حوار:علي السومري /
حالمٌ مثل أي سينمائي، لكن ما يميزه عن الآخرين تشبثه بتحقيق أحلامه، لم يتكئ على القول يوماً، كان فاعلاً على الدوام، يرى السينما بعين شاعر، ومثل ساحر مذهل، يحول السينما إلى شعر. يمكن عدّه أحد أهم صنّاع الأفلام في العراق، خصوصاً بعد سقوط الديكتاتورية، هذه اللحظة التي شكلت منعطفاً مهماً في حياته. ففي اللحظة التي تلت سقوط الطاغية، كان أحد مجموعة (ناجين)، التي عملت على نصب (ناجين)، الذي وقف شامخاً في ساحة الفردوس.
لم يقف عند هذا الحد، بل باشر مع فريق عمله بإنتاج أول فيلم سينمائي آنذاك، (غير صالح للعرض)، الفيلم المتوج بعشرات الجوائز العربية والعالمية، لتستمر رحلته وصولاً لفيلمه الأخير (أنَاشِيْدُ آدَمَ) الحائز على جائزة (اليسر) في مهرجان البحر الأحمر في السعودية، مروراً بفيلم (كَرنتينة).
إنه المخرج السينمائي والسينارست عدي رشيد، المولود ببغداد عام 1973، الفنان المخلص لثقافته وهويته العراقية، المغامر الذي غادر العراق عام 2012 متوجهاً إلى (لوس أنجلس) ليحترف السينما ويقدمها في وطنه الأم.
(الشبكة العراقية) التقته في فعاليات مهرجان العراق الدولي لأفلام الشباب، الذي أقامته وزارة الشباب والرياضة، حيث كان فيلمه الأخير (أنَاشِيْدُ آدَمَ) فيلم افتتاح المهرجان، وكان هذا الحوار، حوار ابتدأناه بسؤال:
* ما السينما بالنسبة لك؟
– السينما بالنسبة لي بالدرجة الأساس هي أسلوب حياة، ووسيلة دفاعية ضد شراسة هذا العالم وقبحه أحياناً كثيرة، وما أقصده بالسينما هنا هو الوجود العام لهذا السحر؛ الذي يمتد من فعل المتابعة والتدوين إلى لحظة صناعة الفيلم. لا يمر عليّ يوم دون مشاهدة فيلم أو تدوين مشهد.
لو أننا، كبشر، كنا قد أوقفنا اعتيادنا اليومي على فكرة وجود السينما في حياتنا، ولو للحظة، وتأملنا طبيعة هذا الوسيط البصري العجيب؛ فسوف ندرك أننا قد قبلنا لحظة سحر مطلق في طيات حياتنا اليومية؛ وهذا بالنسبة لي سبب كاف لكي انتظر اليوم الثاني من حياتي كإنسان.
* أنت من صنّاع السينما الأوائل بعد سقوط الديكتاتورية في ٢٠٠٣، كيف ترى ثمار تجربتكم على السينمائيين من بعدك؟
– ليس كما أتمنى وآمل! كنت انتظر جيلاً أكثر شراسة، وأكثر قدرة على مواصلة الفعل السينمائي. لدينا مواهب رائعة وفاعلة في لحظتي التقييم والتواصل؛ لكنها تبدو مبتسرة وفقيرة إلى حد ما عند لحظة التنفيذ، تحديداً في أن تقنيات تنفيذ الفيلم السينمائي قد تغيرت بشكل جوهري خلال العقدين الماضيين. تنفيذ الفيلم الآن أسهل بكثير. ما كنا قد أنجزناه بعد لحظة سقوط صنم الدكتاتورية كان بمثابة زحزحة لبوابة ثقيلة، صدئة وصلدة لما يسمى بـ الإنتاج السينمائي العراقي. لكني مؤمن إيماناً كاملاً بأن هذا هو جزء من الأزمة التي نواجه كل يوم؛ لسنا وحدنا في هذا؛ أملي في بعض من الأسماء مثل ياسر كريم، ومهند رشيد وعلي شميل.
كذلك لا أغفل هنا بعض الولادات السينمائية المنفصلة في نشاطها عن العاصمة، كما في كردستان العراق وبعض المحافظات الجنوبية.
* ما الذي يعنيه لك عرض فيلمك الأخير (أنَاشِيْدُ آدَمَ) لأول مرة في بغداد؟
– بالتأكيد نشوة وفرح، أسعدني تفاعل الجمهور الذي شاهد الفيلم، واحتفائهم بمنجز عراقي سينمائي يحاول أن يعيد الاعتبار إلى المخيلة الصورية العراقية، التي كانت قد خُدشت في سرديات الحروب والأزمات، التي استمرت عقوداً.
كذلك أسعدني التطور الهائل في صالات العرض السينمائي في بغداد. الآن أنا مطمئن أن صراعي مع إنجاز أفضل التقنيات في أثناء إنجاز الفيلم سوف ينتهي بتقنيات عرض متقدمة ومنسجمة مع ذلك الجهد.
* أكثر من خمس سنوات وأنت تعمل على (أنَاشِيْدُ آدَمَ).. كيف تلقى الجمهوران العالمي والعربي الفيلم في مهرجان البحر الأحمر؟
– رحلة صناعة هذا الفيلم كانت طويلة وشاقة، لكنها كانت لذيذة. منذ البداية أدرك منتجو الفيلم ماجد رشيد و(أللي توبس)، أن المشروع أكبر من الإمكانيات المادية المتوفرة؛ فاتفقنا على أن يعوض هذا النقص المادي في الميزانية بالصبر! وأن يكون الزمن هو وحدة اقتصادية مضافة للإنجاز. في أي إنتاج سينمائي المثلث بسيط، يبدأ من المال، وزمن الإنجاز، وكفاءة الإنجاز. أدركنا من البداية ألا تنازل في كفاءة الإنتاج؛ فطال وقت الإنجاز لفقر المال. وأنا فرح بالفلسفة الإنتاجية التي اتبعت لإنجاز هذا المشروع.
وفي أول عرض للفيلم في مهرجان البحر الأحمر، أكدت لي استجابة الجمهور الإيجابية أن الزمن الطويل في الإنجاز قد أثمر، وهذا الإحساس قد تكرر في عرض بغداد – كما ذكرت- فالجمهور فرح بجودة الصناعة وسعة المخيلة.
* قطفت جائزة (اليسر) لأفضل سيناريو في مهرجان البحر الأحمر، بعد منافسة كبيرة مع أفلام أخرى، ما الذي أضافته هذه الجائزة لعدي رشيد؟
– صدقاً؛ وهذه طبيعتي؛ الإحساس الأول كان أن هذه إضافة لرصيد محاولات السينما العراقية وصنّاع الفيلم في العراق عموماً. جائزة أخرى من قبل لجنة يرأسها مخرج مخضرم مثل “سبايك لي” في مسابقة قد تنافس فيها أفضل الإنتاجات العربية (بالمناسبة؛ ميزانية الإنتاج في فيلم أنَاشِيْدُ آدَمَ كانت أقل كثيراً من بقية الأفلام المشاركة). علينا أن نفخر بما ننجز بذات الهمة التي ننتقد فيها الهنات، إن وجدت.
بالدرجة الثانية؛ كانت هذه الجائزة أشبه بردّ دين إلى الجهد الذي كان قد بذل لتدوين نص فيلم (أنَاشِيْدُ آدَمَ)، الذي استغرق أشهراً طوالاً.
* شاركت في لوس أنجلس، حيث تقيم، بصناعة أفلام سينمائية، كيف تصف هذه التجربة؟
– حفرٌ في الصخر بأظفار دامية، ثمة قرار غير مدون لإقصاء أية محاولة سينمائية تمتُّ بالصلة لثقافة الشرق عموماً، والعرب خصوصاً، في هوليود. أنا الآن من فرسان كسر الصورة النمطية عن الصانع من أصول عربية في هوليود؛ لدي مهمة سينمائية / إنسانية في هذا الاتجاه.
هذا لا يمنع من أني استنشق الخبرات التي من حولي؛ أتحرك بينهم كما لو كنت تلميذاً متلهفاً. تحديداً على مستوى أساليب الإنتاج والتوزيع. إنه مشوار طويل ووعر، وأنا في البدايات لا أكثر.
* ما مشروعك الجديد؟
– نحن في التحضير الآن لمشروع فيلم، رحلة طريق وثائقية، لتفحّص، ومن ثم تسجيل إرث وتأثير الصورة السينمائية على بعض البؤر الاجتماعية المهمشة في عموم العراق.
فريق جوال يعرض فيلماً سينمائياً عراقياً في ستة مواقع عراقية تمتد من أصل الحضارة الإنسانية في أور، مروراً بمراكز البحث، والقدسية في النجف وكربلاء، ومن ثم سامراء، وتلكيف في نينوى، لننتهي في زاخو. في كل محطة سوف يقص الفريق حكاية عراقية متصلة؛ حيث الصورة والأسطورة هما الخيطان الحريريان اللذان يربطان سرداً سحرياً؛ نزعم بأنه رافديني بإمتياز! عنوان الفيلم هو: النشيد السابع.
* برأيك، كيف يمكننا استعادة الجمهور لحضور الأفلام العراقية في صالات السينما الكثيرة في بغداد؟
– الترويج، الترويج، ومن ثم الترويج للفيلم العراقي، لكي يصل إلى المشاهد العراقي. في سنة 2011 كانت فقط صالة سينما واحدة تعمل في بغداد. الآن لدينا أكثر من 60 صالة عرض عصرية ومثالية لعرض ما ننجزه من أفلام [عليّ أن أخص بالذكر الجهد المبذول من رجل الأعمال الناجح زيد فاضل والشباب العاملين معه في شركة السينما العراقية Iraqi Cinema في بناء أفضل صالات العرض وأكثرها حداثة]. استعادة الجمهور لحضور الأفلام العراقية في صالات السينما مشروع ثقافي واجتماعي جوهري، يتطلب أن نتعاون جميعاً من أجل أن ينفذ وينمو. الكل له دور أساسي هنا؛ الدولة ودورها في دعم المنتج الوطني (الفيلم العراقي)، والإعلام في الترويج لهذا المنتج، وبالتأكيد جودة صناعة الفيلم.
نحن نخطو خطوات راسخة بهذا الاتجاه؛ ومن المؤمل أن ينطلق فيلم (أنَاشِيْدُ آدَمَ) في صالات العرض في بغداد في القريب العاجل، عسى أن يكون فاتحة خير في استعادة الجمهور لحضور الأفلام العراقية في صالات السينما.