“قاعة حوار” بحُلّة جديدة.. صرحٌ جماليٌّ يشعّ بالفن والثقافة

زياد جسام/

بعدما كانت تعاني من غلق الطرق المحيطة بها لدواعٍ أمنية تخص المنطقة التي تقع فيها، ما تسبب بمعاناة الجمهور وعدم وصولهم إليها بشكل سهل، فتحت مؤخرا” قاعة حوار” أبوابها للجمهور لكن هذه المرة بحلة جديدة تختلف عما كانت عليه سابقاً،
علماً بأن قاعة حوار تعد من أهم القاعات الفنية الأهلية، إذ قاومت كل الظروف لتبقى منبرا للفن والجمال، منذ نشأتها في بداية التسعينيات.
لا يمكننا أن نتخيل عدد الفنانين والأحداث والشخصيات التي مرت على هذه القاعة العريقة، فقد كانت – وما زالت – خيمة لجميع الفنانين والنقاد والإعلاميين والهواة والمتذوقين، إذ يأخذهم الجلوس والمشي بين أروقتها إلى أجواء ثقافية فنية بغدادية جميلة، ويلتقي فيها الجميع للتبادل الثقافي وطرح الآراء والأحاديث الفنية الشيقة.. لا شك في أن قاعة حوار أسّست لمرحلة مهمة من مراحل الفنون البصَرية العراقية، كما كانت شاهدة على التطورات الكُبرى في حركة الفن التشكيلي في العراق، وأسهمت في ظهور العديد من الأسماء الفنية في البلاد.
كما يعد المعرض الشخصي الذي يقام في قاعة حوار بمثابة شهادة نجاح للفنان، تمكنه لاحقاً من الدخول إلى عالم الفن من أوسع أبوابه، وهذا ما حصل مع أكثر الفنانين الشباب الذين بدؤوا مشوارهم من هذا المكان، وبفضله انطلقوا نحو العالمية، ومن هذا المنطلق تبدأ المقارنة بين القاعات التجارية والقاعات الفنية الرصينة التي لا تجامل على حساب سمعة الفن العراقي الأصيل.
منصة للجميع
تمثل قاعة حوار منصة لتبادل الخبرات الإبداعية والمعرفية، إذ إن كل المعارض والأنشطة الثقافية الأخرى التي تتبناها القاعة تعد ناجحة في كل المقاييس، ولا شك في أن مؤسس هذه القاعة، الفنان قاسم سبتي، هو واحد من الفنانين العراقيين المميزين، بفنه وأفكاره، كما يعلم جميع المتخصصين بأن الفنان سبتي يحاول دائماً إشراك نخب من المبدعين في أي قرار يتخذه يخص هذه الصرح العراقي العريق، حتى لو كان الموضوع يخص ترميم القاعة نفسها، فالجميع لديهم إحساس بأن هذه القاعة ملك لهم، ويعدونها المكان المناسب لوجودهم كفنانين ومثقفين. وهذا ما جعل الفنان سبتي أمام مسؤولية كبيرة في الحفاظ على هذه الخيمة الجميلة التي يرتاح تحت ظلها الكثير من الأسماء.
يذكر أن هذه القاعة تعرضت، بعد الاحتلال الأميركي للعراق إلى غلق إجباري، وذلك بسبب تقطيع الطرق المؤدية إليها، ما أثر كثيراً على نشاطاتها، إذ أصبح الوصول إليها صعباً جداً، واستمر ذلك لسنوات طوال، لكنها استعادت عافيتها اليوم بعد إزاحة تلك الكتل الكونكريتية، وجرى ترميمها بشكل لائق لتفتح أبوابها من جديد أمام الفنانين والجمهور المحب للفن ولطلبة كلية الفنون الجميلة، إذ إنها مجاورة للكلية.
قيمة إبداعية
وبمناسبة افتتاحها الجديد بعد فتح الطرق المحيطة بها وترميمها، استضافت معرضاً تشكيلياً جماعياً مهماً حمل اسم (رواد وآخرون)، إذ يعد هذا المعرض من المعارض المميزة حيث جرى عرض مجموعة من الأعمال الفنية التي تعود إلى حقب زمنية مختلفة من تاريخ الحركة التشكيلية العراقية، وهي مجموعة أعمال لرواد الحركة التشكيلية وبعض الفنانين الآخرين من مختلف الأجيال، كجيلي الخمسينيات والستينيات وغيرهما، والأسماء المشاركة بدأت بالفنانين: فائق حسن، وقاسم ناجي، وشاكر حسن آل سعيد، وحافظ الدروبي، وخالد الجادر، وسالم الدباغ، واسماعيل فتاح الترك، ونوري مصطفى بهجت، وخالد الرحال، ومحمد غني حكمت، وخليل الورد، وسعد شاكر، ومحمد مهر الدين، وجميل حمودي، وراكان دبدوب، ونوري الراوي، ومحمد عارف، وأرداش كاكافيان، وجودت حسيب، وخضر جرجيس، وخالد عزت، وسامي حقي، وعلي النجار، وفرج عبو، ومحمد صبري، ونجيب يونس.
نوادر فنية
علماً بأن الأعمال المشاركة تعد من النوادر الفنية، باعتبار أنها رسمت في حقب تاريخية مختلفة، وبأنامل مبدعين عراقيين رحلوا وتوقفت مسيرتهم عند هذا الحد. الأعمال المشاركة في هذا المعرض لم تكن وحدها الحكاية، إنما تكمن في الجدران التي خلف الأعمال، يعد معرض (رواد وآخرون) مصدراً لإلهام وتعليم طلبة الفن، لاسيما أن الاعمال المعروضة فيه ذات قيمة إبداعية كبيرة، من حيث التقنيات والخامات والأفكار، كما إنه يمثل جيل الأوائل وما بعدهم من المبدعين العراقيين، وهذا ما يدفع غالبية أساتذة كلية الفنون الجميلة إلى أن يحثوا طلبتهم على حضور المعارض القيمة التي تقام على هذه القاعة، وذلك لقربها من بنايتهم، وتعد هذه فرصة ذهبية لطلبة الفن في أن يجدوا مثل هذه الأعمال قريبة منهم؛ يشاهدونها عن قرب ويتحسّسون تقنياتها وطرق تنفيذها وأحجامها، إذ إن هذه الأعمال تعدّ ثروة قيمة لا تتوفر في كل زمان ومكان.