زياد العاني /
تخرج الفنان ثائر الكركوشي في كلية الفنون الجميلة قسم الفنون التشكيلية ببغداد، وحصل على الماجستير في النحت. له العديد من المنجزات الإبداعية، فقد شارك في غالبية المعارض التي أقيمت داخل العراق في مجالي النحت والرسم، كما شارك مؤخراً في ترميم نصب كهرمانة الذي تعرض الى أضرار من جراء حادث سير، إذ أنه يرى أن هذا الإنجاز هو الأهم في مسيرته الفنية على اعتبار أن النصب الذي جرى ترميمه هو من أشهر الأعمال النحتية التي أنجزها الفنان محمد غني حكمت في أهم ساحات بغداد. حاورناه للحديث عن هذا المشروع وعن منجزاته الأخرى.
* كيف كان شعورك عندما طلب منك أن تقوم بترميم تمثال (كهرمانة والأربعين حرامي) للفنان الراحل محمد غني حكمت؟
– في الحقيقة لم أكلف بشكل شخصي ومباشر من قبل الجهات الرسمية، لكن بلدية الكرادة كلفت النحات عبد الحميد العابد بعمل أربعة جرار جديدة بدل تلك التي تضررت بسبب حادث سير، حين دخلت سيارة مسرعة الى الساحة وارتطمت بالنصب، ما أدى الى تهدم عدد من الجرار وانهيارها، فقام النحات العابد بتكوين فريق عمل وكلفني بشكل شخصي بإنجاز تلك الجرار، لكون العمل ضمن اختصاصي الدقيق، فكان هذا التكليف بمثابة دفعة معنوية كبيرة لي، إذ أن كل ما أنجزته من أعمال فنية في كفة وترميم هذا النصب في كفة اخرى، فالموضوع ليس بالهيّن أن اقوم بنحت وعمل الجرار لنصب كهرمانة الذي نفذه النحات الراحل محمد غني حكمت عام 1970، فهو من أهم النصب الفنية في قلب العاصمة بغداد، لذلك لم أعر أهمية للعائد المادي، على اعتبار أن لمستي في الترميم سيسجلها التاريخ، وكانت الفكرة أن ننجز العمل انا والعابد معاً، لكن لم يتسنّ له ذلك لانشغاله وسوء صحته. وفعلاً باشرت العمل لوحدي وأخذت قالباً أولياً لإحدى الجرار التالفة ليكون المنتج بنفس الهيئة والقياس، ومن ثم بدأت بصب الناتج ثم بعمليات النحت والترميم بنفس التفاصيل دون الخروج عن أسلوب النحات محمد غني حكمت ولمساته الفنية، فكانت مهمة صعبة للغاية من ناحية الأمانة الفنية، بعد ذلك عملت القالب النهائي لإنجاز العدد المطلوب من الجرار، وقد استغرق عمل القوالب والنحت والتفتيش وإنتاج أربع جرار بحدود ثلاثة أسابيع تقريباً.
وعند زيارة النحات عبد الحميد العابد الى ورشتي وجدها كاملة على أفضل حال، فأثنى على إنجازي وبارك لي جهودي، فكانت فرحة لا توصف بأن أضع لمساتي الفنية الى جانب نصب من عمل أحد عمالقة النحت العراقي والعربي.
* سبق أن جرى ترميم النصب بشكل غير لائق، أثار استهجان غالبية الناس على مواقع التواصل، هل تعتقد أن ترميم النصب كان بشكل مرضٍ فعلاً؟
– الجهة القائمة على إنجاز هذا المشروع هي بلدية الكرادة بأمر من أمانة عاصمة بغداد، نتذكر حينما بادر كادر البلدية بإعادة تأهيل النافورات بواسطة أناس غير متخصصين، وجرى وضع الأنابيب بصورة غير لائقة للنصب، وفعلاً هب نشطاء التواصل الاجتماعي بانتقاد تلك الحالة، ما جعل المسؤولين يولون الاهتمام الجدي بصيانة النصب بالصورة التي يستحقها، فكلفوا النحات عبد الحميد العابد بالأمر وإشراف من قبل وزارة الثقافة للخروج من المحنة ورمي الكرة في ساحة المختصين، وبدوره قام الزبيدي بتكليفي وهو مطمئن، لأن ثقته بي بلا حدود كما يقول هو .وأنا بدوري عملت على أن يكون العمل رصيناً، ولاسيما أن الجرار معرضة لحرارة الشمس والرطوبة المستمرة بواسطة النافورات، فقد استعملنا المواد ذات الجودة العالية للتصليح او للطلاء كي تحتمل تلك الظروف .
* ماذا كان دور فريق العمل الذي رافقك في عملية الترميم؟
– كان من المفروض أن نؤلف، أنا والنحات عبد الحميد العابد فريق عمل، لكنه فضل أن يعيد تأهيل تمثال كهرمانة البرونزي، وبالفعل أنجز المهمة بمساعدة اثنين من طلابه النشطين وجرى تنظيف التمثال وأكسدته.
أما أنا فقد انفردت بعمل ست جرار جديدة، وبعد ذلك بدأت بإعادة صيانة الجرار الباقية وطلائها مع كادر عملي المتضمن ولدي علي السجاد وحسنين محمد أبو دكة وسجاد علي الموسوي.
*هل سبق أن كلفت بعمل مشابه لهذا كترميم نصب في بغداد؟
– لم يسبق لي أن رممت عملاً نصبياً، لكنني نفذت عدداً من النصب والأعمال الفنية والتماثيل، ومنها نصب القائم (عج) في محافظة كربلاء وسط نهر الحسينية.
* بمن تأثرت من النحاتين العراقيين؟
– بالطبع كان للنحاتين الرواد الأثر الكبير في توجهاتي ومعرفتي وأسلوبي، الكبار الراحلون: جواد سليم، وخالد الرحال، ومحمد غني حكمت، واسماعيل فتاح الترك، كذلك من المعاصرين النحات مرتضى حداد.
* كونك نحاتاً متمكناً من أدواتك ومبدعاً في مجال عملك، ما هي مشاريعك المستقبلية؟
– أنا الآن أعمل في (محترف النحت الأكاديمي)، وهو ورشة للأعمال الفنية في فن النحت وصناعة القوالب ودورات لتعلم فن النحت، كذلك فإنني متمكن في العمل بمادة البولستر والبولمرات الأخرى وحاذق بكل تفاصيلها.
أما عن آخر أعمالي فأنا أقوم بنحت تمثال لأحد شهداء العراق بارتفاع خمسة أمتار بوضعية الوقوف، كذلك أعمل لإنجاز نموذج مصغر للمشاركة في مسابقة خاصة بشهداء المهندسين.
* كيف تنظر الى جيلك من النحاتين، هل أخذتم الفرصة الكافية من الدعم الحكومي للفنانين؟
– في كل العهود يبرز عدد من النحاتين يتركون بصماتهم الحضارية ليخلدهم التاريخ رغم قلة الدارسين والمدارس الفنية، وذلك لوجود صاحب الصرف المالي الذي يكلف الفنان، فلولا عائلة بوتشيني الإيطالية لما حقق ميخائيل أنجلو كل ذلك الإبداع، ولولا الزعيم عبد الكريم قاسم لما أنجز جواد سليم نصب الحرية، ذلك النصب العالمي الذي يرممه الأتراك بلا مقابل هذه الايام! لكن الاهتمام بالنحت عند المسؤولين اليوم ليس من الضرورات، باعتبار أن الفن –في نظرهم- بصورة عامة مجرد لهو.
* أين تضع تجربتك بالنسبة لفناني العرا ق؟
– لكل فنان حقيقي اعتزاز بفنه، ولو قدر له أن يضع نفسه ضمن مرتبة معينة لما أبدع، لأن كل فنان بأسلوبه وتخصصه عليم، فأنا الأفضل بتجربتي وأسلوبي، وغيري هو الأفضل بأسلوبه، والنرجسية هي سبب إلهام الفنان وإبداعه، والآن أعتقد أنك عرفت أين أضع تجربتي.