تنقلنا الى عالم افتراضي في اقل من ثوانٍ، هذه هي القوه الخفية للموسيقى، وقدرتها الهائلة على تنمية الإحساس بالجمال.
لغة موحدة
الموسيقى هي اللغة الوحيدة والجميلة التي يفهمها البشر بدون تعلم وشرح، فهي تطرق أبواب المشاعر ووسيلة رائعه للتعبير عن النفس وتغذية الروح والجسد وتلعب دوراً كبيراً في التأثير على مزاجنا سواء أكانت الظروف المحيطة بنا حزينة أم سعيدة. والموسيقى هي لون من ألوان التعبير الإنساني، فقد يتم التعبير فيها وبها عن خلجات القلب المتألم الحزين، وكذلك عن النفس المرحة المرتاحة, وفي الموسيقى قد يأتي المرء بشحنة من الانفعالات التي فيها ما فيها من الرموز التعبيرية المتناسقة في مقاطع معزوفة يحس بها مرهفُ الحس أو من كان متذوقاً, ينفعل ويتفاعل سماعياً ووجدانياً وفكرياً، يحس بها إحساساً عميقاً وينفعل بها انفعالاً متجاوباً، مثله مثل أي من الكائنات الحية، فالموسيقى تسهم في علوّ الروح.
وسيلة تواصل
الموسيقى ليست مجرد أنغام, بل هي وسيلة تواصل لالتقاء الذهن والروح عند الشخص الواحد، وهي أيضاً وسيلة فاعلة اجتماعية وتربوية تسهم في عمليات التفاهم وفي تنمية الحس الشخصي وتعمل على إدخال البهجة على النفوس وفي تجميل العالم من حولنا، أو كما جاء في إحدى مقطوعات الفنانة اللبنانية الشهيرة فيروز “أعطني النايَ وغـَنِّ، فالغِناء سِـرُّ الوجود.” هي لغة العالم الوحيدة التي تفهم من خلال السمع، عرّفها الكثير من العباقرة والمهتمين بها، وأجادوا في وصفها بما تمنحه للإنسان، وخير قول هو لـ (جبران خليل جبران) إنها ابنة الملامح الصامتة، ووليدة العواطف الكاشفة عن نفسيّة الإنسان، الواعي لحقيقة ما, والحياة بلا موسيقى خطأ فادح، هي أسمى من أن تكون أداة للهو والسرور، فهي تطهير للنفوس وراحة للقلوب.
حياتنا والموسيقى
للموسيقى أهمية وفوائد كثيرة وكبيرة في حياتنا اليومية، ومن الضروري والمهم التعرف عليها ولو بشيء بسيط، فهي تسهم في تعزيز القدرة على علاج الأمراض. احدى الدراسات العالمية في هذا الخصوص تقول إن المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية ممن استمعوا للموسيقى قلّت لديهم مستويات الإحساس بالألم والقلق وانتظمت لديهم ضربات القلب وانخفض مستوى ضغط الدم نسبة إلى من لم يستمعوا للموسيقى. وتزداد فوائد الاستماع إلى الموسيقى عندما يختار المرضى المؤلفات الموسيقية المحببة إليهم وان الكثير من المرضى يحملون هواتفهم الذكية المسجلة عليها الأغاني التي يفضلونها, وأسهم الاستماع إلى الموسيقى بشكل عام في تراجع الإحساس بالألم والقلق وانخفاض استخدام مسكنات الألم.
كما ادخلت الموسيقى في بعض المستشفيات الخاصة بالأطفال حيث تسهم في تهدئتهم وعلاجهم وتقوي الذاكرة السمعية وتسهل التعلم لديهم كما تجعل الأطفال اكثر توازناً وتقوي ثقتهم بأنفسهم.
أداة تواصل
برهن العلماء أن الموسيقى هي لغة التواصل العالمية الأولى والوحيدة التي توحّد جميع سكان الكرة الأرضية. فضلاً عن مساهمتها في التواصل بين الثقافات، فالغناء الجماعي يسهم في تعزيز الجهاز المناعي للجسم وتنظيم دقات القلب ما يجعل تأثيره على الصحة مشابهاً لتأثير اليوغا. كما أن الموسيقى تعطي شعوراً بالنشوة الروحية وتعبر عن خلجات الروح وعما نريد ايصاله من مشاعرالحب, فضلاً عن مستوى السلوك السوي, فهي لغة لكل الأزمنة نعبّر بها عما نريد ونتواصل بلغتها السلسة والجميلة مع الآخرين فهي كانت وستبقى أدق لغة للتواصل بين الشعوب.