قراءة في كتاب ( تمثلات النهضة في ثقافة العراق الحديث)

علاء حميد إدريس/

يعمل كتاب (تمثلات النهضة) الصادر عن (دار الجمل)، على ملاحقة التحولات الثقافية التي مر بها العراق في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. الكتاب يقع في ثمانية فصول يشكل من خلالها صورة أدبية وثقافية عن ملامح النهضة في العراق، التي حضرت عبر الشعر والأدب، لكنها لم تستطع الدخول إلى المجتمع كفكرة وعمل.

خصوصيةٌ عراقية
تذهب (فاطمة المحسن)، مؤلفة الكتاب، إلى أنها مرت بتجربة غنية مع أرشيفات الثقافة العراقية، كما أنها انشغلت بتحليل سمات تلك الثقافة عبر تشكلاتها الأولى. وهنا نلحظ أن هذه الثقافة تشكلت مع بداية قيام الدولة الوطنية 1921، لكن (المحسن) ترى أن النهضة بدأت في القرن التاسع عشر، التي ظهرت على شكل جهد وفعل ثقافي، اختلط فيهما التأثر والصراع بالحضور العثماني التركي في العراق. سعت (المحسن) إلى اكتشاف الخصوصية العراقية بالتعامل مع النهضة، عبر مقارنتها بالنهضة في مصر وبلاد الشام، فكانت تلاحق وتحلل كيف نظر العراقيون الى مفاهيم النهضة والتعامل معها، فالنهضة تبلورت ضمن سياق غربي مر بمراحل فكرية واجتماعية، حينما نرصدها في السياق العربي والعراقي نجد أننا أمام اختلاف وتباين بين النهضتين في العالمين، الغربي والعربي.
هيمنة الشعر
تضع المحسن أطروحة مختلفة عن من سبقها في دراسة وفهم النهضة في الثقافة العراقية، إذ تلفت إلى تأثير الثقافتين التركية والإيرانية على تكوين ملامح الثقافة في العراق، وبحكم الجوار الجغرافي فإن النفوذ والتأثير واقع على ما تنتجه هذه الثقافة من شعر وأدب ونثر، وحين نعود إلى التاريخ والجغرافية، نكتشف أن الثقافتين التركية والإيرانية حاضرتان في العراق عبر عوامل اجتماعية وسياسية وعسكرية. ربما غاب هذا الجانب عن من بحث تاريخ النهضة وتفاعلاتها في العراق، إذ احتل التأثير الغربي الجانب الأبرز في تحليل النهضة ومحاولة معرفة دورها في تشكيل الثقافة العراقية الحديثة. لذلك علينا الانتباه إلى التاريخ الاجتماعي الذي مرّ به المجتمع العراقي، فربما يساعدنا هذا الفهم على معرفة التحولات والأسباب التي أدت إلى هيمنة الشعر على الثقافة، ومن ثم صعود النثر كنوع أدبي بارز في الثقافة العراقية، ولاسيما مرحلة تسعينيات القرن الماضي. تقول فاطمة المحسن عن هذا التحول الظاهر في التاريخ الثقافي: «يبدو التاريخ العراقي حركة متعرجة في معطف كبير ليست فيه من القطع إلا هنيهات قليلة لا تعد بعمر الزمن الثقافي، فالعراق المتشظي إلى ولاءات وقوميات مذاهب وأديان، كان فكرة وجدانية وتوقاً وتوقعاً، لكنه كان أيضاً هوية يعرّف المتأدبون أنفسهم من خلال الآخرين، عرباً كانوا أم مسلمين أم غربيين. وكانت فترات نهوضه المتقطعة والمتقاطعة محاولات تبدأ بالسياسة وترحل إلى فكرة استقرار الثقافة.» ص9.
صراعٌ آيديولوجي
تحيل الكاتبة أسباب عدم استقرار التاريخ والثقافة العراقية إلى التلازم بين تحديث المجتمع والنظام السياسي، إذ مارس كل نظام في المراحل المختلفة من تاريخ العراق السياسي دوراً مغايراً يعتمد على شكل العلاقة السياسية والاجتماعية التي يقيمها مع المجتمع. ولهذا كانت البدايات والتأسيس في المرحلة الملكية، ثم جاءت مرحلة الجمهورية التي نقلت الثقافة والتحديث من معناهما الثقافي إلى سياسي آيديولوجي، ولهذا بات التحديث يقع بين توجهين: ماركسي وقومي. وحينما كان التحديث والنهضة في العراق يمران عبر سياق الصراع والتأثر بثقافتين: تركية وإيرانية، أخذ المثقف يمارس دور المتلقي والفاعل في حركة المجتمع؛ لذلك، منذ أن حلت مقولات وممارسات التحديث والنهضة في العراق، قام هناك نوع من التلازم بين التحديث والنهضة ودور المثقف، ولكن هذا التلازم تحول من المثقف وحركته وفعله داخل المجتمع، إلى تلازم بين النهضة والتحديث والحزب بعد قيام الجمهورية 1958، وهذا ما أشر إلى ان النهضة والتحديث تحولا من مقولات ومفاهيم ثقافية واجتماعية إلى مشروع آيديولوجي وسياسي.
إصلاحٌ ديني
المشكلة التي تطرحها المحسن في كتابها، هي ان النهضة نشأت من خلال حركة الإصلاح الديني، التي ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا، أما في العالم العربي والعراق فإن القضية مختلفة، حيث لم تأت النهضة عبر هذا المسار – الإصلاح الديني – وإنما قامت في ضوء الصراع مع الدولة العثمانية والتأثر بالغرب، إذ إن الإصلاح الديني الذي ظهر في العالمين العربي والإسلامي جاءا نتيجة حركة أفراد وجماعات؛ ولهذا يظهر أن تاريخ النهضة غير مكتمل، وقد هيمن عليه الجانب السياسي على حساب الجانبين الاجتماعي والثقافي.
إن كتاب (تمثلات النهضة في ثقافة العراق الحديث) يحيلنا إلى تساؤلات عديدة، منها: أين هو ميراث النهضة والتحديث في العراق؟ وما هي آثاره المعنوية والمادية؟