أحمد سميسم /
بمناسبة الاحتفاء بيوم المسرح العالمي انطلقت منتصف الشهر الماضي فعاليات مهرجان (يوم المسرح العراقي) السنوي في بغداد الذي تقيمه دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، واستمر خمسة أيام بمشاركة فرق مسرحية محترفة من تونس والمغرب وضيوف مختصين بالمسرح من جمهورية إيران، الى جانب العروض المسرحية العراقية من بغداد وكردستان العراق ومحافظة الديوانية. وقد عرضت ست مسرحيات تعالج وتناقش الأوضاع التي يشهدها المجتمع العراقي، حيث توزعت العروض المسرحية على عدد من مسارح بغداد (المسرح الوطني، مسرح الرافدين، منتدى المسرح التجريبي، مسرح معهد الفنون الجميلة)، فضلاً عن جلسات نقدية لأهم النقاد والباحثين في المسرح.
موضوعات فلسفية
افتتح المهرجان بعرض فيلم (أيام المسرح العراقي) للمخرج مهدي أبو سيف بعد إلغاء الاحتفالات المرافقة للمهرجان، حداداً على أرواح شهداء عبّارة الموصل، تلاه عرض مسرحي لمسرحية (ساعة السودة) من إخراج الفنان سنان العزاوي وتأليف الدكتور مثال غازي، تمثيل شيماء جعفر ويحيى ابراهيم وآخرين، تناولت المسرحية الصراع الداخلي بين الرجل والمرأة واعتمدت على طرح فرضية مغايرة لتسليط الضوء على بعض المواضيع الفلسفية بشأن الوجود على الأرض ومحاصرة الزوجين بالزمن، كما يستند العمل إلى مفهوم المحاكاة الساخرة على صعيد الشكل والجماليات والآليات الأدائية في تجسيد علاقة بين حبيبين تنتهي بالزواج بما تفرضه اللحظة الراهنة من تشوّهات ومفارقات في المجتمع العراقي.
مسرحيات عربية وأجنبية
وتوالت عروض المهرجان، اذ عرضت ثلاث مسرحيات الأولى (سكوريال) تأليف ميشيل دي جيلدرود وإخراج الطالب سجاد كاظم على مسرح معهد الفنون الجميلة، تلاها عرض مسرحية (صباح ومسا) على خشبة المسرح الوطني لفرقة (دوز تمسرح) من المغرب وهي من تأليف غنام غنام وإخراج عبد الجبار خمران وتمثيل رجاء خرماز وتوفيق ازديو، تلاها العرض المسرحي الكبير لمسرحية (أمكنة إسماعيل) الحائزة على جائزة الهيئة العربية للمسرح كأفضل نص مسرحي من تأليف هوشنك وزيري وإخراج إبراهيم حنون الذي تميزت أعماله بالاشتغال في مسرح الصورة وهو ما أكدته أغلب أعماله التي قدمها سابقاً وكانت آخرها مسرحية (أمكنة اسماعيل) تمثيل الفنان الكبير رائد محسن، والفنان باسل الشبيب، والفنانة الشابة الواعدة كاترين، والفنانين الشباب شوقي فريد، طه علي، حيدر الخياط ، حيدر الآغا ،علي العذاري. يتحدث العمل عن الصراع بين العقل والجنون، وما بين الحقيقة والوهم، من خلال شخصية البطل (إسماعيل) التي جسدها ببراعة وإتقان الفنان رائد محسن، المعتقل سياسياً، إذ تعرض لكل أنواع التعذيب والعنف، ولكي يهرب من المعتقل لجأ إلى حيلة ادعاء الجنون، حيث يعود إسماعيل إلى مستشفى الأمراض النفسية الذي خرج منه، لأنه سليم عقلياً، ولكي يعاود تمثيله للجنون فيدّعي الجنون ليعيش بأمان عما يدور خارج أسوار المستشفى، ويبقى الجمهور يدور في فلك خيالات اسماعيل وحقائق الواقع. الجمهور تفاعل بشكل كبير مع المسرحية حيث وقف يصفق طويلاً لأبطالها الفنانين.
ثنائية العقل والجنون
من جانبه، قال الفنان رائد محسن في تصريح لـ (مجلة الشبكة) :”إن تجسيدي لشخصية (اسماعيل)، الذي يدّعي الجنون، ليست وليدة اللحظة، فقد اشتغلت عليها منذ بداية الشهر الثالث من السنة الماضية، حيث إن المسرحية تناولت موضوعاً خطيراً وهو لغة الجنون، مؤكداً أن العرض يدعو إلى الدهشة، واستطاع المؤلف أن ينسج خيوط عمله بين ثنائية العقل والجنون.”
وأشار مؤلف المسرحية الفنان هوشنك وزيري الى: “أن العمل يعالج موضوع ثنائية العقل والجنون من خلال شخص يدعى (إسماعيل) يعود الى مشفاه النفسي الذي مكث فيه طويلاً بعد تحطمه جراء القصف، وهنا يبدأ السؤال: لماذا تعود الى المشفى بعد خروجك منه؟! الجواب يتلخص بأن ما يدور خارج أسوار المشفى أخطر بكثير عما موجود في داخله!! مؤكداً على أن فكرة المسرحية لم تكن غائبة عن ذهنه طيلة السنوات السابقة ما دفعه الى تجسيدها على الواقع لترى النور أمام الجمهور العراقي والعربي.”
فيما أعرب مخرج المسرحية الفنان إبراهيم حنون عن سعادته الغامرة بنجاح عرض عمله المسرحي (أمكنة إسماعيل) حين رأى النجاح في عيون الجمهور، موضحا:”أن المسرحية تجربة مختلفة تدعو الى الدهشة من خلال ثيمتها غير المستهلكة في النصوص المسرحية الأخرى، مشيداً بالأداء الرائع للممثلين الذين استطاعوا شدّ انتباه الجمهور نحوهم طيلة فترة عرض المسرحية.”
وأوضح الفنان باسل الشبيب الذي جسّد دور (الدكتور) في العمل :”إن مسرحية (أمكنة اسماعيل) من الأعمال المهمة التي أتوقع لها أن تكون علامة فارقة في النصوص المسرحية الجادة، كونها تتمحور حول مواضيع فلسفية مقتبسة من حياتنا الاجتماعية اليومية تمتزج فيها الصراعات النفسية بين منطقتي الوعي واللاوعي، مؤكداً على أن هذه المسرحية لا تصنف ضمن المسرحيات النخبوية بل إنها عمل يحاكي جميع طبقات المجتمع العراقي بكل وضوح.”
الفنانة كاترين هاشم، التي كانت لها التجربة الأولى في المسرح، أجادت بشكل مذهل في تجسيد شخصيتها في المسرحية، قالت: “سعيدة جداً بكونها التجربة الأولى لي أن أقف فيها على خشبة المسرح مع كبار الممثلين أمثال الفنانين رائد محسن وباسل الشبيب في مسرحية مهمة كهذه، وسعدت بتفاعل الجمهور معي اثناء تأديتي للمشاهد، وقريباً إن شاء الله ستشاهدونني في عمل درامي جديد.”
صراع الخادمات
أيضاً، ومن ضمن فعاليات المهرجان تم عرض مسرحية (الخادمتان) من إخراج الفنان المسرحي جواد الأسدي، وتأليف جون جوني، وتخوض فيها خادمتان صراعاً يفضي إلى اختيار القتل كخلاص وتحرّر من العبودية.
كما تم عرض مسرحية (نساء في جهنم) على مسرح الرافدين وهي من أربيل من إخراج هيوا سوعاد يونس. تلت هذه العروض جلسة نقدية على قاعة عوني كرومي، أدارها الفنان كاظم النصّار وعقّب فيها الدكتور مثال غازي والدكتور رياض موسى سكران.
ثم عرضت المسرحية التونسية (الأرامل) لفرقة الأسطورة للإنتاج من تونس تأليف لايرل دورفمان وإخراج الفنانة وفاء الطبوبي على خشبة المسرح الوطني، كما عرضت مسرحية (سلة شكسبير) على قاعة منتدى المسرح التجريبي لفرقة كلية الفنون الجميلة من اخراج الدكتور حليم هاتف، بعدها عقدت جلسة نقدية أدارها الفنان ظفار المفرجي وعقّبت فيها الفنانة الدكتورة عواطف نعيم والدكتور ياسر البراك.
حفل الختام وتكريم الفنانين
وكان مسك ختام المهرجان عرض مسرحية (فلانة)، حيث ذهبت جائزة أفضل ممثل وممثلة الى باسل الشبيب، والممثلة آلاء نجم من تأليف هوشنك وزيري وإخراج حاتم عودة، علماً بأن المسرحية حصلت على جائزة أفضل ممثل وممثلة في مهرجان “أوال” المسرحي الدولي في البحرين، وكان على الديكور محمد النقاش، والإضاءة علي معد السوداني، والمؤثرات الموسيقية مهدي عباس. تحكي المسرحية قصة أسرة عراقية مكوّنة من ست فتيات يسكنّ مع أبيهنّ، الأم امرأة نذرت حياتها للدين وعبادة الرب، والأب رجل ركزّ جل اهتمامه على منع هؤلاء الفتيات من رؤية الحياة حتى وإن كانت هذه الرؤية من ثقب صغير ينقلهنّ الى الجانب الآخر من الدنيا، في محاولة من المخرج لمناقشة قضية تغييب المرأة، وكإشارة لهذا التغييب ينادي الأب بناته باسم “فلانة” من دون تمييز بينهن، وبهذا حاول المخرج أن يشير الى فكرة العمل في التغييب والتهميش لدور المرأة.
الحمداني يكرم الوفود
الفنانة “آلاء نجم” مثلت في المسرحية دور الفتاة التي تحاول الخروج الى العالم الآخر رغم المعوقات التي تواجهها من سطوة المجتمع الذكوري وسلطة المجتمع غير المنصفة.
بدوره، ذكر مخرج العمل الفنان حاتم عودة :”أن العمل يتحدث عن عذابات المرأة في مجتمعاتنا، فهي دائمة الصبر والدعاء والانتظار، هذه المرأة التي تلد أبناءً تخشى أن يكونوا من الإناث كما هي فيذقن ذات المصير من التهميش والإهمال.
العرض الذي استغرق قرابة الـ 60 دقيقة، استطاع أن يستقطب أنظار الجمهور الحاضر في المسرح وينال اعجابهم.
وفي ختام العرض كرّم وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور عبد الأمير الحمداني جميع الوفود العربية والعراقية من الفنانين المشاركين في المهرجان، مشيداً بالجهود التي بذلت خلال خمسة أيام قدمت من خلالها أجمل العروض المسرحية على عدد من المسارح العراقية في بغداد والمحافظات. وحضر حفل الختام عدد من المسؤولين والدبلوماسيين وحشد من الفنانين والمثقفين والإعلاميين ومختلف وسائل الإعلام .