رجاء الشجيري/
بين الزيزفون الفلسطيني والياسمين الشامي تبرعمت آفاق الكاتب والمخرج فجر يعقوب الذي كانت ميزته التي تحسب له أنه عندما يكون مخرجا أو روائيا أو شاعرا.. لا يكون متفاوتا بين هذه الفنون بمستوى الابداع، بل هو بمستوى حرفي عال واحد فيها جميعا.
هو خريج المعهد العالي في صوفيا 1994 قدم سبعة أفلام قصيرة وثلاثة وثائقية ومتوسطة وألف أكثر من 23 كتابا في السينما والرواية والشعر .شارك عضوا لجنة تحكيم للأفلام القصيرة في أكثر من مهرجان في أبو ظبي والقاهرة والجزائر وهو يقيم الآن في السويد. التقته مجلة “الشبكة” وكان معه هذا الحوار:
¶بين الرمزية والواقعية كيف تتشكل رؤاك الخاصة في أعمالك ما بين السينما والكتابة؟
-صرت أعتقد أن الكتابة لايمكن لها أن تنفصل عن السينما أو العكس، ليس بدافع العطالة التي قد يعيشها المخرج أحيانا، ولكن لأن وسائط الاتصال الشاملة قد نالت من كل شيء، فلم يعد ممكنا الانتقال من وسيط بصري باذخ مثل السينما، الى وسيط تعبيري أدبي مثل الكتابة من دون جسر الهوة – غريزيا – بين النوعين. اليوم أجد نفسي منهمكا بتحقيق مشروعي الكتابي جنبا الى جنب مع مشروعي السينمائي، ولست بصدد تقييم الشرارة التي قد تندلع في الوسط من بوابة واقعية أو رمزية، طالما أن الاشتغال على هذا الواقع مهما بدا حرفيا ومباشرا يخضع في المقلب الآخر لكلا المشروعين الى اعادة توجيه واطلاق في مستويين، بصري وأدبي.
¶إلى أي حد ممكن أن تصل السينما؟ وهل هناك حدود لم تصلها بعد؟
– من المؤسف أن التقدم العلمي في العالم الافتراضي قد خلق نوعا من “التصحير” البصري لم تكن السينما بحاجة له على الاطلاق، لكن توحش رأس المال فرض صيغا ومفاهيم جديدة دفعت هذا الفن المدهش الفريد لأن يصبح مجموعة من الأصوات الخارقة التي تدهم المشاهد من تحت المقاعد ومن الجدران ومن السقف من دون أن تقدم له تلك اللغة التي صاغها عباقرة الفن السينمائي على مدى قرن من الزمان. ليس هناك حدود بالتأكيد. هذا مرهون بتطور الدماغ الانساني، لكن جل مايتمنى المرء في هذه “الصحراء” أن يبقي هذا الدماغ على مجموع الشروط التي تحفظ تلك الابتسامة الندية والعين السحرية والعتمة المقدسة التي عرفناها في هذا الفن من دون أن يلتهمها رأس المال.
¶بين الاخراج والنقد والترجمة والشعر والرواية ما المصاعب التي واجهتك؟ وأين تجد نفسك أكثر؟
-أنا موجود فيها كلها، ولا أعتقد أنه يمكنني أن أميز بينها منفصلة. هذا مشروع متكامل، واليوم عندما أنظر الى ماتحقق منه أكتشف أنني كنت أسير على هديه من دون أن أفكر للحظة أنني أجد نفسي هنا أو هناك.
¶الرواية وعلاقتها بالفن وتجسيدها سينمائيا أين تجدها وصلت؟
-لم يتوقف الفن السابع عن استلهام الرواية في مفاصل عظيمة منه. بالتأكيد هناك مشاريع فشلت، ومشاريع حلقت بأصحابها. أما مافشل، فهو يعود للقراءة الخاطئة التي تخلط أو تمزج بين فن تعبيري بصري، وفن لغوي من دون الأخذ بعين الاعتبار الفروقات التي تميزهما عن بعض، وان أردنا التأكيد على الاندغام الكلي بين مختلف الوسائط التعبيرية في عالم اليوم، الا أن تزييف الرواية بنقلها حرفيا للشاشة قد ينال منها، ويفشلها، فزئير الأسد في الرواية قد لايكون معادله زئير الأسد في الفيلم، وهذا قد ينطبق على لاعب النرد والعاشق والقاتل والمخبر ورئيس الدولة.
¶روايتكم (شامة على رقبة الطائر) الأخيرة كيف وجدتم صداها؟
-الرواية صدرت حديثا ومن المبكر الحديث عن صدى رافقها هنا أو هناك، ولكن لفت انتباهي الفيديو المستلهم منها والذي تم تصويره في السويد، ومدى الاحتفاء الذي لقيه حين نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو بذلك يقدم وسيلة جديدة للترويج للعمل الأدبي ولو من خلال أربع دقائق.
¶(عراقيون في منفى متعدد الطبقات) كيف استوحيت وركزت على مفارقة الاسم والاسم المستعار في طرحك لمعاناة عراقية؟
-حتى اللحظة مازلت أعتقد أن مأساة العراقيين المتجددة كانت الأقرب الى مأساة الفلسطينيين الدائمة، لهذا لم أجد نفسي غريبا عن محنة الأسماء المستعارة. الفلسطينيون استعملوا هذه الأسماء بمهارة، وكذلك العراقيون. لاننسى أن واحدا من أصحاب هذه الأسماء في الفيلم دفن في مقبرة فلسطينية، وكانت المعاناة الكبرى قد تجلت في عودته الى اسمه الحقيقي على شاهدة القبر.
¶فيلم (السيدة المجهولة) حمل ايقاع الوجود والبقاء الانساني برغم تغير الأسماء والأماكن حدثنا عنه؟
-لا أؤيد الحكي عن التجربة في الماضي. أراها كذلك في المستقبل. فيلم (السيدة المجهولة) ربما غدا بذرة لمشروع روائي طويل بعد التدمير الوحشي الذي لحق بالمكان بأيدي “قطيع الظلمات”. ربما أمكننا أن نرد شيئا الى أنسة المكان وأهله وأسمائه أن عرفنا أن هؤلاء البشر مازالوا يحفظون في قلوبهم لغة السيد المسيح. لايزال المكان يشدني بالرغم من بعدي عنه آلاف الكيلومترات، ومازلت أعتقد أن السيدة المجهولة ستظل مجهولة حفظا للأسماء وللأمكنة التي تطرد “جحافل الظلمات” من تلقاء نفسها.
¶من المرأة المستفزة أو الحلم لدى فجر يعقوب؟
-هذا سؤال مستفز بطبيعة الحال. هي نفسها تراه كذلك حين أحدثها عن كونها المرأة – الحلم. أعتقد أنها من أعطتني هذا المخمل اللغوي لأؤثث لـ( بياض سهل – 101 قصيدة حب )، وكونها سورية – دمشقية، فأنا أعتقد أن الاستفزاز يظل مستمرا.
¶حدثنا عن (وحدن) الوثائقي الذي أخذ عنوانه من قصيدة لطلال حيدر التي غنتها فيروز؟
-وحدن مشروع شخصي مستمر. اليوم عندما (أصفن) في هذا المشروع بعد أن تحقق أكتشف أنني كنت أحمل “بذرة شريرة – مفرحة” وأنا أحاول أن أحجز لنفسي مكانا في هذه الأغنية الخالدة. لم أتوقف يوما عن الترنم.