شـاشـة الشبـكـة جرائم قتل في (شارع الأميرات)

رضــا الـمـحـمــداوي

ينتمي مسلسل (شارع الأميرات) بحلقاته الخمس إلى ما بات يُعرف في الوقت الراهن بالمسلسلات القصيرة (mini series)
وإن كُنّا سابقاً قبل عقود عديدة قد شاهدنا نتاجات هذه النمط الإنتاجي بأعمال درامية عراقية تحت عنوان الثلاثية أو الرباعية أو الخماسية أو السباعية التلفزيونية.

كَتبتْ هاجر درجال قصة المسلسل، وقام المخرج أحمد خالد، وهو مخرج مصري، بكتابة المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار للمسلسل، وبمساعدة ورشة الكتابة الدرامية التي عَمل بها كُل من صلاح منسي وأسامه الجبوري.
عالم الجريمة
يبدو المسلسل في الانطباع الأوّلي عنه أنه دراما عائلية عن عائلة (حجي إبراهيم الغانم) (الممثل:علي جعفر السعدي)، لكن المسلسل سرعان ما ينزلق إلى عالم الجريمة والعنف والمخدرات، مؤطراً بإطار العمل الدرامي البوليسي.
ويُمهّد المسلسل لعالم الجريمة ودائرة القتل المتسعة منذ استهلال الحلقة الأولى منه، من خلال الكابوس الذي يراه (حجي إبراهيم) بعثوره على جثة الشاب القتيل.
وَحَرص المسلسل على أنْ تبدأ أغلب الحلقات بكابوس لـ (إبراهيم ) للتأكيد على ما يعانيه من ضغوط نفسية جرّاء فعل أو حدث ما، وربما جاءت هذا الكوابيس للإشارة إلى أشياء مخفية من شخصيته.
جريمة القتل الأولى تمثلتْ بمقتل (سيف) (حسين علاء) ابن (حجي إبراهيم) على يد أحدهم، برصاصة تستقر في وسط الجبين، والاستحواذ على هاتفه النقال. ومع تداعيات هذه الجريمة تبدأ الأحداث بالتصاعد، وتتكشف الخطوط الدرامية المتشابكة بعضها مع بعض، في دائرة ضيقة وفي مكانية درامية محدودة، إذ سرعان ما يتسرب مقطع فيديو من موبايل (سيف)، أثناء جلسة نهرية في قارب لتناول المخدرات والخمر مع عمه (يونس) (مهند هادي) وإحدى الفتيات (هديل سعد)، التي يرميها (سيف) في النهر لتموت غريقة، ويعثر على جثتها مرمية على شاطئ النهر، ليدخل ( يونس) دائرة الاتهام بوصفه شاهداً ومتستراً على جريمة قتل، فيقوم هو الآخر بقتل المجرم الذي قتل (سيف).
ومن موبايل (سيف)، الذي استحوذ عليه (يونس)، يجري تسريب مقطع فيديو آخر يكشف النقاب فيه عن صفقة مخدرات كبيرة تقوم بها البنت الكبرى (منتهى) (ريام الجزائري)، وينكشف أمر (يونس) من خلال تتبع مكان الموبايل، فيوعز (حجي إبراهيم) إلى سائقه الخاص (أكرم) (حسن حنتوش) بتصفية أخيه (يونس) والتخلص منه بإطلاق الرصاص عليه وتركه غارقاً بدمائه في حوض السباحة. لكن المسلسل يمرُّ عابراً على هذه الحدث – الجريمة، على الرغم من أنه مفصل مهم من مفاصل المسلسل.
(منتهى) بدورها، التي تدير مركزاً للتجميل مع زوجها (فيصل) (طه الحر)، هي الأخرى تكشف جانباً من جوانب الانحطاط الأخلاقي الكبير الذي أصاب عائلة (حجي إبراهيم) بالتفكك والانحراف، إذ تضع (منتهى) مركز التجميل واجهة لتجارة المخدرات، وتستخدم مواد تجميلية نافدة الصلاحية، وسبق لها أن كانت السبب في موت إحدى النساء إثر عملية تجميل فاشلة. وتقوم أخت القتيلة (رغد خاتون) بالكشف عن هذه الجريمة التي تمرُّ هي الأخرى عابرة في سياق المسلسل.
بناء ضعيف
جريمة القتل الأخيرة يقوم بها (إسماعيل) (خليل فاضل خليل)، حيث يقوم بقتل عمه زوج أُمه، الذي كان بمثابة أبيه (حجي إبراهيم) بواسطة دس قطرات السم في السيجار الذي اعتاد (إبراهيم) تدخينه، بعد أن يقوم (إسماعيل) نفسه بالكشف عن جريمة القتل الأولى التي مهّدتْ لدوامة القتال في دائرة العائلة، حيث يعود بنا (إسماعيل) عن طريق (الفلاش باك) ليفضح جريمة قتل (إبراهيم) لأخيه (موسى)، وهو (أبو إسماعيل)، وذلك من أجل الاستحواذ على الأموال أثناء أحداث عمليات السلب والنهب التي لم يكُلفْ المسلسل نفسه مشقة الإشارة إلى تاريخها ولو بلمحة سريعة؟!
هذه الدوّامة من جرائم القتل المتتالية أضعفتْ البناء الدرامي العام للمسلسل، ولاسيّما الإخفاق في جمع شتات الخطوط الدرامية المتعددة والكشف عن حيثياتها التي كانت بحاجة إلى زمن درامي مُضاف آخر لفك اختلاطها وتداخلها. وقد بدتْ هذه الربكة والعجالة في الحلقة الأخيرة من المسلسل.
فساد إداري
الخط الدرامي البوليسي من خلال اللواء (عبد المنعم) (الممثل: أسعد عبد المجيد) والنقيب (زيد) الممثل (سيف الغانمي) كان ينبغي أن يكون أكثر حضوراً وتأثيراً مما ظهر به من حيث المتابعة وكشف خيوط الجرائم، وكذلك تكثيف وتعميق الإشارة إلى الفساد الإداري في سلك الشرطة بواسطة الضابط الذي أدّى دوره الممثل (علي جبار سمسم).
ومثلما جاء هذا المحور هامشياً ضمن الأحداث والجرائم المتداخلة، فانَّ أبرز الخطوط الدرامية التي ظلّتْ هامشية هو خط مغنية الملهى (نسرين) (الممثلة دزدمونة) وعلاقتها بـ (إبراهيم)، إذ ظلتْ طافية على السطح ولم تأخذ مساحتها للتفاعل والتأثير رغم امتداد هذا الخط إلى عائلتها وأُمها وابنها، وكذلك الحال مع خط (ثريا) (زهرة بدن) زوجة (إبراهيم) التي بقيتْ حبيسة دور الأُم التقليدية التي لا تُقدّم ولا تؤخر في أحداث المسلسل.
تجارة المخدرات
إنَّ القضية الأساسية التي يثيرها هذا المسلسل هي التركيز على عالم جرائم القتل المتتالية وصور العنف التي تنطوي عليها، إضافة للتطرق إلى عالم المخدرات وتجارتها وتعاطيها من قبل الشباب، وهي من الانشغالات والاهتمامات التي بدأت الدراما العراقية تناولها وطرحها في نتاجاتها الدرامية الجديدة، لكنَّها من جانب آخر لا تعالج ولا تتطرق إلى أسباب شيوع هذه الظاهرة في المجتمع العراقي، وكذلك لا تطرح الحلول والمعالجات التي تحدُّ من شيوع هذه الظاهرة ولاسيما في الوقت الراهن، وهذا ما سوف أتوقفُ عنده في حلقة أُخرى من (شاشة الشبكة).