#خليك_بالبيت
علي السومري /
هو شاعر لا يكتب الشعر فحسب، بل يعيشه، ويعدّ واحداً من الأسماء البارزة في جيل السبعينيات، كاتب وصحفي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية والصحفية، كصحيفتي الاتحاد والعالم الإماراتيتين، وقناة العربية الفضائية التي شغل فيها منصب سكرتير تحرير أخبارها، كما ترأس تحرير أخبار قناة السومرية ووكالتها، وكان مديراً لتحرير صحيفة الصباح.
ولد في بغداد، المدينة التي عشقها وخلّدها في كتاباته، آمن بأن الثقافة موقف أيضاً، فكانت قصائده ضد الديكتاتورية خير دليل على ذلك، ليستمر وقوفه مع الوطن وأهله حتى يومنا هذا في ساحة التحرير.
مواقفُ سُجِن بسببها زمن البعث المقبور، اضطر لمغادرة العراق أواسط التسعينيات، ليعود بعد سقوط الديكتاتورية، حالماً بالمساهمة ببناء وطنٍ خرّبته جرائم الحزب الواحد، وسياسة الأحزاب من بعده!
حصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي والنقد العام 1996 من جامعة بغداد، وأصدر كتباً عدة، بينها رواية (بيان أول للطفولة القديمة)، أما في الشعر فأصدر (قداس الطفولة الهرمة)، و(رقيم ايمين)، و(ليس ثمة هواء)، و(وهذا صحيح أيضاً)، و(ألعب في الحديقة وأفكّر) وكتباً أخرى خصصها للنقد، وللطفل، كما كتب للمسرح أيضاً، وحصل على جوائز عدة.
إنّه الشاعر حميد قاسم، الذي كان لنا معه هذا الحوار، حوار ابتدأناه بسؤال:
* أنت من الشعراء الذين راهنوا على قوّة الشعر واستمراره، في العراق خاصة والعالم العربي عامة، ما رأيك بمقولة إنّ الزمن اليوم زمن الرواية لا الشعر؟
-لا أعتقد أن ثمة تقسيما بهذه الحدّة والإطلاق يرغمنا على التسليم به، لا الآن ولا لاحقا، ممكن أنّ الحياة والأدب بلا حدود، هذا ما أراه دوما، لم نمر بتغييرات دراماتيكية على صعيد الفعل والاستجابة في الأدب مثلما حدث في العالم لنقول بهذا.. نعم هناك مؤشرات باتجاه الرواية لكنّه يتعلّق بميول ورغبات فردية، لا تتعلّق بحركة أو ظاهرة في الأدب أو المجتمع، أعني الظاهرة التي تستدعي استقرارا في بنية المجتمع نتيجة تغيرات سياسية واقتصادية عميقة ذات ملامح واضحة، بينما نعيش تقلّبات عنيفة لا تفضي إلى الاستقرار أو تأسيس مجتمع مدني – مديني، يكون بيئة حاضنة لازدهار الرواية أو ترسيخ معالمها، ما عدا ذلك سيكون محاولات خارجية، فيها الكثير من العنت والقسرية مثلما حدث قبل عقود خلال الحرب العراقية الإيرانية، وأعني تحديدا تأسيس مسابقة روايات قادسية صدام، التي أنتجت مئات الروايات، والتي لم تتخط مرحلة طباعتها وتكدسها في مخازن دار الشؤون الثقافية أو في عربات الباعة المتجولين.
دكاكين تجارية للنشر
* ازدهار طباعة الكتب في بغداد ساهمت في إصدار الكثير من كتب الشعر، كيف تقيمها من ناحية الكم والنوع؟
– ظواهر كهذه لن تمنح نتائجها بسرعة، إلا إذا تعاملنا معها وفق مبدأ التراكم الكمي، الذي ننتظر ان ينتج تغييرا نوعيا.. عليه من المبكر القول إنّ ازدهار طباعة المجموعات الشعرية يشير إلى ازدهار الشعر العراقي، الآن في نظرة أولية للمشهد يبدو السوق في حالة (إغراق) وفق المصطلح الاقتصادي بكتب الشعر. ثمة استسهال، بعد أن ألغيت لجان الرقابة (السياسية والفنية معا)، وأعني ما كان يسمى لجان السلامة الفكرية، وضمنا المعايير الفنية، وكلاهما خارج لعبة دور النشر الأهلية، التي أجد غالبيتها مجرد دكاكين تجارية للنشر، بلا خبراء ولا معايير معتمدة، لا شأن لها بجودة الشعر أو أهميته أو صلاحيته للاستهلاك البشري.
مواهب وتجارب حقيقية
* هل أثرت وسائل التواصل الاجتماعية في نوعية الشعر الذي يكتب فيها؟
– هذا السؤال يحيلني إلى ما سبقه، وسائل التواصل الاجتماعي حرّرت الجميع من الشروط الفكرية والفنية، وأعني أصحاب الصفحات، سواء كانوا شعراء أو كُتَّاب خواطر أو فتيات ومراهقين يحلمون بمجد الشعر (أو الكتابة) الزائف..
وسط كل هذا الركام هناك مواهب وتجارب حقيقية لا بدّ أن تتأكد وتقوى يوما ما، بعد أن توارى أو خفت دور الصحافة الورقية ومواقع النشر الالكتروني، ففي صفحتك أنت رئيس التحرير المسؤول وأنت الناشر والكاتب والرقيب، لك جمهورك بنوعيه المتابع والعابر..
أعشق الصحافة ولكن؟
* لنتحدث عن السرد، نعرف بأن لكَ رواية لم تنهها حتى الآن، ما السبب؟ وعن ماذا تدور أحداثها؟
– السبب هو الكسل أولاً، والانشغال بالعمل وتفاصيل الحياة ومتطلباتها غالبا، خاصة بعد 10 سنوات في البلاد، وأنت تعرف ماذا حدث خلال هذه السنوات، التي لا تمنحك فرصة لالتقاط الأنفاس، وما دمت قد عدتُ للعمل على إكمال الرواية فلا بدّ الّا أصرّح عنها حتى تكتمل صفحاتها قريبا، .. واكتفي بالقول إنّ اسمها (ظهر السمكة) وتتناول الحرب العراقية الإيرانية.
* ما الذي منحته الصحافة لكَ، التي شغلتك لأكثر من أربعة عقود، وما الذي سلبته منك؟
– الصحافة تأخذ الكثير وتمنح بالمقابل الكثير، أنا أحبّ الصحافة بل أعشقها، لكني الآن لا أرى صحافة حقيقية في البلاد، بل كارثة مأساوية .. الصحافة أخذت مني الكثير من الوقت والجهد.. ومنحتني خبرات هائلة، خاصة أنّني بدأت من أبسط درجاتها وأهمها، مخبرا محليا مارّا بكل اختصاصاتها، محرّرا ومصحّحا وكاتب تحقيقات ومقالات وأعمدة.. ومسؤول ديسك.. الخ حتى في عملي رئيسا للتحرير أو مديراً للأخبار كنت أذهب دوما صوب العمل الميداني، لأنّه ذاته ما منحني ما أتحدث عنه من خبرات في الكتابة والحياة..
موقف المثقف مشرّف
* كيف تقيم موقف المثقف والفنان العراقي اليوم، وهل له رأي وموقف في صناعة مستقبل العراق، أم إنّ دوره انحسر في إقامة النشاطات الثقافية والفنية؟
– أعتقد أنّه موقف مؤثّر في الغالب الأعم ومشرّف، برغم ما يدفعه المثقف من ثمن باهظ بحكم واقعنا السياسي الملتبس والعنيف.. ليس من السهل أن تواجه الكاتم بالكلمة، صعب أن يواجه المثقف الأعزل والوحيد، القتلة وعصابات الخطف والاغتيال التي يقودها الفاسدون، في بلد تتماهى ملامحه وتبهت فيه القيم ويغيب فيه القانون خجلا وخشية وجبنا..
* إضافة لكتابتك المتواصلة في الشعر والسرد، تنشغل اليوم بالرسم، أين وصلت بهذا المشروع؟
– إنّها تسلية فحسب، ولا ترقى أن تكون هواية أو عملا احترافيا، ألهو بها في أوقات استراحتي خلال العمل.. استمتع بها وكل ما ينتج خارج هذا اللهو (زايد خير) بالتعبير العامي..
* ما جديدك؟
– أكملت مجموعة شعرية جديدة بعنوان (كراس قديم، أصفرٌ ومبلّل)، وهي القصائد التي كتبتها من العام 2014 وصولاً إلى هذا العام 2020، إضافة للرواية التي تحدثت عنها سابقاً، ومشاريع أخرى.