علي السومري/
ولد الكاتب والشاعر والأكاديمي والمترجم محسن الرملي في قرية (سُديرة) ضمن قضاء الشرقاط، شمال العراق العام 1967، وحصل على شهادة الدكتوراه بامتياز في الفلسفة والآداب من جامعة مدريد، مع درجة الشرف.
يكتب باللغتين العربية والإسبانية، عمل في الصحافة كاتباً ومحرراً ثقافياً منذ 1985، وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة العربية والإسبانية والأمريكولاتينية، ويقيم في إسبانيا منذ 1995،. تَرجم العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين العربية والإسبانية، وله ما يزيد على العشرين إصداراً تنوعت بين القصة والشعر والمسرحية والترجمات والرواية. منها رواياته “الفتيت المبعثر” التي فازت ترجمتها الإنكليزية بجائزة أركنساس 2002، و(تمر الأصابع) و(حدائق الرئيس) اللتان تَرشحتا ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2010 و2013، ونالت الترجمة الإنكليزية لـ(حدائق الرئيس) جائزة القلم الدولي2016، وجائزة سيف غباش بانيبال 2018. و(ذئبة الحُب والكُتب) التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2015، و(أبناء وأحذية) القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2019 ورواية (بنت دجلة) صدرت بالإنكليزية العام 2019 وبالعربية العام 2020. تُرجمت بعض أعماله لأكثر من لغة، وشارك في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الدولية، كما شارك في لجان تحكيم وإدارة ورش للكتابة الإبداعية في إسبانيا والمكسيك والكويت والإمارات وغيرها، ومنها ورشة ندوة التابعة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2019. وهو شريك في تأسيس وإدارة دار نشر ومجلة “ألواح” الثقافية الفكرية في إسبانيا منذ 1997. وعضو في هيئة تحرير مجلة (آركيترابا) الكولومبية المعروفة المتخصِّصة بالشعر، وعضو اللجنة الوطنية المنظمة لمهرجان الشعر العالمي في طليطلة.
يعمل حالياً أستاذاً في جامعة سانت لويس الأمريكية في مدريد، ومن أجل تسليط الضوء على منجزه الإبداعي، ارتأت مجلة الشبكة إجراء حوار معه، حوار ابتدأناه بسؤال:
* ما الذي دفع (الرملي) لدخول عوالم السرد، التي أبدعت فيها من خلال إصدارك للعديد من الكتب والروايات الناجحة؟
ـــ الذي أدخلني عالم الكتابة منذ صغري هو شقيقي الراحل حسن مطلك، فقد كنت أقتدي به وأتبعه في كل شيء يفعله، بدأ بالرسم والمسرح فبدأت بالرسم والمسرح، ثم تحوَّل إلى الكتابة فتحوَّلت إليها، وهو الذي كان يشجعني عليها، إذ كان يمنحني هدية على كل نص أكتبه، كأن يكون علبة ألوان أو مجلة أو كتاب أو رحلة معه من القرية إلى المدينة، وأحياناً، ومن باب التمرين، كنا نقترح فكرة قصة قصيرة ونجرب كيف سيكتبها كل منا، ثم نجلس لمناقشة الفروق بين النصين.. وهكذا إلى أن نشرتُ أول قصة، عندها اقترح عليّ أن أتخذ اسماً مختلفاً لكي يتحمّل كل منا تبعات عمله، فشلاً أو نجاحاً، دون أن يتعكّز على اسم الآخر، أي أن أكون كاتباً مستقلاً بالأسلوب وبالاسم، وهكذا صار اسمي (محسن الرملي) وهو (حسن مطلك).
* كيف تقيّم السردية العراقية اليوم، عربياً وعالمياً؟
ـــ إنَّها في أفضل حالاتها، وحققت إنجازات غير مسبوقة في مسيرة الإبداع العراقي الحديث، إذ صار المتلقي العربي يعرف ويتابع باحترام الكثير من الأسماء العراقية، يكتب عنها ويستضيفها ويكرمها ويقيم لها ولأعمالها الأماسي والندوات ويتناولها دراسة في جامعاته، كما صرنا نرى أعمالاً عراقية تترجم إلى مختلف اللغات وتكتب عنها كبريات الصحف ويتم تدريس الكثير منها في أرقى الجامعات في العالم، واستضافة كتاب عراقيين في أهم الملتقيات والمعارض والمؤتمرات الثقافية جنباً إلى جنب مع كتّاب معروفين في ثقافات مختلفة، وهناك نقطة أخرى، أعتقد بأنها تسبق في أهميتها الوصول إلى المحيط العربي والعالمي، ألا وهي تمكن الكاتب العراقي من جذب القارئ المحلي العراقي، الذي صار يشعر بأن لديه كُتّاباً يعبّرون عنه وعن مختلف قضاياه بشكل فني ومعرفي محترف، إذ صارت لدينا حركة قراءة ممتازة للسرد العراقي ومتابعته من قبل الناس عموماً والشباب بشكل خاص، وهذا يعد إنجازاً حقيقياً أعطى وسيعطي المزيد من ثماره مستقبلاً على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية.
* هل حقاً هناك تأثيرات للثقافة الإسلامية لدى (ثربانتس) الذي كتب دون كيخوته الإسبانية، وهو موضوع رسالتك للدكتوراه؟
ـــ نعم، بكل تأكيد، بل إنَّ الثقافة العربية الإسلامية هي ثاني ثقافة أكثر تأثيراً فيه، بعد ثقافته الأم الإسبانية، هذا على الرغم من معرفته بثقافات أخرى مجاورة زار بلدانها كالإيطالية والبرتغالية، وكما يقول غونتر غراس: “لولا الثقافة العربية لما استطاع ثربانتس أن يجد شكله القصصي”. وقد جاءت هذه التأثيرات عبر رافدين، داخلي وخارجي، الداخلي مما هو متبقٍ من الثقافة الإسلامية داخل إسبانيا نفسها وضمن أنساقها الثقافية، والخارجي عبر أهم وأقسى وأعمق تجربة في حياته، ألا وهي أعوام الأسر في الجزائر. وفي أطروحتي تتبعت وتناولت هذه التأثيرات بمختلف أشكالها وتمثلاتها، الأدبية، التاريخية، الدينية، الفكرية، اللغوية.. وغيرها.
* لنتحدث عن الترجمة، هل ساعدت الترجمة في إيصال الرواية العراقية إلى مديات جديدة، وما هي إيجابيات الترجمة وسلبياتها؟
ـــ الترجمة هي واسطة نقل عظيمة، ولكنها ليست كفيلة أو مقياساً أو ضامنة لنجاح أي عمل، فلا بدّ أن يكون العمل الإبداعي جيّداً وناجحاً بذاته وفي لغته الأصلية أولاً، فما أكثر الأعمال التي تُرجِمت أو قام أصحابها أو مؤسَّسات بتبني تكاليف ترجمتها ونشرها ولكنَّها لم تحقّق أي صدى يذكر ولم يلتفت إليها أحد، ومن إيجابيات الترجمة أنَّها تغربل العمل الأدبي وتمتحنه، فبعد أن تخلع عنه زينته وثوبه اللغوي الأول، يتبيّن في ما إذا كان ذا بنية متينة وفي ما إذا كان يحتوي فعلاً على أفكار ومعرفة وجماليات وقيم إنسانية حقيقية تهم أي إنسان في أية لغة أخرى، أما السلبيات فهي تتعلّق بتقنيات وأسلوب الترجمة الذي يختلف من مترجم إلى آخر، ذلك أنّ المترجم بمثابة كاتب ثانٍ للنص وقد يجذب أسلوبه القارئ أو ينفره، ومثلما أنَّ هناك مترجمين يبدعون حقاً في إعادة الصياغة، هناك مترجمون يشوّهون النص أو أجزاء منه عندما لا يفهمون جيداً فقرة معينة فيترجمونها بارتباك أو خطأ أو يحذفونها أو حتى يجعلونها توحي بعكس ما تقصده تماماً.
* أنت من المنشغلين في مشروعك الروائي وتطويره، أين وصلت فيه؟
ـــ هناك أبيات معروفة للشاعر الإسباني الكبير أنطونيو ماتشادو يقول فيها، ما معناه: “أيها الماشي، لا يوجد طريق، وإنما الطريق يصنعه المشي”. وعليه فإنّني ما زلت أواصل المشي وصنع أو شق طريقي/مشروعي دون أن أعرف أين وصلت فيه، لأنّني لا أعرف كم بقي لي من الوقت والقدرة على إنجاز المزيد منه، لكي أتمكن وفقه من قياس ما أنجزته وما لم أنجزه، أما ما أعرفه، هو أنّه ما زال لديَّ الكثير لأقوله وأفعله، وأتمنى أن يتيح لي الوقت والظروف فرصة لقوله وفعله.
* كيف يقضي (الرملي) يومه في إسبانيا، وهو الروائي والكاتب والمترجم والأكاديمي؟
ـــ ليس لديَّ روتين أو نظام ثابت، لأنَّ هناك دائماً ما يكسر هذا الروتين أو النظام، وحسب الفصول والمواسم والظروف، سواء سفر أو عمل أو نشاطات ثقافية أو الدخول في مشاريع معينة وغيرها، ولكن بشكل عام، الآن في العطلة، أقوم برعاية أطفالي في الصباح لأنَّ والدتهم في العمل، وبعد الغداء لا بدّ أن أنام الظهيرة، وهي عادة أخذها الإسبان عن العرب، وفي المساء والليل أتفرّغ للقراءة والكتابة والمراسلات والتواصل ووسائل التواصل ولقاء أصدقاء أو حضور نشاط ثقافي وغيرها، أما عندما يبدأ الدوام ويذهب الأطفال للمدرسة فتنقلب التقسيمات، ليصبح الصباح والليل لي والمساء لهم.
* ما جديدك؟
ـــ آخر عمل أصدرته هو رواية (بِنت دِجلة) ولدي أكثر من فكرة ومشروع لعمل روائي، ولكنّها لم تنضج تماماً ولم أكمل جمع المعلومات المتعلقة بها، وبما أنه يصعب عليّ التركيز فيها، تحت ظل تأثيرات ظروف فايروس كورونا السلبية، فعدا القراءة الكثيرة، أقوم ببعض الترجمات من وإلى الإسبانية.