ناظم السعود/
نكأ الصديق والباحث العراقي الدكتور خزعل الماجدي – من حيث لا يعرف – جرحاً وبيلاً في نفسي حين نشر خبراً عن حضوره الشخصي لحفلة عامة اقامتها مؤخراً دار “الأوبرا” في مدينة “مالمو” السويدية، أكرر القول دار “الأوبرا” في مدينة “مالمو” السويدية. وسرد لنا الماجدي في خبره المنشور قبل أيام جانباً وجيزاً من مشاهداته في ليلته المميزة تلك حيث قُدمت أوبرا حديثة بعنوان (لنر العالم بينما يتدفق الضوء)، وفيها يجتمع الرقص والدراما والغناء والرؤية العميقة للحياة في جدل متواصل على مدى ساعتين (حسب تعبير الماجدي نفسه). وهذا الوصف المرهف أصبح جزءاً من الجمال الذي ينثره خزعل الماجدي على أسماعنا أنّى يكون لائباً في مدن العالم ولكنه يصبح لبعض (قرائه) مصدراً للتذكر والمقارنة وانتظار ما لا يأتي!
كي لا تفغروا من هذا الاستهلال أقول إنني من المعجبين بفن “الأوبرا” فهو يعني باللغة الايطالية – حيث نشأ- العمل أو “بذل الجهد”، كما إنه يجمع فنوناً سبعة: الشعر والموسيقى والغناء والباليه والديكور والفنون التشكيلية والتمثيل الصامت ويمازج بينها، كما جذبني إليه بشكل خاص أن موضوعه وألحانه تتفق وذوق وعادات العصر التي كتبت فيه، ولهذ أقرّ أمامكم أنني انتظرت طوال عمري – وقد تجاوز اليوم الستين – أن يقام في العاصمة أو غيرها من المدن العراقية مبنى اسمه (دار أوبرا بغداد) وأتمنى ألّا يطول انتظاري!
الغريب أنني بعد الخبر أعلاه استذكرت موضوعاً نظيراً يخص (دار أوبرا بغداد) والفصول الملوّنة التي مرّت بها منذ انطلاق فكرتها الأولى على يد المعماري الشهير” فرانك لويد” عام 1952 ووضع التصاميم الخاصة بها، ثم جاءت الثانية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، والثالثة في ثمانينات القرن الماضي إذ تم تهديم المنطقة السكنية في كرادة مريم – المقابلة لمبنى وزارة الثقافة والإعلام في ذلك الوقت – وقيل وقتها أن السبب يكمن في إنشاء دار الأوبرا العراقية!
كما أن ما يثير العجب في الأمر أن الوزارة ذاتها أعلنت أنها ستبني دار الأوبرا بالوزارة خلال العام 2004 بل وطرحت المشروع للتنفيذ لكنه نام هو الآخر في طيّ الإهمال!
وأذكر أنه في شهر تموز من السنة السابقة 2015 عادني في سكني الحالي بمدينة كربلاء وفد من وزارة الثقافة العراقية برئاسة الكاتب عمران العبيدي ـ بصفته الناطق الإعلامي للوزارة ـ وعلمت منه أن الشاعر “جابر الجابري” قد أعيد إلى منصبه كوكيل أقدم للوزارة وبأمر مباشر من المحكمة العليا!، وتهدج صوتي مثمناً هذا القرار لأن الجابري كما عرفته وتابعته واستمعت له مباشرة في مدن ومهرجانات مختلفة أقيمت في البصرة والناصرية والعمارة إضافة لبغداد؛ كان يكثر من نقداته لما يرى ويبصر من أحوال ثقافية بائسة وأزمات متلاحقة يعاني منها المثقفون وعوائلهم (إن بقوا وإن رحلوا) من جراء إهمال أحوالهم وقد أحسست أنه سيحرك موضوع الأوبرا الراكد مذ عقود، ولن يسكت حتى يكون مبني أوبرا بغداد قائماً على الأرض وليس على التصاميم المتربة فحسب، ووجدتني يومها أمر على محطات لا تنسى وبعضها موجع: في شهر آيار من سنة 2012 وضع وزير الثقافة السابق حجر الأساس لمجمع ثقافي يضم مباني ومقرات ثقافية كثيرة ومنها مبنى دار الأوبرا العراقية ومبنى وزارة الثقافة ومبنى دار المأمون للترجمة والنشر ومبنى التدريب للسمفونية الوطنية، وبكلفة إجمالية تصل إلى 169 ملياراً و650 مليون دينار، والذي من المؤمل أن ينجز خلال 18 شهراً وبأسلوب تسليم “المفتاح” وأسعدني أكثر ما قيل لي ولغيري: من المؤمل إنجاز المشروع ليدخل ضمن “بغداد عاصمة للثقافة العربية لسنة 2013″، وشعرت يومها بقلبي يكاد يصفق فرحاً والأمنية تقترب والسيد الوزير وهو يعلن مختالاً “نحن سعداء أن تقام دار للأوبرا في بغداد في هذا الوقت .. إنه حلم أن تقام دار للأوبرا في بغداد .. فاهلاً بالعراق الجديد المتنوع”!
اللافت هنا أنه بعد مرور أكثر من خمس سنوات على توقيع العقد (على المجمع الثقافي) بقيت الأرض – وقد خصص لها أكثر من ثمانين ألف متر في الصالحية – “خالية” بل قال أحدهم من الزائرين: (بقي المشروع عبارة عن حفرة كبيرة بدون عمال ومهندسين أو آليات للعمل). وهاجمني شعور بالهوان وأنا محاط بالمرض والعجز إذ سمعت مقولة أصبحت خالدة إثر تكرارها (دار الأوبرا العراقية هي الحلم المفقود)، وخاصة حين وصلتني كلمات جابر الجابري (وهو الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة) إذ قال بالنص: “إن الشركة المسؤولة عن تنفيذ مشروع دار الأوبرا في بغداد تسلمت نصف قيمة العقد البالغة 169 مليار دينار قبل أن تهرب إلى خارج العراق”. لكنني قلتُ بل صرخت بمن هم حولي إن “أوبرا بغداد” ستوجد وسوف تنهض برغم كل ما قيل وكتب عنها، لن تكون أوبرا بغداد حلماً بل سوف تكون واقعاً منظوراً وستنهض من أحزانها وتراكماتها، وأكاد أراها وأتلمس جدرانها – حتى وإن غبتُ عنها-. وأكثر من هذا سوف أرى الشاعر خزعل الماجدي بين الحضور وهو يكتب عن ليلة متميزة قضاها في (دار أوبرا .. بغداد)!