حوار / عبد الحسين بريسم/
تعد الشاعرة العراقية المغتربة فليحة حسن واحدة من أهم الأصوات الشعرية النسوية في المشهد الثقافي العراقي، ولها بصمات خاصه في كتابة القصيدة وتجربة كبيرة ومتفردة بدأت منذ عام ١٩٩١ حين انطلق صوتها الشعري المتمرد وأصدرت أول ديوان لها. استمرت رحلتها في الشعر وعالمه، حتى وصلت إصداراتها الى أكثر من ٢٥ إصداراً شعرياً، وترجمت قصائدها الى لغات حية عدة في العالم.
مجلة “الشبكة العراقية” التقتها فكان معها هذا الحوار:
* البدايات هي الأساس الأول، لنعد معك إلى البداية ؟
-إذا كان المقصود من هذا السؤال تحديد بداية كتاباتي بشكل عام، فأنا لا أستطيع أن أحدد زمناً لذلك، إذ إني منذ أن صحوت من طفولتي وأنا أجد يومياً تحت وسادتي دفتراً للملاحظات يتمدد الى جانبه قلم، وقد دونت في هذا الدفتر العديد من الجمل التي لم أكن أعرف أنها تنتمي الى الشعر إلا بعد عام 1991 حين نشرت أول قصيده لي في مجله (أسفار) ، وفي نفس العام أصدرتُ أول مجموعه لي وكانت تحمل عنوان (لأنني فتاة) عن (دار المنار) في مدينه النجف الأشرف، وبعدها توالى النشر ليصل الآن الى 25 كتاباً مطبوعاً وثلاث مخطوطات.
لكل شاعر بصمته
* للنساء في الشعرية العراقية كأس معلّى، هل أنت امتداد لهن؟ أقصد الملائكة وغيرها؟
ــ ليس بالأمر الصحي أو الصحيح أن يكون الشاعر امتداداً لشاعر آخر سبقه أو عاصره ، فلكلّ شاعر صوته الخاص وبصمته التي تميزه عمن يجايله من الشعراء، وأحياناً كثيرة قد يُعرف الشاعر باستخدامه قاموساً شعرياً معيناً، أو تستحوذ على لغته مفردات خاصة يوظفها في قصائده فتكون ميزة له عن سواه، وبعد كل ذلك كيف للشاعر إذاً أن يتخلى عن صوته الخاص وبصمته الدالة عليه وقاموسه الشعري ليكون ظلاً لشاعر آخر، مهما علت مكانة ذلك الشاعر وارتفع شأنه، لذا فأنا لا يمكن أن أقول إنني أمثل شاعرة أخرى غيري، أنا فليحة حسن، الشاعرة التي تحاول منذ عام 1991 أن تصنع لها بصمتها الخاصة التي تدل عليها وحدها وتمتاز بها دون سواها، حتى يمكن للقارئ أن ينسب نصي إليَّ إذا ما غاب اسمي عنه، ومع اعتزازي بالتجارب المختلفة للشاعرات العراقيات والعربيات وشاعرات العالم، تبقى كتاباتي وقصائدي امتداداً لصوتي أنا وحدي دوناً عن سواي.
طقوس لم تتغير
*كيف تكتبين نصك؟
– لا تختلف طقوس الكتابة لدي مطلقاً، فأنا أكتب متى ما حضرت ومضة الإيحاء، في أي مكان، في الغابة، وأنا أسير، في السيارة، في الباص، في المطبخ، فكل الأماكن صالحه للكتابة لديَّ. أتذكر مرة أنني ذهبت لزيارة مرقد الإمام علي (عليه السلام) في النجف حيث كنت أسكن، فتذكرت صديقتي ميسون حسن كمونة التي استشهدت هناك، وبعد أداء مراسم الزيارة، جلستُ في الصحن الشريف تحت مرزاب الذهب، وكتبتُ قصيده (مرثية لمرزاب الذهب)، التي رثيتُ بها صديقتي الشهيدة، ولا يختلف الأمر عندي الآن، فأنا كتبتُ العديد من القصائد أثناء ذهابي أو إيابي من عملي، لكن أحياناً تتمنع قصيدتي عن الحضور، أو تظهر بشكل آخر أقل نصاعة من الشكل الذي كنتُ أتخيلها به، فأبقى ساهرة لليلة أو ليلتين بانتظار قدومها، أعاني الأرق والترقب. وعلى أية حال فالحياة بلا شعر رحلة مجهولة على جناح تنين أعمى.
*هل أضافت الغربة لك شعرية أخرى؟
– الغربة والشاعر قضية ثنائية العلاقة، إذ إن مفهوم الغربة في الشعر يتجلى في شكلين رئيسين هما: الغربة المادية والغربة المعنوية، فالغربة المادية هي التي يكون الشاعر فيها قد ابتعد عن أهله ووطنه، بينما الغربة المعنوية ترتبط بالشعور بالانفصال أو الاغتراب عن الآخرين، وأعتقد أن هذا النوع من الغربة، أو الاغتراب، يشعر به المبدع منذ الجملة الأولى التي يخطها قلمه، فأنا أتذكر أنني في مرحله المراهقة، كنت أشعر باختلافي عن أقراني، في كوني أكثر منهم بالقراءة والاطلاع على كتب لأدباء لم يكن أقراني يعرفونها أو يعرفون أسماء مؤلفيها، بعد ذلك أصبحتُ أشعر بأن لغتي مختلفة تماماً عن لغتهم، ومن ثم أصبح تفكيري يتقاطع مع تفكيرهم.
*كيف تعاملت مع اللغة الأخرى في الوطن البديل؟
-لم يخطر ببالي في يوم من الأيام أنني سأترك العراق وأذهب لأعيش في بلد آخر، ولم يكن في الحسبان أنني أحتاج الى لغة اخرى كي أتواصل بها مع من حولي، لذلك حينما سافرت الى أميركا شعرتُ بحاجه كبيرة الى تعلم اللغة الإنجليزية تعلماً احترافياً، أستطيع معه أن أتحدث وأقرأ وأكتب بطلاقة ودونما مترجم، لذا كنتُ، ولا أزال، أبذل جهداً كبيراً في سبيل ذلك، وفي عام 2018 كتبتُ أول مجموعه شعرية لي باللغة الإنجليزية، وهي بعنوان “إفطار الفراشات”، التي رشحت الى جائزه بولتزر الأدبية الأميركية.
المفاضلة المستحيلة
*أي من دواوينك تجدينه أقرب الى نفسك؟
– لا أستطيع المفاضلة بين كتاباتي، كما لا يمكنني القول إن مجموعتي الشعرية الأولى أحب إليّ من الأخيرة، في الحقيقة كلّ كتاب يصدر هو بمثابة مولود جديد لي، تمنعني عاطفتي بشدة من التفريق بينه وبين من سبقه أو تلاه، كما أن لكلّ مجموعه شعرية كتبتها ظرفها وموضوعها الخاص بها.
*كيف تجدين الشعر بين عالمين؟
-تختلف الموضوعات التي يعالجها الشعر الغربي اختلافاً كبيراً عن الموضوعات التي يعالجها الشعر العربي بعامة، والعراقي بخاصة، فالشعر الغربي أبسط في موضوعاته وأقل عمقاً، إذ إن ما يعيشه شعراء الغرب من ترف فكري وبيئي يؤثر على ما يكتبونه من قصائد، على نقيض الشعراء العرب والعراقيين، فإنهم يستمدون مواضيع نصوصهم من تجارب يمكن أن نصفها بالأهوال.
*ماذا عن مشاريعك الجديدة؟
-الحمد لله لا أزال قادرة على الإبداع، وفي حاسوبي الآن مخطوطات عديدة، منها مجموعتان شعريتان، واحدة باللغة العربية والأخرى كتبتها باللغة الإنجليزية، وهما تنتظران النشر، وفي نيتي إكمال عمل نثري بدأته منذ عام وأرجأته بسبب انشغالات عديدة، كما أن لدي أكثر من مشروع إبداعي أحب أن احتفظ به الى حين ظهوره الى النور.