استطلاع : علي الشيخ داغر – تصوير: صباح الامارة /
عرف عن العراق، ومنذ زمن طويل، حبه للقراءة والمعرفة، كيف لا، وهو وطن الحرف السومري الأول والكلمة الأولى والقصيدة الأولى، وعلى أرضه تأسست أولى المدارس التي كان يحج إليها الناس من مختلف البلدان العربية والأجنبية: المستنصرية، وأولى دور الترجمة، دار الحكمة في العصر العباسي.
ولأن القراءة كانت واحدة من أهم ركائز الحضارة في أرض الرافدين أجرينا هذا الاستطلاع مع بعض أصحاب دور والنشر والمكتبات لمعرفة حجم المبيعات وأنواع الكتب الأكثر طلباً في المعارض.
منافسة إيجابية
الكُتبي كريم حنش، صاحب مكتبة (الحنش) في شارع المتنبي، تحدث قائلاً: “هنالك منافسة إيجابية بين القائمين على المعارض، كدار المدى وجمعية الناشرين في بغداد، وتمثل أربيل وبغداد والبصرة والنجف أمكنة بارزة لهذا التنافس.”
أما القاص والروائي والكُتبي حسن أكرم، الذي يدير دار ومكتبة الرافدين في شارع المتنبي، فقال: “غالبيتها جيدة التنظيم، لكن بالمقارنة مع معارض دولية أخرى نحتاج –بالطبع- إلى بنية تحتية جديدة لنتنافس مع دول الجوار”.
في حين يقول الكُتبي محمد عدنان، مدير دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر في شارع المتنبي: “تقام معارض الكتاب سنوياً في غالبية دول العالم، وأصبحت تقليداً في جميع الدول العربية، لما لها من أهمية في عرض ثقافات الوطن العربي.” موضحاً “أن استتباب الأمن النسبي في البلاد أعاد معارض الكتب بقوة،” متأسفاً -في حديثه- عن غياب الدعم الحكومي لهذه الفعاليات المهمة.
سلامة الوافدين
أما الكُتبية براء البياتي، صاحبة دار ومنشورات (براء)، فقالت “إن معارض الكتب التي أقيمت، ما بعد (جائحة كورونا)، فاقت كل التوقعات من ناحية التنظيم، مع الاهتمام بسلامة الوافدين والتشديد على الالتزام بارتداء الكمامات، مثل تعفير القاعات، ووجود بوابات للتعقيم قبل الدخول إلى الجناح،”
فيما تحدث الشاعر والسينمائي بسام عبد الرزاق، ممثلاً عن مطبوعات الاتحاد العام لأدباء وكتـّاب العراق قائلاً: “هناك تفاوت في جودة تنظيم معارض الكتب في العراق، وهذا الأمر عائد إلى خبرة المنظمين، وحتى مع هذا الأمر، فنحن نشهد تطوراً بين معرض وآخر، لكنها جميعاً -وعلى اختلاف مدن إقامتها- تحتاج إلى تطوير أكثر، وأن تعطى مساحة للفضاء العام على حساب القاعات المغلقة”.
تعويضُ الخسارةوعن سؤالنا بشأن مساهمة معارض الكتب المحلية في حركة سوق الكتاب، أم أنها تحولت إلى مجرد أنشطة ثقافية، قال الكُتبي كريم حنش: “الجدوى التي نستخلصها من إقامة المعارض تمثل اللحاق بالزمن، من حيث الإنتاج المعرفي للكتاب القادم من مختلف دول العالم، التي أعطت بمشاركتها زخماً مهماً للمتلقي العراقي بهذا الكم الهائل للمؤلفات الفكرية والتنموية”.
أما الكُتبي حسن أكرم فقال: “الكساد الذي حصل في فترة تفشي فايروس (كورونا)، دفع الكثير من الناشرين لانتظار المعارض بشغف”.
في حين قال الكُتبي محمد عدنان: “شهد العراق بعد العام 2014 انخفاضاً هائلاً في مبيعات الكتب، بسبب امتناع المؤسسات الحكومية والجامعات كافة عن شراء الكتب، وعدم ظهور طبقة جديدة للقراء، وهو ما أثر في حركة السوق.” أما الكُتبية براء البياتي فقالت: “تساعد معارض الكتب في إعادة إحياء حركة سوق الكتب، إضافة إلى كونها نشاطاً ثقافياً يتسنى للقارئ من خلاله لقاء الكُتّاب أو التعرف على آخر الإصدارات العربية والعراقية”.
وقال الشاعر بسام عبد الرزاق: “نعم، تسهم المعارض بشكل كبير، لهذا نجد إقبالاً واسعاً من قبل المكتبات المحلية على شراء الكتب، وهو أمر مرتبط بالطلب عليها، وإن تكون ظاهرياً في خانة النشاط الثقافي، فهذا أمر مقبول أيضاً، لأن العراق بحاجة كبيرة لوضع ثغرات مدنية وثقافية في مدنه، لكونها تمثل هويته الطبيعية، مقابل محاولات مسخها وإضعافها”.
بورصة الكتب وبشأن نسبة مبيعات الكتب في المعارض، وهل تختلف عن مبيعات دورهم ومكتباتهم في الأيام الأخرى؟ قال الكُتبي حسن أكرم: “أعتقد مع زيادة عدد المعارض في كلّ المحافظات، لم يعد الفرق كبيراً بين مبيعات المعرض والمكتبة، أضف إلى ذلك السوق الإلكترونية التي أخذت الحصة الأكبر في إدارة بورصة الكتب”.
أما الكُتبية براء البياتي فأوضحت في حديثها “أن مبيعات الكتب في المعارض تكون أفضل مقارنة بمبيعات الأيام الأخرى في شارع المتنبي،”.
الرواية أولاً
وفيما يخص سؤالنا عن الكتب الأكثر رواجاً من ناحية المبيعات، الأدبية، السياسية، العلمية أم الدينية؟ قال حسن أكرم: “كتب السيرة الذاتية والسياسة، تليها الروايات الكلاسيكية، ثم روايات الفتيان، وبعض الكتب الأكاديمية العلمية منها والأدبية.” في حين قال محمد عدنان: “حالياً تشهد السوق إقبالاً واسعاً على الكتب الأدبية بمختلف صنوفها، في وقت انخفضت فيه مبيعات الكتب الفكرية بشكل واضح”.
أما براء البياتي فقالت: “الكتب الأكثر رواجاً، عبارة من الصعب استخدامها أو تحديدها، سواء أكان ذلك فيما يخص معارض الكتاب أو حتى في شارع المتنبي، وذلك لأننا نتعامل مع ذائقة مختلفة للقُراء”.
وأشار الشاعر بسام عبد الرزاق في معرض إجابته عن هذه الموضوعة إلى تنوع المبيعات، موضحاً أن الفترة الأخيرة شهدت إقبالاً واسعاً وانحيازاً نحو كتب الفلسفة وعلوم الاجتماع لكن تبقى الرواية هي المتصدرة من ناحية المبيعات والتداول، ولاسيما في السنوات الأخيرة.” مبيـّناً أن هذا الأمر لم يأت من باب المصادفة، بل كنتيجة لانتشار الرواية العراقية وترجماتها في العالم العربي وحصولها على جوائز مهمة، مثلما حصل مع روايات لكتّاب مرموقين، أمثال أحمد سعداوي، وأنعام كه ججي، والراحل سعد محمد رحيم وغيرهم.