سريعة سليم حديد /
من بوابة الترجمة ندخل إلى المجموعة القصصية التي هي بعنوان: (عزيزي الخائن)، ترجمة الأديبة: كنينة دياب، وقد ترجمتها الى اللغة الانكليزية من كتابَي الأديبين البريطانيين: آلان مالي وجيك أولسوب.
الكتاب الأول بعنوان: هتافات موسيقية وقصص قصيرة أخرى. لمؤلفه: (آلان مالي)
ـ في قصة (هتافات موسيقية) استرسل الكاتب (آلان مالي) معتمداً على أسلوب القصة الومضة وغالباً ما يأتي هذا الومض في نهاية القصة.
الشاب (تشيرز) يظهر للآخرين على أنه يعشق الموسيقا, وهو ليس موسيقياً. تندفع الأحداث كاشفة عن سر متابعته لجميع الحفلات الموسيقية. راوي القصة يتساءل مندهشاً من أمر ذلك الشاب, فكيف له أن يعيش ويصرف على أسرته, وهو يقضي وقته في التنقل بين الحفلات, وكيف يوفر الوقت لذلك؟
تأتي النهاية الومضة التي تعطي إشراقاً للنص, حين يكتشف الراوي أن ذلك الرجل ما هو إلا مجرد بوق لتلك الفرق الموسيقية القائمة على الحفلات. نقتطف: (ذات أمسية وجدنا نفسينا، دون مفر، في الحفلة الموسيقية ذاتها، كان في قاعة الحفلات الملكية, وقعت عيناي عليه في الصف الأمامي في حلته الفريدة، بدا منفعلاً جداً، وبينما وصلت فرقة الأوركسترا إلى نهاية الوصلة الأولى من الحفلة, رأيته يثب مصفِّقاً ومهللاً بصوت عال قريباً قدر ما يستطيع من (ميكرفون) راديو بي بي سي الذي يسجِّل الحفلة، فعرفت فوراً ما هو دوره،
لذلك، عندما تسمع نقلاً إذاعياً لحفلة موسيقية فكِّر في (تشيرز). ص 16
قصة (ابن الخالة فرناند) تتسم بالبساطة والرشاقة في تتابع الأحداث، إنه الجهل الذي يدفع ثمنه غالياً (فرناند)، هذا الجهل الذي جعله يعيش عيشة الفقراء والمعزولين عن المجتمع, وعندما انتبه جيرانه إلى أنه لم يغادر كوخه البائس منذ عدة أيام، اضطروا إلى كسر الباب فوجدوه ميتاً, وقام أحدهم بالبحث عن النقود فما وجد إلا صندوقاً من الصفيح في السقيفة. نقتطف:
(الآن سوف نرى، شخر ونخر, بينما يفتح القفل عنوة.
كانت بداخله رزمة من سندات سكك حديد روسية من ما قبل الحرب, ورسالة من أم فرناند نصحته فيها أن يقبض السندات قبل أن تفقد قيمتها.
لسوء الحظ, لم يكن فرناند قد تعلَّم القراءة قط!) ص24
قصة: (عزيزي الخائن) القصة التي احتلَّت عنوان المجموعة المترجمة هذه, لقد جاءت القصة على شكل رسائل متبادلة بين الصديقين: (زياو لونغ و فاننغ). تظهر فيها الأحداث طريقة خيانة (فاننغ) لصديقه (لونغ) من خلال وشاية أدخلته السجن ودفع كذلك خسارة محبوبته, وفقدان حريته لمدة عشر سنوات في السجن.
القصة في حد ذاتها تبدو بسيطة جداً وموضوعها مطروق كثيراً, ولكن ما يميِّزها هو طريقة عرض الأحداث بأسلوب الرسائل الذي جاء بشكل عفوي غير متكلِّف لتنتهي القصة معلنة انتصار السجين بالرغم من وضعه المزري على الصديق الخائن الذي سجن نفسه في دوَّامة عذاب الضمير. نقتطف:
(كنتُ أعرف دائما أنه أنت. حصلت الآن على ما تريد, وتعتقد أنك حرٌّ ، تظن أنني أحمق لأنني أقضي عشر سنوات من حياتي في السجن من أجل معتقداتي فحسب، لكن تذكَّر أنهم لن يثقوا بك مطلقاً إن كنت قد خنتني أنا, فسوف يراقبونك أنت, تظنُّ نفسك حرَّاً, لكنك في الحقيقة في سجن مؤبد, سجن الريبة والشك, وسجن ضميرك أنت، سأخرج أنا من هنا ذات يوم, وأنت لن تنجو أبداً.) ص34
الكتاب الثاني المترجم بعنوان: (الخنافس الحمراء وقصص قصيرة أخرى) لمؤلفه: (جيك أولسوب).
يسرد المؤلف (جيك أولسوب) قصته: (معجزة على جسر غلطة)، بأسلوب مميزَّ وفق فكرة طالما أغرت القارئ في المتابعة ورصد الأحداث باهتمام.
الفتاة (ليلى) تعمل في تنظيف لوحات لليسوع والقديسين في المعرض, مهمتها تنظيفها من رقائق الكلس المطلية به, ولأن هذه المهمة تحتاج إلى تأن ودراية في العمل, فقد شعرت (ليلى) بالملل من هذا العمل, لذلك راحت تمسح وجه أحد الملائكة بعصبية بعض الشيء, ما جعل الوجه يبدو مشوَّها نتيجة تآكل اللوحة تحت ضغط يدها عليه.
تندفع الأحداث عارضة مخاوف (ليلى) عبر منولوج ذاتي تأجج في داخلها: كيف تتصرَّف؟ ماذا تقول (لميرال)؟ لقد أفسدت اللوحة بعصبيتها. صباحاً, قررت الذهاب إلى (آيا صوفيا) إلى حيث المعرض، هنا يتجلى أسلوب المؤلف في التعبير عن الحالة النفسية مترافقة مع تصاعد أنفاس (ليلى) وهي تسير فوق جسر (غلطة). لقد أبدع الكاتب في حوار الشاب الذي ظهر فجأة للفتاة على الجسر, فجعله يريد الوصول إلى (آيا صوفيا) أيضاً, ويقصد المعرض ذاته الذي تذهب إليه (ليلى).
فكيف اختفى الشاب ليظهر وجهه في اللوحة التي مسحتها (ليلى) ليكون مطابقاً لوجه الملاك. فلا مبرر منطقياً لهذه الحادثة, إن التأويل الوحيد هو ظهور المعجزة. تنتهي القصة بملاحظة يسردها الكاتب (جيك أولسوب) نقتطف:
(إذا اتجهت يوماً إلى استنابول, اذهب إلى (آيا صوفيا) إنه مكان ممتع. توجه إلى الداخل, اذهب إلى صالة العرض الشمالية, وانظر إلى اللوحات الجدارية, تبدو كلها متشابهة. لكن إن دققت النظر, سترى واحدة مختلفة في أسفل الزاوية إلى اليسار, ملاك يبتسم. على حد علمي, إنه الملاك المبتسم الوحيد في أية لوحة من لوحات أية كنيسة مسيحية في العالم.) ص98
كتاب (عزيزي الخائن) إصدار اتحاد الكتّاب العرب بدمشق.
الأديبة كنينة دياب: عضو اتحاد الكتّاب العرب في جمعية الترجمة ( سورية).