سعد جاسم/
ثمَّة ظاهرة لافتة ومثيرة للدهشة والانتباه والاهتمام قد أصبحت تشيع الآن في زمننا الراهن، الا وهي ظاهرة (بيع الشعر والمتاجرة بالمشاعر) حيث أصبح بإمكان اي شخص التغزّل بمن يريد ومديح ومجاملة وتعزية من يريد وبالطريقة التي يشاءها؛ وذلك من خلال قيامه بشراء قصائد وخواطر وكلمات لهذه الأغراض
، وتشيع الآن وبشكل لافت ظاهرة الشعراء التجّار والمرتزقة – إن جاز التعبير – وهم يتاجرون بالشعر ويقامرون بالمشاعر مقابل أجور ومبالغ مادية مختلفة.. وقد راحوا ينشرون إعلاناتهم في الصحف والمجلات والمواقع الاكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ومحال الهدايا وتجهيز الأمسيات، بل إن مواهبهم العبقرية – على حد صياغة إعلاناتهم – تتعدد ما بين القصائد الغزلية، أو الرثائية، أو المدائحية، وكذلك ابيات وخواطر العتاب والهجاء وووو الخ الخ، ويمنح كثير منهم امتيازات أخرى بحثاً عن التميز، فمثلاً تباع أبيات الشعر بسعر إذا أراد إهداءها، وبسعر أعلى إذا أراد نشرها باسمه في الصحف والمجلات والمواقع الألكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك حسب نوعية القصيدة وحجمها ولغتها، وتكون متوفرة وجاهزة للمشترين عند الطلب وفي اي وقت يرغبون .
قصائد حسب الطلب
لقد حدّثني أحد مدراء مكاتب الطباعة والاستنساخ: أنه كان قد أعلن عن نشاطه في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح يستقبل العديد من الطلبات يومياً وأسبوعياً من شرائح اجتماعية مختلفة، ولذا فإنه يعمل على تدوين التفاصيل الخاصة بالشخص الذي يرغب بشراء قصيدة، وما الغرض الذي يريده منها، وأسماء الأشخاص المرغوب ذكرهم فيها، حتى يتمكن الشاعر الذي سيقوم بنظم القصيدة بكتابتها حسب الشروط والتفاصيل المطلوبة، مشيراً إلى أن بعض الشعراء باستطاعتهم كتابة القصيدة خلال يومين، مع مراعاة تفاصيل التشكيل اللغوي وتنقيح الأبيات ووضع الروابط المناسبة بين الأبيات؛ لكي تحوز على رضا الزبون، مبيناً أنه يحرص على إتقان عمله بأكمل وجه؛ لكي يثبت وجوده ويصبح اسمه معروفاً بين اكبر عدد ممكن من الزبائن المهووسين بهذه الظاهرة العجيبة.
طلب متزايد على قصائد المديح
وأكّد لي أحد مدراء مكتبات بيع الصحف والمجلات والقرطاسية: أن أكثر الزبائن يطلبون قصائد مديح لكي يقدمونها لأشخاص أغنياء وبارزين في المجتمع، وتتباين تلك القصائد في اسعارها، حسب أبياتها، موضحاً أن القصائد المطلوبة الأخرى تشتمل على الرثاء والغزل والعتاب وقصائد الأعراس والأفراح، والأخيرة يزداد الطلب عليها كثيراً أثناء فترة الصيف وإجازات المواسم؛ كونها مواسم اعراس وافراح وأنس وسهرات حمراء.
وكشف لي صحافي في احدى المجلات الفنية عن وجود مؤسسات لبيع الشعر، تقوم بإستقطاب مجموعة من الشعراء، وتقدم لهم مغريات ومبالغ وهدايا ثمينة وتوقّع معهم عقوداً في الخفاء، وتتعامل هذه المؤسسات مع هؤلاء الشعراء بسرّية كبيرة ؛ بحيث لا يعرف عنهم مشترو الشعر أي شيء، كما تقوم هذه المؤسسات بمنح المشترين حق المشاركة بالقصائد المشتراة في المناسبات والمهرجانات الشعرية والنشر في المجلات ومواقع التواصل الاجتماعي.
مركز ثقافي لبيع الشعر!
وباحَ لي احد الشعراء أنه ونتيجة لأسباب خاصة وظروف قاهرة لم يستطع الحصول على وظيفة تؤمن له دخلاً شهرياً ؛ ما أوحى له بفكرة بيع قصائده لأشخاص ومؤسسات متخصصة بهذه التجارة؛ وقد استطاع هذا الشاعر بعد فترة من الزمن أن يكون من المعروفين ببيع القصائد، ثم بعدها تمكّن من افتتاح مكتب لبيع الكتب القديمة وكتابة قصائد حسب الطلب وبيعها بأثمان يقول انها جيدة جداً، وقال أنه يخطط إلى إنشاء مركز ثقافي وموقع إلكتروني كبير يستطيع من خلالهما؛ تلبية طلبات الزبائن الغاوين بكل مايحتاجون من قصائد.
وأخبرني شاعر آخر أنه فوجئ برسالة على بريده الالكتروني عبارة عن إعلان لعدة مواقع لبيع القصائد الشعرية القصيرة والطويلة، إلى جانب إمكانية كتابة وصياغة الخواطر، وكل ذلك بمقابل مادي، مبدياً استغرابه عند دخوله للموقع الالكتروني حيث وجد أن هناك عبارات ترويجية فنتازية لهذه التجارة؛ وكذلك الاعلان عن إمكانية السماح لمشتري الأشعار أن ينسبوها الى أنفسهم دون أي رقيب او حساب من أحد.
المتاجرة بالمشاعر
وأعلن لي كاتب روائي عن استغرابه من لجوء البعض من الشعراء للمتاجرة باشعارهم مقابل المال، وقبولهم ان تُنسب لآخرين، متعجباُ من تدهور المشاعر والأحاسيس، حتى أصبحت قابلة للمساومة والمقايضة، مشيراً الى أن بيع الشعر أمر محزن ومخجل؛ لأن القصيدة تُعبّر عما يجول بداخل كاتبها، فما بال الذي يقوم بالمتاجرة بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية؟.