زياد جسام – تصوير : يوسف مهدي/
بحضور نخبة من المثقفين والفنانين والإعلاميين، نظم (گاليري مجيد) جلسة حوارية واحتفائية بمناسبة توقيع كتاب الدكتور جمال العتابي، الذي حمل عنوان “المثول أمام الجمال”، صدر حديثاً عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، وهو كتاب نقدي توقف عند محطات عديدة للفن التشكيلي، العراقي والعالمي.
سياحة معرفية
الجلسة التي أدارها الدكتور معتز عناد غزوان، وناقشت فيها وأثرتها مجموعة من الشخصيات المهمة الحاضرة، تناولت القيمة المعرفية لهذا الكتاب المتميز. تحدث الدكتور معتز في مستهلها عن سيرة الكاتب الدكتور جمال العتابي ومحطاته الثقافية التي عمل فيها والمناصب التي تسنمها، كما تحدث عن الموضوعات التي احتواها الكتاب فقال: “في كتابه المميز الموسوم (المثول أمام الجمال)، قدم لنا الدكتور العتابي سياحة معرفية وثقافية مهمة، استعرض فيها العديد من المحطات المضيئة واللامعة في تاريخ الفن التشكيلي العراقي الحديث، بدءاً من عاصم حافظ وتشكل بوادر مدارس الرسم الحديث في العراق، مروراً بأكرم شكري ومحمد صالح زكي وشاكر حسن آل سعيد ونوري الراوي وناظم رمزي وعطا صبري ونعمان هادي وصلاح جياد. كما تطرق الى العديد من التجارب المهمة في حياة الفنانين التشكيليين العراقيين، ولا سيما الرسامين والنحاتين، فضلاً عن دراسة بعض تجارب من عاش منهم في الغربة، كقيس يعقوب، وأيضا التفرد بالحديث ودراسة أعمال الفنانين العراقيين أمثال ضياء حسن ومكي حسين وجعفر طاعون وكاظم داخل وعبد الرحمن الجابري وموفق مكي، كما تطرق الى جوانب نقدية في دراسة الفن التشكيلي العراقي والعالمي.”
شهادات مشتركة
وتعمق الدكتور معتز في التفاصيل الدقيقة التي تضمنها الكتاب، لافتاً الى القيمة المعرفية التي تجعل منه مادة أكاديمية ينهل من تجربتها وتنوعها طلبة الفنون الجميلة، فقد اشتمل الكتاب على دراسات نقدية، وأضاء تجارب مهمة متنوعة بين الفن التشكيلي والخط العربي والعمارة، ومنها أعمال الفنان العراقي هاشم الخطاط في جامع الخلفاء ببغداد، وفن التصميم الغرافيكي والطباعي من حيث دراسة بعض المظاهر العالمية في الملصقات والشعارات وغيرها، كما أن فيه شهادات مشتركة بين الفنانين والشعراء في العراق، مثل الحوارية التلقائية التي دارت بين يحيى جواد وحسين مردان، والتطرق الى دراسة جوانب مهمة في المفاهيم الجمالية والفنية والحديث عن تجربة المعمار العراقي الكبير الدكتور خالد السلطاني، وتحليل بعض النصوص المعمارية العالمية المهمة ومنها كنيسة كامبي في فنلندا، التي حللها تحليلاً جمالياً مهماً، وأيضا الحديث عن أعمال فنانين عالميين أمثال رامبرنت وبيكاسو ودالي.
بدايات التجربة
من جهته، أعرب الدكتور جمال العتابي عن شكره وتقديره لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق على مبادرته بطباعة هذا الكتاب، مثمناً دور الحضور والقائمين على كاليري مجيد ومقدم الجلسة على حسن التنظيم وألق الاحتفاء الجميل، مستذكراً البدايات وتجربته مع الفن التشكيلي عندما كان صغيراً يشاهد مواد الرسم كالألوان والفرش وغيرها في محل والده. كما تحدث عن الكتاب ابتداء من عنوانه، كاشفاً عن سبب اختيار عنوان هذا الكتاب “المثول أمام الجمال” لكونه مأخوذاً من عنوان لمقالة او لزيارة وانطباعات عن “المثول أمام الجيوكندا” وهي لوحة بيكاسو، التي وقف العتابي أمامها طويلاً، كما وقف أمام الموناليزا وغيرها من الأعمال العالمية. وقال العتابي: “أريد أن أتحدث عن المثول الأول، اي الوعي المبكر بالجمال، حين كنت في قرية على ضفاف الغراف اسمها الغازية، هذه القرية فيها معلم يرسم ويخط ، انتبهت وشممت لأول مرة رائحة الزيت وشاهدت ألوان الرسم والفرش والأقلام، وبدأت أتساءل من أين لهذا الرجل المعلم، خريج دار المعلمين الريفية، أن يتعلم الرسم والخط والتعامل مع اللون، لذا بقيت فكرة اللون والحرف العربي ترافقني وتأثرت بها جداً الى أن أصبحت أجيد الخط العربي بشكل جميل، والفضل يعود لهذا الرجل، الذي هو والدي حسن العتابي.”
أهمية الكتاب
كان الأستاذ حسن، والد الدكتور جمال العتابي، يجيد الخط العربي والرسم وتحنيط الحيوانات وصناعة المجسمات، لذا تأثر الابن بأبيه منذ أن كان تلميذاً في الابتدائية، وقد قاده شغفه وتعلقه بأعمال أبيه التشكيلية لاقتحام مضمار الفن التشكيلي، فبذل كل ما بوسعه، لكنه لم يفلح في مجاراة موهبة الأب، لذلك تعمق في قراءة الكتب التخصصية فتطورت ذائقته الى أن سلك طريق الكتابة والنقد والبحث في التشكيل كما هو معلوم لدى الجميع.
شاءت الأقدار أن تضع العتابي في منصب قريب من اهتمامه، وهو إدارة دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة العراقية، فكانت فرصة مهمة تمكن من خلالها أن يقدم فيها كل ما أمكنه لخدمة الوسط الفني. يقول العتابي “كنت راًضيا عن نفسي في ما قدمت.”
كما تطرق المؤلف الى أهمية هذا الكتاب ومن المستفيد منه، إذ قال إن “هذا الكتاب ينفع الى حد كبير أستاذ الفن التشكيلي، وأيضاً طالب الفن، كما ينفع المتلقي الذي يريد أن يطور ذائقته الفنية.”
بعدها تحدث بشكل عميق عن كلمة الجمال التي وردت في العنوان وما تعنية بالضبط، اذ قال “تعمقت في مفهوم الجمال، وقرأت العديد من الدراسات وكتب الفلسفة، فوجدت أن هذه الكلمة تحمل العديد من التأويلات، فلكل فيلسوف رؤية تختلف عن رؤية غيره، الجمال –كنظرية- شغل الفلاسفة منذ عصر الإغريق، ففلاسفة اليونان هم أول من بدأ دراسة الجمال، وكيف يمكن أن نميز الجمال عن القبح، ونحكم على الشيء بأنه جميل او غير ذلك، الفيلسوف اليوناني ديموقريطوس كان يرى أن الجمال هو الانسجام او التنسيق، وربط مفهوم الجمال بالطبيعة، وأرسطو قال إن الجمال هو المتعة، فيما قال سقراط إن الجمال هو الخير، والى آخره .. يوصي الدكتور العتابي الجمهور بأن يبحثوا عن الجمال ويرسخوا هذا المفهوم الذي من شأنه أن يخلصنا من القبح في حياتنا بشكل عام.
من جانبهم، أجمع الفنانون والنقاد والمتذوقون الذين حضروا هذا الاحتفاء، ومن بينهم الروائي صادق الجمل، والفنانة كفاح مجيد، والموسيقار سليم سالم، ود. فرات العتابي، عن إعجابهم بهذا الكتاب. أخيرا وقبل الختام، ألقى الإذاعي والإعلامي لطيف جاسم بعض الأبيات الشعرية ابتهاجاً بمنجز الدكتور العتابي، وأهدى له مقطعاً من أغنية “يلجمالك سومري”، إذ غناها أمام الجمهور واشرك الجميع بالتصفيق معه.. بعدها جرى توقيع الكتاب وإهداؤه للحضور الكريم.