جروحٌ في شجرِ النخيل قصصٌ من واقعِ العراق

علاء حميد /

يطالب الأديب الفرنسي أمين معلوف، ذو الأصول اللبنانية، في المقدمة التي وضعها لكتابه “جروح في شجر النخيل”، بالتوقف لكي نتذكر العراق ونستعيده ونفهم دوره في النهضة والتحديث. مطالبة معلوف نابعة من ضرورة تخطي الأهوال التي شهدها العراق، فأنستنا ما فيه وما يحمل من أرث معرفي وحضاري.
ويحاول (كارل ماتلي)، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر– بعثة العراق، الإجابة على ما طرحه معلوف في مقدمته للكتاب، إذ يكتب: لماذا العراق؟ يرى ماتلي أن منح فرصة تأليف كتاب عن العراق هو تخطٍ للعنف والحرب التي هيمنت على المجتمع العراقي مدة طويلة، لذلك يربط بين دور بعثة الصليب الأحمر في تخفيف معاناة العراقيين والمساهمة في طبع هذا الكتاب.
أما ندى دوماني التي أشرفت مع نرمين المفتي على اختيار مواد الكتاب وأعدادها، حين كانت تعمل مسؤولة الإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، فقد كتبت عن صبر العراقيين ومعاناتهم التي تعايشوا معها وأن هذا الكتاب يثبت تحديهم لما يواجهونه من مصاعب وأزمات.
الكتاب مجموعة شهادات وقصص لكتّاب عراقيين، صدرت الطبعة الأولى منه ببيروت في نيسان عام 2007عن دار رياض الريس، لوحة غلاف الكتاب صممها الفنان العراقي بلاسم محمد، وصمم لوحات الداخل النحات العراقي محمد غني حكمت، ويفتتح قصص الكتاب الروائي أحمد سعداوي بقصة عنوانها “صورة لجسد ناقص” التي تعود بنا إلى ذكريات الحرب العراقية – الإيرانية وما تركته في حياة العراقيين من آثار مادية ومعنوية. يعيدنا نص سعداوي إلى أجواء الحرب والانشداد اليومي الذي عاشه العراقيون لكي يعرفوا مصير ذويهم الذين ذهبوا إلى جبهات القتال.
أما القاص أحمد خلف، الذي كتب “ترنيمة الإله والذهاب إلى أقصى الخراب”، فيدور نصه هذا حول استحضار رموز من الحضارة السومرية وتداعيات الحياة بعد 2003، إذ يعمل خلف على مقابلة الخراب بعمق هذا الميراث، ولهذا جعل من المتحف العراقي منطلقاً لنصِّه وأخذ يجري حواراً داخلياً مع نفسه عن معاني هذه الرموز السومرية.
كما كتبت إرادة الجبوري “أسرى” التي ترصد فيها ثقل خبر الوقوع في الأسر والفقد على المرأة العراقية حين تتلقى خبر أَسر زوجها أو أخيها، إذ تبدأ معاناة الانتظار والبحث. ترسم الجبوري ملامح عالم تلقي خبر عودة من كانوا أسرى، لتضعنا مع تفاصيل تعامل ذهاب النساء العراقيات للقاء من عاد من ذويهن. يربطنا نص الجبوري بما يجري من تحولات في فترة انتظار من تأخرت عودتهم.
تصدمنا أسماء محمد مصطفى بتركيزها على تفاصيل حياتنا اليومية من أزمة الاستقرار وفقدان الكهرباء وكأنها تسعى لتشاركنا، في نصها الذي كان بعنوان “قبلة قبل الموت”، تمزج فيه بين الخيال والواقع من خلال العلاقة بين المرأة والرجل، فهي تتخيل حضور شهرزاد وشهريار لكي تتخطى صعوبات تكوين حياة جديدة.
من جانبه يستعيد خضير الحميري في “حطام للذكرى” ما مر به العراقيون حين اندلعت الحرب مع إيران، إذ يستذكر رجلاً عراقياً يسافر إلى أوروبا لإكمال دراسته في الاقتصاد، وكيف أرجعته الحرب لكي يشترك فيها، وينتقل من ذكريات الدراسة إلى أجواء ومشاهد الحرب، فهي حاضرة في ذهنه كونها حولته من شخص يتفاعل مع الأمور بواقعية إلى إنسان فاقد الإحساس بمحيطه، فهو لم يعد يتمكن من البكاء على من فقدهم من أصدقائه، وبات مشهد تناول الطعام بين جثث الموتى في الحرب أمراً مألوفاً لديه.
تكاد أغلب نصوص كتاب “جروح في شجر النخيل” تعالج ميراث الحرب ومراحلها في العراق، فمن الحرب مع إيران إلى اجتياح الكويت، إلى حرب 2003. فهاهي الكاتبة سلوى زكو تعمل على لحظات الخلاص من كارثة الحرب، في نصها “ثلاثة وجوه لامرأة عراقية.” تُظهر زكو حيرة امرأة تفقد ابنها عند نهاية الحرب، وتبدأ رحلة البحث عنه في أماكن متعددة لعلها تعثر عليه، لكنها تدخل في دائرة عدم الوصول إلى شيء واضح وملموس لها يجعلها تجهل ما حل بولدها.
وفي نص “للألم لون وطعم ورائحة” تضعنا نرمين المفتي في شقاء ما عشناه أيام الحصار الاقتصادي وكيف راح يصيب حياة العراقيين بالعطب، فمع تنامي وتائر وقع الحصار علينا، أصبحنا نتخلى طوعاً وكرهاً عما كنا عليه، فمن ضيق الحياة إلى التخلي رويداً رويداً عن مباهجها، فلم يكن التغير في شكل العيش فقط بل في مضمون ما اعتدناه من عادات وتقاليد. يضعنا نص المفتي في مفارقة توحي بأن البسيط أمسى صعب المنال بسبب الحصار، وكأنه بات يسرق منا أرواحنا.
وتؤكد المفتي في نصها ان فترة ما بعد الحصار لم تكن افضل منه.
تمثل قصص هذا الكتاب شهادة ممتدة من لحظات دخولنا في متاهة الحرب والحصار وفقدان الحياة التي اعتدناها دون كلفة وأزمات. ترى هل نحتاج اليوم إلى شهادات أخرى مثل ما دوِّن في كتاب “جروح في شجر النخيل” لما تجرعناه بعد 2003 حتى اليوم من خوف وهلع وترقب لما سوف يجري غداً، لعلنا نجد من يكتشف جروح حاضرنا الذي نعيشه؟