رجاء الشجيري/
قاصّتنا تموج جمالاً خاصاً وقد غنجتها ضفائر حلب، وعطّرت عاطفتها مدن الياسمين الشاميّة. إنها بساط الريح الذي كان يحلّق بأحلام الأطفال لينسيهم ويلاتهم ويجمّل أيامهم..هي المبدعة السورية “سريعة سليم حديد” عضوة اتحاد كتاب العرب جمعية الأطفال. التي اختارت عالم الطفولة لترسمه بقصصها وأدبها. وقد فازت بالعديد من الجوائز عن قصصها
الطفل الذي لا يكبر
*كيف استطعت أن تطوِّعي لغة وأسلوب قصصك وهي موجهة للصغار لتشمل طريقة طرح لكل الأعمار في مدلولها؟
ـ إن في داخل كل إنسان طفلاً لم يكبر بعد, وهذا الطفل بحاجة إلى رعاية واهتمام ودلال… فكلما كان المرء قريباً منه, استطاع إرضاءه أكثر, ما معناه أنني أصل إلى قلوب كل الأعمار لأنني أستطيع أن ألعب بعمر طفلي الداخلي كما أشاء, وأمام من أشاء, وأجعله ينطق بأية حالة تناسب رغبات الآخرين, وقد درَّبته بعناية على كسب كل القلوب.
الزهرة بطلة حرب
*كلنا يعلم مدى الحرب القاسية التي تمرُّ على سوريا, فأية نتاجات أدبية كتبت للأطفال من وحي تلك الحرب؟
ـ بصراحة, إن موضوعات الكتابة في هذا المجال ليست بالأمر السهل, فكيف يمكن للكاتب أن يلطِّف حدثاً مؤلماً ليقدمه للطفل, ويجعل منه مادة مستساغة لطيفة قريبة من قلبه؟ نعم كتبت العديد من القصص في هذا المجال وأغلبها منشور طبعاً، منها مثلاً قصة: من قلب المعركة. الزهرة هي البطلة والموقف المدهش طغى على صوت الرصاص واليأس معاً، من هنا نستطيع أن نلغي العنف والقسوة بأشياء لطيفة مستحبّة للكبار والصغار معاً.
لا خوف في مخاطبتهما معاً
* أيهما أشد خطراً عند التوجه إليه ومخاطبته فكرياً وإبداعياً الطفل أم الكبير؟
ـ ليست الكتابة خطراً أو مغامرة أو ما شابه ذلك.. فلا يمكن لي أن أشعر بالرهبة وأنا أكتب للصغار أبداً, وإلا ما استطعت أن أكتب أية كلمة لهم, على العكس تماماً, فأنا أكتب بكامل الراحة والمتعة وليس لدي أدنى شعور بالقلق, لثقتي بأن ما أكتبه سينال إعجابهم بلا شك, كذلك الكتابة للكبار, فعندما تكون محاصرة بالخوف من عدم إرضاء الآخرين, فلن تنجح أبداً لأنها ستفقد عفويتها ومرونتها وتبقى تدور في عالم التردد واللا استقرار.
الالتزام العفوي للكاتب
* قصصك فيها رسائل تعزز محبة الوطن ورفض التطرف وحب الحياة. فكيف تنظرين الى مفهوم الالتزام الأدبي لدى الكاتب؟
ـ الالتزام في توجيه الكتابة نحو الوطن وقضاياه ـ من وجهة نظري ـ ليس أمراً مخططاً له مسبقاً, بل هو أمر عفوي واستجابة من الكاتب بشرط ألا يقع في فخ المباشرة او التنظير أو المزاودة. كتبت للأطفال قصصاً كثيرة تدور حول ما يحدث في بلدي (سوريا) من أمور تتعلَّق بالحرب الدائرة فيها, ولا أعتبر هذا أمراً ملزماً بل هو ردة فعل طبيعية, من البديهي أن أكتب عن أمور تحدث أمامي, ومن الطبيعي جداً أن أكتب في موضوعات أخرى, فأنا أرفض أن أقيِّد نفسي بشيء, لأنني أعتبر هذا حاجزاً يقف أمام حريتي, وأعتبر أيضاً أن الخوض في موضوعات أخرى لا تقل أهمية عن الموضوعات الوطنية.
فرحي في ضحك عيونهم
*ما الذي يجعلك تفرحين كالأطفال أوالعكس؟
ـ السعادة غالباً ما أستقيها من الطبيعة, ومن ثم عندما أكون مع الأطفال, أشعر وكأن لي مقدرة خارقة للدخول إلى قلوبهم إلى درجة أنني أدفعهم لتأليف القصص ومنهم من هو في عمر ثلاث سنوات، طبعاً هذا المثال من داخل منزلي. أشعر بالسعادة وهو يحكي لي فتات الحكاية القصيرة جداً التي حكيتها له, أسمعها بلغته ولثغته وفرحه, هذا مما يدهشني ويمتعني، أما ما يجعلني أحزن حقيقة فهو أن أرى طفلاً أو طفلة في الشارع يتسوَّلان, باللاشعور أرسم لهم مستقبلاً أسود. والمشكلة لدي أن هذا المنظر يبقى يلاحقني لوقت ليس بالقصير.
الرسم على أطراف الصفحات
* كيف تستخدمين الألوان في قصصك, هل لها رمزية معينة, وكيف تشكلينها؟
ـ لنعد إلى الطفولة من جديد, فقد كان للرسم سحره لدي, كنت أرسم على أطراف صفحات كتبي، بل على أي مكان أجد فيه مساحة بيضاء مناسبة للرسم, ومن هنا امتدت الحالة لتشمل حبي للطبيعة وملاحظتي الدقيقة لما ترسم من أشياء رائعة في تفاصيل جمالياتها المختلفة, وتجلَّى هذا واضحاً في قصصي للصغار, مثلاً قصة (الكون يرسم) وقصة (لنرسم أيضاً) وقصة (لوحة نورا)… فقد أدخلت فيها الألوان بشكل متعمَّد, ومن هنا يدخل النور إلى اللون فيثير أحاسيس هامسة جميلة تدفع للرسم بين أسطر القصص.
* ما هي أمنياتك؟
ـ لدي أمنية كتبتها في قصة للأطفال بعنوان: (حكاية لجدتي) ويكفي أن أعرض مقطعاً منها ليكون جوابي: الآنَ, قِصَّتِيْ ـ يَا جَدَّتِيْ ـ لَيْسَت لهَا نِهَايَةٌ كَقِصَصِكِ, بَلْ هِيَ مَفْتُوْحَةُ النِّهَايَاتِ, لأَنَّنَا لا نَعْلَمُ, هَلْ هُنَاكَ مَنْ سَيَقُوْمُ بإِتْلافِ تِلْكَ الأَسْلِحَةِ, وَهَلْ هُنَاكَ مَنْ يَسْعَى إِلى إِبْطَالِ عَمَلِهَا؟ وَإغْلاقِ مَعَامَلِ صِنَاعَتِهَا وإيْقَافِ شَرِكَاتِهَا؟ وهَلْ سَتُعْطَى جَائِزَةُ (نُوْبِلْ) للسَّلامِ, لِمَنْ يَسْتَحقُّهَا؟؟؟