استطلاع أجراه: د. علاء حميد إدريس – تصوير:عامر الساعدي /
تأخذ منا القراءة بعض الاهتمام أو ربما أكثر من ذلك، ولكنها ما زالت المصدر الذي يعطينا معرفة وتفسيراً لأغلب ما نواجهه من مشكلات وقضايا تخص حياتنا، ظل العراقيون على صلة معروفة بالقراءة، ولكن بعد عام 2003 تغيرت الظروف ومن بينها القيود التي كانت على الكتب بأنواعها، والتمتع بقراءتها…
ولمعرفة التغييرات التي حدثت بهذا الشأن، وأهمية وجود الكتاب والمكتبة في تقويم ثقافة الفرد والمجتمع، قامت مجلة الشبكة باستطلاع آراء من لهم شأن بالقراءة وتأثيرها في حياة العراقيين.
حبُّ المعرفة
الدكتورة منى عبد الصاحب العلوان، أستاذة الأدب الانكليزي، التي عملت سابقا رئيسة لقسم اللغة الانكليزية في جامعة بغداد، رأت في ردّها عن سؤال مفاده (هل ما زال اقتناء الكتاب ضرورة للعائلة العراقية؟) بأنَّنا أمام تحدٍ كبير، مضيفةً: “نعم لا يزال اقتناء الكتاب من ضروريات العائلة العراقية المثقفة. فملكية الكتب تعكس ثقافة البيت العراقي وحب أفراده للمعرفة بكل أنواعها. مشيرةً إلى أنَّه وعلى الرغم من سهولة الحصول على الكتب الالكترونية عبر الانترنت، إلا أنَّ الكتاب الورقي يبقى هو الأول رغم كل شيء. وأنَّ للكتاب الورقي ديمومته وقدسيته وجماله. واصفةً إياه بالصديق الذي تحلو صحبته، الذي نلجأ اليه متى شئنا ونتركه متى شئنا، تحمله بين يديك ببهجة وشوق وتتأمل كلماته ببطء وروية، تضعه على رفوف المكتبة بعناية وتفتخر بملكيته. وأن لا شيء يضاهي الكتاب الورقي. مضيفةً: “ولا ننسى ارتباط الكتاب الالكتروني بوجود الأجهزة الكهربائية وديمومة التيار الكهربائي التي نفتقدها في العراق، فقد ينقطع في لحظة حاجتنا للكتاب، لهذا لا بدَّ أن تكون لدينا مكتبة ورقية نلجأ إليها لأنها الأصل وهي الثابت”.
ولم يختلف رأي المُعلمة أميرة لفتة، عن رأي الدكتورة (العلوان)، (لفتة) التي علمت ودربت في مجال التعليم لمدة تصل إلى 25 عاما، وكانت لها تجربة طويلة بمدارس محو الأمية، التي أجابت عن السؤال بقولها: “بالتأكيد أنَّ اقتناء الكتاب ضرورة للعائلة العراقية، أيا كان نوع الكتاب، فإنَّه سيكون مفيدا ويقدّم معلومات مفيدة لأفراد العائلة، كلاً حسب اهتمامه، لربة البيت كتب الطبخ، وللشباب الرياضيين كتب الرياضة واللياقة، والبنات كتب الموضة والأتيكيت وغيرها”.
القراءة ممارسة ضرورية
أما الدكتورة نغم قحطان العزاوي، الحاصلة على شهادتي الدكتوراه في علم اللغة والترجمة من الجامعة المستنصرية العام ٢٠٠٤، والدبلوم بإدارة تعليمية من كمبردج العام ٢٠١٣، التي تعمل حالياً في كلية التربية بالرستاق في سلطنة عُمان، فاختلفت مع الرأيين السابقين، إذ قالت: “للأسف، لا اعتقد أن اقتناء الكتاب ضرورة لدى العائلة العراقية إلا ما رحم ربي، وطبعاً سيتبادر إلى ذهننا أولا السبب الاقتصادي والأزمة المالية التي يعاني منها العراقيون مدّاً وجزراً منذ أربعة عقود”، مشيرةً إلى أنَّنا قد نجد في العائلة فرداً من أفرادها يقتني الكتب وقد يقرؤها أيضا، وقد يصبح مثلاً أعلى لمن حوله لكن هذا لا يعني بالضرورة بحسبها أن تصنّف العائلة على أنَّها عائلة قارئة!.
في حين قال الأستاذ عباس العنبوري، رئيس مركز رواق بغداد، ومستشار لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان: “بالتأكيد أنَّ الكتاب ضرورة للعائلة العراقية. فهو – أي الكتاب – الوسيلة الأساس في بناء المعرفة المنظمة والمنهجية ولا يمكن لباقي الوسائل الأخرى كالفيلم السينمائي ان يكون بديلاً عنه”.
سهولة الوصول
أما عن سؤال تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في علاقة القارئ بالكتاب، قالت الدكتورة منى العلوان، بأنَّها أثرت بشكل سلبي في هذه العلاقة، لأنَّ الكثير من القراء بدؤوا يتجهون إلى الكتاب الالكتروني لسهولة الحصول عليه مجاناً، ولكونه متوفراً في كل وقت. موضحةً أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مصدر تسلية ومضيعة وقت للكثير من الناس، الذين لم يعد لديهم الوقت الكافي لقراءة الكتب العلمية والثقافية.
رأي اختلفت معه المُعلمة أميرة لفتة، التي قالت في معرض إجابتها: “إنّ مواقع التواصل الاجتماعي أثرت بشكل إيجابي في القراء، فقد جعل الانترنت بالإمكان أن نحصل على أي كتاب أو معلومة نحتاجها في كل الأوقات وبشكل سريع”، موضحةً أنَّ هذه المواقع سهلت على جميع أفراد العائلة الاطلاع على أغلب المعلومات مع تنوعها، وأيضا الحصول على الكتب التي يحتاجونها عبر النت بنسخ الكترونية في حال عدم توفر النسخ الورقية.
وقتٌ مستنزف
أما الدكتورة نغم العزاوي فقالت: “هذا القول يحتمل الإيجاب ونقيضه، لا يسعني ان أنكر أن مواقع التواصل تستنفد وقتاً كان يمكن أن ينفق بالقراءة..”، مضيفةً: ” لكن، ألا نقرأ مقالات وتحليلات ونقداً وقصائد طازجة كخبز التنور في وسائل التواصل؟ شخصياً، أفدت كثيراً من منصة كالفيسبوك في متابعة كُتاَّب ومفكرين وتلمس اتجاهات فكرية ما كنت لأعرفها لولا هذا العالم الأزرق! موضحةً أنَّها تتابع الإصدارات الجديدة أولاً بأول، في الرواية والفلسفة والتربية ونظم الجودة، وبأنَّها تقتني ما يروقها منها، وأن ما يساعدها أحياناً في ذلك تقييمات القراء الآخرين مثلاً.
في حين أشار الأستاذ عباس العنبوري في رده عن هذا السؤال؛ إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت في قراءة الكتاب. إذ استنزفت الكثير من وقت الفرد لقراءة المعلومات السريعة بدلاً من استثمار الوقت في قراءة الكتاب، مضيفاً: “ولكن في الوقت ذاته، فإنَّ وسائل التواصل الاجتماعي كانت لكثير من القراء منصة لالتقاط المعلومات الأولية عن كتبٍ محدّدة وبالتالي الاندفاع لشرائها واقتنائها”، إلا أنَّنا في العراق وبحسبه نفتقر إلى الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي المعرفي والاهتمام بها مثل تطبيق (Good reads)، أو إنشاء تطبيقات مشابهة لتشجيع القراءة وتسجيل معدلات أعلى فيها، كما هو حاصل في الكثير من الدول الغربية ودول شرق آسيا.
وعيٌ مصقول
نسمع كثيراً بأن وجود مكتبة للكتب في البيت تسهم بصقل وعي أهله، كما نسمع بأنها لا تسهم بذلك، بل أصبحت واحدة من إكسسوارات المنازل! ولمعرفة رأي من استطلعناهم عن هذه الموضوعة، توجهنا بهذا السؤال إليهم.
الدكتورة منى العلوان تحدثت بهذا الشأن قائلةً: “تبقى مكتبة المنزل مصدر الهام ووعي لأفراد الأسرة صغاراً وكباراً، لا سيما الصغار منهم، فالطفل الذي ينشأ في بيت فيه مكتبة له وللأسرة يكون أكثر وعياً وأكثر تعلقاً بالمعرفة التي تصبح جزءاً لا يتجزأ من حياته. ولا ننسى أيضاً أن نسخ القرآن الكريم الورقية المتوفرة في غرف البيت تعدّ مصدر إشعاع علمي، وتجعل الطفل ينظر إلى الكتاب المقدس كرمز أساسي لأهمية الكتاب في حياة الإنسان”.
هذا الرأي تطابق مع رأي المُعلمة أميرة لفتة، التي أشارت إلى أهمية وجودها في البيت، لأنَّها ضرورة من ضروريات الحياة، بما تسهم فيه من خلق فرد مثقف وتطوير وعيه.
تشجيع القراءة
أما الدكتورة نغم العزاوي فأوضحت أنَّ وجود المكتبة في البيت أمر مهم، وربما تقوم بصقل وعي أهله إلى حد ما، وأضافت: “لا بدّ أن يعتري الفضول أحدهم ويفتح كتاباً، ولعلها ساعة طيبة فيجد نفسه مأخوذاً بالقراءة وعوالمها الأخاذة”، مشيرةً إلى أنّ هذا لا ينفي أن بعض البيوت تتخذ منها ديكوراً، لكن، أظنني أُغَلِبُ حسن الظن أن وجودها أفضل حتماً من عدمه.. على الأقل كتعبير عن أهمية الكتاب وأنَّه من أسباب الرقي أو التظاهر به.
في حين قال الأستاذ عباس العنبوري: “إنَّ وجود مكتبة منزلية من شأنه أن يشجّع على قراءة الكتاب، فالمرء مشدود إلى ما يحيطه وبالتأكيد فإنَّ تقلب العين على عناوين الكتب سيكون مشجعاً للقراءة، فتهيئة الظروف من مستلزمات الحصول على نتائج”، مشيراً إلى أن الأولاد الذين في مراحل عمرية صغيرة، يشدهم الفضول للتعرف على ما تحتويه الكتب، لا سيما بعد قراءة عناوين جذابة.
إرث القراءة
وعن سؤالنا، هل إن الأمة التي تقرأ لن تنكسر كما يقال، وهل ترانا أمة قارئة؟ قالت الدكتورة منى العلوان: “نعم نحن أمة قارئة؟ لأننا أمة القرآن وكلمة القرآن من القراءة ويجب أن نكون كذلك، فالقراءة إرثنا ومنبع النور في حياتنا، ولا ننسى أنَّ أول سورة نزلت على النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم هي سورة اقرأ: “اقرأ باسم ربك الذي خلق”. وهذا دليل على أهمية القراءة وعظيم شأنها”، موضحةً أنَّ القراءة تنير العقل وتنمّي الفكر وتهدي إلى الحكمة، وأنَّه كلما زاد اهتمامنا بقراءة الكتب المفيدة علمياً وثقافياً كلما ارتقت أخلاقنا وشحذت عقولنا وتحفّزت هممنا وتنورت حياتنا، مضيفةً: “الأسرة هي البيئة الأساسية لتهيئة الأفراد على اختلاف أعمارهم وتربيتهم على حب العلم وقراءة الكتب، في بلدنا وفي ظروفنا الحالية الحرجة نحن في أمس الحاجة إليه وإلى خلق الوعي الثقافي بين طبقات المجتمع كافة وتحفيزهم على الاهتمام بالقراءة”.
مواجهة الجهل
أما المعلمة أميرة لفتة، فأجابت قائلةً: “نعم الأمة التي تقرأ لن تنكسر، ويقال بالتعليم ترقى الأمم لكن في الوقت الحاضر نرى أن التعليم تراجع في وطننا، بالأخص نتيجة سياسات كثيرة، أهمها ضعف سيطرة مؤسسات الدولة، ونتيجة لهذا الضعف تمت السيطرة عليها من قبل قوى خارج الثقافة والمجتمع، ساهمت بتجهيل الشعب، مما أدى إلى انتشار الفقر والجهل والمرض، وهذا أثر في جميع شرائح المجتمع”.
في حين تحدّثت الدكتورة نغم العزاوي في معرض أجابتها عن هذا السؤال قائلةً: “نحن نقرأ إلا أنّنا لا نعتبر! نحن مراؤون إلى حد بعيد والمراءاة معدية على نحو لا يصدق! أرى أطفالا وصبياناً من حولي يقبلون على القراءة، لكن الكثير منهم سرعان ما يهجرونها حين يلمسون التناقض بين عوالم القراءة – لا سيما أن المواد القرائية الموجهة لأعمارهم تحفل وتحتفي بالمثالية – وبين العالم الواقعي الذي يحيونه!