سريعة سليم حديد/
عرف بتعدد نشاطاته الإبداعية في مختلف أجناس الثقافة، كالقصة والشعر والمسرح والتمثيل والتأليف والإخراج، رصد فيها الوجع الاجتماعي والوطني والوجداني بكل صراحة وعمق, وآثر السير في طريق الأدب بالرغم من كل المعوقات التي كانت تواجه المبدع العراقي.. ومن هنا يأتي اهتمامنا باجراء حوار مع الأديب عبد السادة جبار, علنا نتمكَّن من الغور في هواجسه في ظل هذه المرحلة التي يمرُّ بها العراق.
تغييب آخر
* كيف يمكن أن تقيِّم المشهد الثقافي في أعقاب سقوط الحكم السابق, وما وصلت إليه الأمور الآن؟
ـ ثمة مفارقة مؤلمة تحصل الآن في المناخ الثقافي في العراق, كنا نطمح لأي تغيير يقيم نظاماً ديمقراطياً يجعل الرئة الثقافية تتنفس هواءً بعيداً عن المعارك وعن الديكتاتورية, وكذلك يتم تعويض المثقف عن ذلك التغييب الذي تعرَّض له, حيث اعتكف الكثيرون عن العطاء بعد مرحلة الثمانينات.. إلا أننا للأسف وجدنا أن المؤسسات الثقافية تجاهلت هذا الأمر, وبقيت خاضعة للشخصيات نفسها, هي التي تدير تلك المؤسسات وأضافت أيضاً عناصر استمرأت الفساد المالي والإداري لتهدر أموالاً طائلة على إنجازات ثقافية لم تشمل المغيبين، ومع ذلك تمكن المثقف العراقي بجهوده الشخصية أن يثبت وجوده وحضوره العربي والعالمي ليحصد جوائز كبرى, ولكن من دون مساهمة أو دعم من تلك المؤسسات.. كما تعرَّض المغيَّبون إلى تغييب آخر بحجة أنهم لم يكونوا أسماء مشهورة في الحقبة المظلمة
لايفحص النصوص الإعلام
* ولادة في جدار مجموعة قصصية. وهي أولى نتاجاتك الإبداعية, هل لقيت العناية المطلوبة من قبل النقاد أولاً..والإعلام ثانياً..؟
ـ أي منجز ثقافي يصدر اليوم يحتفى به, ويتابع على ضوء اهتمام الإعلام ..والإعلام يبحث كما قلت لك عن الأسماء ..لا يفحص النصوص..هل تعلمين أن محرري الصفحات الثقافية أغلبهم لا يقرؤون الكتب التي تصل إليهم.. يكتفون بالإشارة إلى الكتاب بعشرة سطور مع غلاف الكتاب.. كما أن النقاد أيضاً يبحثون عن الاسم للكتابة عن منجزه، وبعض الأسماء كما تعلمين تم تصنيعها في ورشات التصنيع الحربي.. إلا ما ندر ومع ذلك وبالرغم من (ولادة في جدار) هي مجموعتي الأولى إلا أنها حظيت باهتمام جيد من قبل النقاد ومن القراء الذين وصلتهم, كما أنني هنا أشير إلى سلبية كبيرة وهي سوء التوزيع.. دور النشر لدينا بائسة لا تجيد التوزيع, ولا تعرف كيف تروِّج للمنجز الجيد.
* هل المسرح اليوم قادر على مواجهة سلبيات المجتمع.. وأهمها السياسية, وهل لدى الكتَّاب الجرأة للخوض في هكذا تجربة؟
ـ بالرغم من وجود مناخ ديمقراطي واسع إلا أنه مناخ فضفاض.. العروض المسرحية لا تشخص.. تشير إلى الضحية وتبني فعل المجرم على المجهول.. كل ما يطرح لا يشخص.. ليس هناك قضية.. الأعمال المسرحية عندنا تفصل على أساس حسابات الإيفادات، ولهذا غابت عن المسرح تلك المجاميع الجميلة التي تملأ العرض المسرحي.. يعتلي المسرح ثلاثة ممثلين, ويملأ المخرج فضاء المسرح بالسينوغرافيا والأضواء.. ليتداولوا حواراً هشَّاً.. ويغطون على هذا بالحركات الغريبة وأحياناً بعروض الداتا شو. الجرأة المسرحية مفقودة.. نعم يتكلمون عن الفساد وعن الانحرافات وعن الاحتلال وعن الإرهاب، لكن بلغة غير عميقة لا تمس جوهر القضية. الا بعض العروض القليلة جداً لكنها محاولات لم تراكم نوعاً مميزاً يضع ملامح واضحة للمسرح العراقي بعد التغيير. إضافة إلى أن العروض المسرحية محدودة جداً, فهي مقتصرة على صالات العرض الرسمية التي لا يصلها إلا الجمهور الاختصاصي.. طلاب الدراسات الأكاديمية وأصدقاؤهم.. أما مراكز الشباب او نشاطات المسرح المدرسي أو مسارح قريبة من الناس غير متوفرة.. اليوم تجدين شهادات خريجين في المسرح والسينما وغيرهما من الفنون ولكن بلا نشاطات واضحة.
القبلية الاجتماعية
* كيف يمكن ترميم كل هذا الخراب الأخلاقي في زمن وصل فيه الإنسان إلى حالة من التوحش والدمار؟
ـ الخراب كبير..عودة إلى الخلف.. طائفية.. قبلية.. فساد إداري.. ومالي.. وليس الأمر يخص الحكومة أو الجهات الرسمية.. بل الناس أيضاً بدأوا يتجاوزون الحق العام.. الطيبون والمؤمنون بالقانون والحياة المدنية غير قادرين على المواجهة لأنهم أناس مسالمون. المتجاوزون على القانون يكثرون.. تجدين تجاوزاً على الأرصفة.. على شبكة الكهرباء.. على الماء.. على الأراضي.. والحكومة لا تطبِّق القانون لأنها لا تريد أن تخسر الأصوات… إضافة إلى أن الموظف سيتعرَّض إلى المشاكل إذا أراد أن يطبِّق القانون, لأنه سيجد أمامه شخصاً ينتمي إلى جهات قوية تشجِّع على مخالفة القانون, ولهذا عاد الناس إلى القبيلة ليحتموا بها لأن القانون لم يعد يحمي الناس.. ولهذا تلاحظين أن الصراعات القبلية عادت إلى الساحة.. وكأننا نعود إلى المرحلة الإقطاعية.. في ظل هذه الظروف فأن مهمة الثقافة قد أصبحت عسيرة, هذا إن لم نضف إلى المصيبة أن المثقف نفسه يميل إلى الطائفية والقبلية.
* كيف تنظر إلى أدب الأطفال حالياً؟
ـ في الواقع هذا سؤال جوهري ومهم جداً.. أدب الأطفال يعني الثقافة المناسبة لإعداد جيل قادم يستوعب التغييرات الدراماتيكية على مستوى المجتمع والسياسة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والسلوك المدني.. أطفال اليوم يشهدون خصوصاً في سوريا والعراق ومصر ولبنان والسودان وبقية الدول العربية حروباً من نوع خاص تستهدف مستقبلهم وحياتهم، إضافة إلى أن هناك مغريات تكنولوجية تشغلهم عن جوهر توجهاتهم تسحبهم إلى اللهو والتسلية.. في الماضي كانت مجلات الأطفال والقصص الملونة تجذبنا بشدة ونقتنيها بشغف, وبتأكيد شكلت قاعدة لوعينا الثقافي.. الآن هناك أجهزة الألعاب التي تشغل الطفل وتأخذ الكثير من وقته.. كيف نتمكن من أن نجعل طفلنا اليوم ينجذب إلى القراءة ليتم توجيهه بشكل صحيح ليتعامل مستقبلاً مع الحياة المعقدة الجديدة؟ هذا الدور يحتاج إلى تكثيف جهود في مجال قصة الطفل.. ومسرح الطفل.. وبرنامج الطفل.. وسينما الطفل.. وأغاني الطفل..