إعداد: مجلة الشبكة /
لم يكن الأسبوع الماضي في الوسطين الفني والثقافي أسبوعاً عادياً، بل كان فجائعياً بامتياز! إذ غيّب الموت ثلاثة مبدعين ممن تركوا بصماتهم واضحة في الفن التشكيلي والسرد، هكذا ودون سابق إنذار غادرونا دون وداع ومن غير تلويحة أخيرة.
أول الراحلين كان الدكتور بلاسم محمد، أستاذ الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، الذي كان رحيله متوقعاً لمن يعرفه، هو الذي فقد زوجته قبل أسبوعين من وفاته، ولشدة تعلقه بها، توقع أصحابه عدم قدرته على احتمال العيش من بعدها، وهذا ما حدث فعلاً! رحل سريعا بعد أن ركب قطار الموت المسرع حيث زوجته الحبيبة.
إبداع متجدد
لم تكن حياة الدكتور بلاسم، المولود في مدينة الكوفة العام 1954، والمنتقل لبغداد العاصمة التي أكمل فيها دراسته، من الابتدائية حتى الجامعية، حياة تقليدية، إذ غادر العراق إلى هنغاريا في سبعينيات القرن الماضي، ليعود إلى وطنه في العام 1978 لإكمال دراسته الجامعية، حصل بعدها على شهادتي الماجستير والدكتوراه، ليرحل بعدها إلى ألمانيا ومن هناك تنقل في عدة دول اوروبية، ليعود بشكل نهائي إلى العراق الذي عمل فيه بمجالي التدريس والصحافة لأكثر من خمسة عشر عاماً، نشر خلالها العديد من البحوث والدراسات في الشأن الفني.
رحيل الدكتور بلاسم محمد، الذي تخرج على يديه عشرات الفنانين والأكاديميين العراقيين، لم يكن رحيلاً صامتاً، إذ انتشرت صورته التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي وكتب عنه محبوه الكثير من المقالات، مقالات كانت مثل تلويحة وداع أخيرة لمبدع لم يزرع في وجدان أصدقائه وطلبته سوى المحبة، المحبة التي زينت حياته على الدوام.
ماهود وصراعه مع المرض
للموت خطط لا يعرفها سواه، سخرية غريبة، طالما أثارت حيرة البشر، ففي الوقت الذي كنا نكفكف فيه دموعنا بعد مضي يوم واحد على رحيل الدكتور بلاسم محمد، فجعنا برحيل فنان تشكيلي مبدع آخر، هو الفنان ماهود أحمد في عمان، بعد صراع طويل مع المرض، ماهود الذي لم يكن تشكيلياً مميزاً فحسب، بل كاتباً مرموقاً، أصدر العديد من الكتب المتخصصة في مجال الفن.
امتازت أعمال الفنان ماهود أحمد، المولود في محافظة ميسان العام 1940، الذي أكمل دراسته في معهد الفنون الجميلة العام 1959، ليحصل بعدها على شهادتي الماجستير والدكتوراه من روسيا، ودرجة الأستاذية من جامعة بغداد العام 1996، امتازت بجنوحها نحو الأسطرة، وما أعماله العالمية وبينها (الفارس الأزرق، قارئة البخت، الميّت الحي، عودة الرأس، ملحمة كلكامش، العشاء الأخير) إلا خير دليل على هذا الجنوح.
كورونا تخطف ياسين
أسبوع الفقد لم ينتهِ إلا بفقد جديد، زميل صحفي، وقاص مبدع، كتب عدة مجاميع قصصية، بينها قصص للأطفال، إنه الكاتب سهيل ياسين، الذي غيّبه الموت بعد إصابته بوباء كورونا عن عمر ناهز الخامسة والستين، (ياسين) الذي تخرّج من جامعة بغداد، وحصل فيها على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، يُعدّ من كُتَّاب القصة البارزين، لم يشغله عمله الصحفي عن مشروعه السردي، وبالأخص كتابته للأطفال.
عاش الراحل سهيل ياسين بهدوء، لم يكن صاخباً، كان مبتسماً على الدوام، زميل كان ينثر الفرح والضحك على زملائه الصحفيين، هدوء تحوّل بعد خبر وفاته إلى صخب، إذ ضجت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بخبر وفاته الصادم، لم يمهله الوباء طويلاً، هو الذي كان يستعد لتقاعده عن العمل في شبكة الإعلام العراقي، والتفرغ لمشاريعه السردية المؤجلة.
حتى اللحظة لا يصدق أصحابه بموته، لم يكن مريضاً، كان مستمراً وملتزماً في مواظبة عمله، اشتكى قبل أيام من موته من أعراض الوباء، وكنا نأمل أن يتعافى بأسرع وقت، ولكنَّ للموت وكما قلت سابقاً خططا غريبة، خططا لا يفقهها سوى الموت وحده!
جدير بالذكر أن الراحل سهيل ياسين، أصدر عدة مجاميع قصصية، بينها (بغداد ١٠ كلم شرقاً) و(كلام الديك ـ قصص أطفال) و(خطة ناجحة ـ قصص أطفال) و(قوس قزح ـ كتاب للأطفال).
نكتب الآن ونحن يعتصرنا ألم هذه الفقد المتكرر، فقدان قامات كبيرة، رحيل سيكون عزاؤنا الوحيد فيه ما تركوه من إثر إبداعي سيخلدهم في ذاكرة الثقافة العراقية، لهم ولجميع الراحلين نرفع أكفنا كتلويحة وداع منا؛ نحن أسرة مجلة الشبكة العراقية.