رضــا الـمـحـمــداوي
في نظرة على المشهد الدرامي العراقي، بما حفل به من نتاجات درامية متعددة ومتنوعة قدمتها مجموعة من القنوات الفضائية التي عُرِفت بإنتاجها الدرامي، يمكن الإشارة عموماً، بنظرة نقدية موضوعية عامة، إلى أن حراكاً درامياً جديداً بدأ يؤسس لمساره في الوسط الفني العراقي.
من المفترض الأخذ بنظر الاعتبار موضوعات الاختلاف والتباين والتفاوت في المستوى الفني للأعمال المنتجة، فربما بتوالي هذه النتاجات الدرامية واستمرار إنتاجها، تستطيع الدراما العراقية أن تترك بصمتها المميزة، رغم ما تعانيه من مشكلة التسويق المزمنة، وعدم حضورها في الأسواق الدرامية والقنوات التلفزيونية العربية.
من جانب آخر، يمكن تشخيص ظاهرة تبدو فيها الدراما العراقية قاصرة، لم تبلغ سن الرشد وعمر النضوج، بل تبدو أحياناً مشلولة، لا تقوم لها قائمة، ما لم تتعكز، أو تتوكأ، على الأسماء والطاقات الدرامية العربية. إذ ما زالت ظاهرة الاستعانة بتلك القدرات والعناوين والاختصاصات الفنية العربية قائمة وحاضرة في إنتاج الأعمال العراقية. وتشمل هذه الطاقات عناصر إنتاج العمل الدرامي كافة، بدءاً من النص العراقي الذي بات يكتبه كاتب مصري أو لبناني، في حين يقوم المخرج الأردني أو السوري أو المصري أو اللبناني بإخراج تلك الأعمال العراقية! في حين يعاني المخرجون العراقيون الجالسون على مصطبة الاحتياط من البطالة والعطالة الإخراجية المزمنة، وأحسبُ أن مثل هذا الشلل والتعكز الفني لا يليقان بالدراما العراقية وتأريخها العريق.
خلطة درامية غير متجانسة
كما أن الناتج النهائي لمثل هذه الأعمال غالباً ما يكون ناتجاً درامياً هجيناً، ونمطاً مشوهاً، لا يحمل معه سمات وخصائص العمل الفني العراقي الأصيل. لنأخذ نماذج من هذه الهجنة والخلطة الدرامية غير المتجانسة. أول هذه النماذج مسلسل (انتقام روح) للمؤلف المصري أحمد عبد الفتاح عثمان، وتمثيل عادل عباس وآسيا كمال وعلي الشجيري وسولاف جليل، فكيف تسنى لهذا المؤلف المصري أن يكتب عملاً درامياً عراقياً، وما المعالجات الدرامية والفنية والطرق التي سلكها هذا المؤلف المصري في كتابة نص عراقي؟ بالتأكيد أن جهوداً قد بذلت وأعمالاً قد جرت خلف الكواليس ليظهر اسم هذا المؤلف في عمل درامي يوصف بأنه عراقي. وما زاد في الطين بلّة، أن من قام بإخراج المسلسل هو المخرج المصري إبراهيم فخر، الذي استعان بدوره بمجموعة من الممثلين اللبنانيين لتأدية بعض الأدوار الرئيسة في المسلسل، فضلاً عن العديد من العناوين والاختصاصات الفنية المصرية واللبنانية التي دخلت في صناعة هذا المسلسل، وبذلك اكتملت هذه الخلطة الهجينة.
ما يؤسف له حقاً هو أن يجري التعامل الفني والنقدي مع هذه الظاهرة، وما تنتجهُ من أعمال هجينة، على أنها واقع حال وأمر عادي جداً في وسطنا الدرامي العراقي، دون التوقف عندها ومعاينتها نقدياً وتقييمها فنياً، وإظهار ما تتضمنه من عيوب وثغرات وما تنطوي عليه من استسهال في تقديم العمل الدرامي العراقي.
النموذج الدرامي الآخر يمثلهُ مسلسل (المتمرد)، بطولة علي ليو وهند نزار، وتأليف الكاتبة اللبنانية ندى عماد خليل، وإخراج السوري يزن أبو حمدة. ولنتصور أن هذه الثنائي اللبناني- السوري على صعيد التأليف والإخراج، كيف يمكن أن يقدم عملاً درامياً بهوية عراقية خالصة. وللتذكير فإن المؤلفة (ندى عماد) سبق لها أن قدمتْ للدراما العراقية مسلسلي (أم بديلة) و (بنات صالح)!!
فيلم هندي
وكصفة فنية غالبة على مثل هذه الأعمال، فإن الطابع الميلودرامي هو الطاغي على معالجتها، ولاسيما بالمبالغة في الأحداث، والتهافت، والضعف في البناء الدرامي، والنمطية الجامدة في رسم ملامح الشخصيات الدرامية، واستجداء عواطف الجمهور وإثارة مشاعره، خصوصاً لدى تناول الموضوعات الاجتماعية والدراما العائلية، التي غالباً ما تخوض بها الأعمال الميلودرامية، الأمر الذي يدعوني الى إطلاق صفة (الميلودراما العراقية) على هذه الأعمال، وهي عبارة عن خليط من الميلودراما المصرية بتاريخها الراسخ في ذاكرة الجمهور العام، مع الاستفادة من الميلودراما التركية القائمة على الإطالة في عدد الحلقات والحشو الدرامي مع الإعادة والتكرار، وقد يصل الأمر بالجمهور أحياناً إلى إطلاق صفة (فيلم هندي) على بعض هذه الأعمال، في إشارة إلى بعض ملامح الميلودراما الهندية المعروفة ببكائيتها ومحاولة استدرار دموع المتفرجين.
إن ما يصح على الأعمال الدرامية التي ذكرناها، يصح كذلك على عمل درامي آخر حظي بمتابعة جماهيرية وشعبية واسعة، وانضم بدوره الى قافلة الميلودراما العراقية، وهو مسلسل (خان الذهب) بجزءيه الأول والثاني، بطولة سامي قفطان وأميرة جواد وغسان إسماعيل، تأليف محمد حنش وإخراج المخرج اللبناني بهاء خداج.
غالباً ما يجيء النمط الإنتاجي لمثل هذه الأعمال، أو القالب الدرامي المبني على ثلاثين حلقة متسلسلة بثلاثين ساعة درامية مترابط بعضها مع بعض، ليكون بيئة درامية صالحة، وأرضاً خصبة في (مَط) الأحداث التي تدور في زمن مفتوح لا حدود له، ليضيع الإيقاع الحياتي المنضبط.
في ظل ما يتضمنه العمل الميلودرامي من مبالغات درامية ومغالاة عاطفية، فإنه يصعّب رسم مسار للأحداث ونهاياتها، ذلك لأن الأفق مفتوح على كثير من التحولات والتغيرات، ما قد يفقد العمل الدرامي الطويل توازنه المنطقي ويخرجه عن دائرة المعقولية والصدق الفني.