استطلاع: علي عبد الزهرة /
على الرغم من استمرار جائحة كورونا التي ضربت العالم أجمع، وغيرت مسارات الحياة في جميع بلدان العالم، وما خلفته من تأثير اقتصادي واجتماعي وثقافي، إلا أنها لم تقف عائقاً أمام استمرار إنجازات المبدعين العراقيين .
“الشبكة” استطلعت آراء عدد من المثقفين والفنانين عما تم إنجازه في تلك السنة التي مرت بكل مصاعبها، وعما يتمنون رؤيته أو إنجازه في السنة الجديدة 2022..
ثمار الكتب
الدكتور أحمد الزبيدي، وفي معرض حديثه، أشار إلى أن العام الواحد لا يكفي _ أحيانًا _ لإنجاز مشروع ثقافي أو معرفي؛ فما يدور في خلد المثقف ويعتمل في عقله، وقد يحصد ثماره في عام آخر، ليكون العام الوحيد الذي يُذكر على غلاف المطبوع، وما سبقه من أعوام أو بضعة أعوام، هي جندي زمني (مجهول)؛ وقد يشفق عليها كتاب ما بذكر فضلها عليه. مضيفاً: “سيشهد عامنا الجديد طباعة كتاب أعددته لتجربة ثقافية مضت عليها خمس سنوات، وسيقدمه الكاتب والروائي الدكتور لؤي حمزة عباس، وهو كتاب استثنائي في الثقافة العراقية حسب الوصف التقديمي.
دعم الثقافة
وفي الحديث عن دعم الحكومة للثقافة ومنتجيها، أوضح الدكتور أحمد الزبيدي: “أن الثقافة ما كانت يوماً لتشكل هماً وطنياً أو معرفياً لكل الحكومات العراقية منذ أن نشأت فكرة (وزارة الثقافة)، التي كانت تعني وزارة (الحكومة)، لتساند الفكر الآيديولوجي المعضد لوجودها وهيمنة أفكارها”، موضحاً أنهم –كمثقفين- كانوا يأملون في النظام الديمقراطي العراقي الجديد أن تمنح الثقافة دعماً مباشراً وحماية فكرية وتشجيعاً وطنياً، لكن يبدو – والحديث للزبيدي – أن الفكر الآيديولوجي لا يفارق حكوماتنا، وأصبحت وزارة الثقافة رأس حاجة سياسية لترضي (القسّام الشرعي السياسي).
تقاربٌ ثقافي
أما بشأن أبرز ما تم إنجازه في السنة الماضية، قال الدكتور أحمد الزبيدي: “كلما كانت المعرفة -بمختلف أصنافها ومشتقاتها- خالصة لوجه المعرفة، كلما كانت متعالية على المعوقات والعثرات، فمع سياسة منع التجوال والكمامات والتباعد الاجتماعي، نجد تقارباً ثقافياً تمثل بصدور عدد من الكتب المعرفية التي جسدت خصوصية العام 2021، ومنها كتاب (حياة تتجدد) للكاتبين عبد الزهرة زكي، والدكتور لؤي حمزة عباس، وهو كتاب ينقل (حوارات كورونا).” مشيراً أيضاً إلى أن العراق شهد -وللمرة الأولى- أن يكون ضيف شرف على معرض الرياض الدولي للكتاب، وكذلك قطف الشاعر العراقي عارف الساعدي أهم جائزة عربية للشعر، وأنجزت وزارة الثقافة العديد من المشاريع المهمة، منها أكبر صفقة دولية لإعادة قطع أثرية عراقية مهمة، ومنها لوح من ملحمة كلكامش، وكذلك إقامة أول مؤتمر معرفي تقيمه وزارة الثقافة وكان يحمل اسم العلّامة علي الوردي، فضلاً عن إعادة افتتاح مسرح الرشيد، مضيفاً: “الثقافة تشبه (البخت)، فقد تضعف، لكنها لا تموت”.
إنجازات فردية
فيما أشار السينمائي حيدر إبراهيم إلى “أن الجائحة لم تستطع ثني المثقفين والفنانين، من أصحاب المشاريع الحقيقية، عن تحقيق أحلامهم، وبالرغم من الظروف الصعبة التي مرت على البلاد، سواء أكانت أمنية أم اقتصادية، إلا أنهم واصلوا نتاجهم الثقافي والفني، فرأينا الكثير من الإنجازات الفردية سواء بإصدار الكتب أم إنتاج الأفلام السينمائية، أو الأعمال المسرحية،” مضيفاً: “وهي -في رأيي- نتاجات مهمة لأنها أنجزت دون الاعتماد على الحكومة أو مؤسساتها، وهو ما يؤكد أن الثقافة في بلدان مثل بلداننا الموبوءة بالخراب ما هي إلا مشاريع فردية.”
استعادة الآثار
ولفت إبراهيم إلى أن المتابع للشأن الثقافي لا يمكنه إغفال الكثير من الإنجازات التي تحققت في السنة الماضية، مثل إعمار مسرح الرشيد، أو تأهيل شارع المتنبي أو حتى إعادة بعض آثارنا المنهوبة، لكنها تبقى إنجازات متأخرة، كان يفترض أن تنجز قبل أكثر من عقد، ولكن كما قيل سابقاً (أن يأتى الخير متأخراً خير من أن لا يأتى أبداً)، أعتقد أنها إنجازات، وبالرغم من أهميتها إلا أنها تبقى خجولة، ولا تقاس بحجم الإنجازات الفردية التي حققها مثقفو وفنانو العراق.
بيروقراطية المؤسسات
من جانبه، يعتقد السينمائي حيدر إبراهيم: “أن المؤسسات الحكومية عجزت عن القيام بدورها، لكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي ونصفق لهذا الفشل، بل أعتقد أن واحدة من مهامنا -كناشطين في الوسطين الفني والثقافي والاجتماعي- حث هذه المؤسسات على تقديم الأفضل للثقافة، وأن لا تركن لتبرير إخفاقاتها المستمرة بحجج عدة من بينها قلة الموازنة، أو استمرار الجائحة.” مشيراً إلى أن الثقافة في العراق اعتمدت -ومنذ عقود- على أن يجري إنتاجها بوساطة الدعم الحكومي، وهذا أحد أسباب تراجعها، مضيفاً: “كان لا بد على الحكومات السابقة والحالية أن تمنح الثقافة ومنتجيها المركزية، بدعم مشاريعهم دون المرور ببيروقراطية المؤسسات واللجان، بالنسبة لي أعتقد أن إيماني بالمثقف والفنان الحقيقي، أن هؤلاء سينتجون ثقافة هذا البلد لا سواهم”.
أغلى الممتلكات
أما الشاعر إيهاب شغيدل فأكد على “أهمية إعادة تأهيل المراكز الثقافية ومراكز الشباب من أجل بيئة ثقافية، ذلك يقع على عاتق المؤسسات الرسمية، لأن الثقافة تواصل وليست انقطاعاً،” مستدركاً: “وبالرغم من هامشية ملف الثقافة بسبب الأوضاع السياسية منذ العام 2003 وحتى الآن، لكن هذا القطاع بات يدار من قبل أصوات فردية لربما تشكل ظاهرة في وقت قريب، وأقصد أصحاب دور النشر والمراكز الخاصة وغيرها.” مبيّناً أن كبار كتّاب أوروبا وقعوا قبل أشهر بياناً رفضوا فيه تقليل نفقات الثقافة بسبب كورونا، وفي البيان كانت ثمة عبارة (الثقافة هي أغلى ممتلكات أوروبا). يضيف (شغيدل): “أظن أننا نحتاج إلى هذا النوع من الخطاب بالرغم من التشوش السياسي، وذلك من أجل وضع الثقافة في مكانتها الأصيلة، لتقوم في صنع المفاهيم والرؤى.”