كنان ابراهيم/
ربما كان مقهى أمين، الذي أفتتحه الوالي العثماني خليل باشا عام 1916 في الميدان، من أقدم وأشهر مقاهي المثقفين في بغداد، لكن ليس قبل أن يأخذ اسمه من الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي الذي كان من زبائنه الدائمين.
يذكر الذين عاصروا تلك الفترة أن من بين أبرز رواد مقهى الزهاوي، في الخمسينات والستينات، كان الجواهري وعلي الوردي، ومحمد بهجت الأثري، وأحمد سوسة، وخضر الولي، ومن العرب نزار قباني وأحمد رامي ..وغيرهما..
ومن الطرائف التي يتذكرها رواد المقهى في تلك الفترة أن الزهاوي كان يهوى المديح بحيث كلما أبدى أحد الجالسين في المقهى إعجابه بشعره، صاح على صاحب المقهى (أمين..لاتاخذ فلوس الجاي من الأخ)!
تمايز في الجمال والرواد
وفي تلك الفترة وما بعدها ازدهرت مقاهي المثقفين في بغداد ولم تعد مقهى الزهاوي هي الوحيدة التي تجلب انتباه الأدباء والفنانين الذين كانوا يرتادونها. وكان شارع الرشيد هو الشارع الأبرز في احتضان هذه المقاهي فكانت مقهى البرلمان المهيبة بزخرفتها وهندستها البغدادية المتميزة ونوافذها الزجاجية الكبيرة والشهيرة بشايها المهيل.
كما كانت مقهى حسن عجمي المشهورة بهرمية سماوراتها الروسية الملونة وتخوتها المتلاصقة بشكل متواز، التي جلس عليها المئات من أبرز الشخصيات الثقافية والأدبية.
فضلا عن مقهى البرازيلية المقامة على الطراز الأوروبي وكانت تقدم القهوة والنسكافيه بالطريقة البرازيلية والشاي بالكوب بدلاً من الإستكان، وروادها من الطلبة والأدباء والشعراء والكتاب والفنانين والسياسيين. كما كانت هناك مقهى الشابندر في شارع المتنبي التي لاتزال تستقبل زبائنها حتى اليوم.
رواد الثقافة والسياسة معاً
وكانت هذه المقاهي تعج برواد الثقافة والأدب والفن والسياسة نذكر منهم مصطفى جمال الدين، ومحمد باقر الشبيبي، وعبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وعبد الرزاق عبد الواحد وبلند الحيدري وسامي مهدي وحميد سعيد وهلال ناجي ورشيد ياسين وعبد الملك نوري وجبرا أبراهيم جبرا.
ومن السياسيين أحمد الحبوبي وفؤاد الركابي وعلي صالح السعدي وفاتك الصافي وشفيق الكمالي وعبد الله سلوم وسعد قاسم حمودي وسليمان العيسى ونزار حمدون وهلال ناجي ومحمد جميل شلش وجعفر قاسم حمودي.
مقهى المعقدين
في نهاية الستينات ظهرت مقهى غريبة الأطوار هي مقهى المعقّدين (أو مقهى المليون ذبابة) كما كان يسميها روادها، وتقع في أول شارع يؤدي الى أبو نواس من جهة الباب الشرقي.
تميزت مقهى المعقدين ببساطتها وبروادها من الأدباء المتمرّدين على السائد والمتطلّعين إلى الاتجاهات الحديثة في الأدب العالمي كالمسرح الفقير والمسرح الأسود والتغريب، وبسبب ذلك، فضلا عن سلوكهم الانطوائي وتحفّظهم تجاه المجموعات الأدبية الأخرى، فقد سُمِّيت بمقهى (المعقّدين) ومنهم فاضل العزاوي وعادل عبد الجبار وسركون بولص ووليد جمعة وكمال سبتي وابراهيم زاير وشريف الربيعي وسواهم. كما كان يرتادها سياسيون من اليساريين والشيوعيين.
رضا علوان
حتى أواخر الثمانينات كانت هذه المقاهي عامرة بروادها وسمعتها الثقافية لكن اليوم، وبعد أن تحول شارع الرشيد نفسه، الى أثر بعد عين، لم يعد للمثقفين الكثير من المقاهي عدا مايعد على اصابع اليد مثل مقهى حوار في الباب المعظم. ومنذ فترة قصيرة تحولت مقهى رضا علوان في (الكرادة داخل) الى مكان يرتاده المثقفون والأدباء والفنانون.
يقول علاء رضا علوان صاحب المقهى أن الفكرة ليست جديدة وهي قامت على غرار المقاهي في لبنان، مكان يستقطب شريحة منتخبة من المجتمع مثل الشعراء والأدباء والمثقفين عموما. وقد نجحنا في هذه الفكرة، فكانت مميزة ونالت استحسان معظم الزبائن. ومقهى رضا علوان تختلف عن باقي المقاهي، كما يضيف علاء، “فهي عبارة عن ملتقى ثقافي أدبي ومن بين مميزات المقهى أنها تخلو من تدخين الأركيلة وليس فيها تلفزيون أو بث ألاغاني لأننا أردنا أن نوفر مكانا هادئا وصحيا لهذه الشريحة من المجمتع. كذلك لدينا قاعة في الطابق الثاني تعقد فيها ندوات ثقافية ويمنع فيها التدخين”.
ويطمح علاء الى تحويل مقهى رضا علوان الى مؤسسة ثقافية تعنى بكل الشؤون الأدبية والفنية وتكون مستقلة وغير تابعة لأي جهة.
استراحه وثقافة
ويقول المخرج السينمائي ملاك عبد علي: مقهى رضا علوان من أفضل المقاهي الثقافية في بغداد فهي مكان مميز يجمع مابين الاستراحة والمنتدى الثقافي، خاصة ان مرتاديها هم غالبا من نخبة المجتمع ونقصد بذلك الأدباء والفنانين والمثقفين من النساء والرجال معا وهذا الحضور المستمر لهذه النخبة، شجع أيضا صاحب المقهى على تخصيص قاعة للنشاطات الثقافية وهي قاعة مميزة وكبيرة. كذلك تشهد المقهى حوارات فنية وأدبية وثقافية وسياسية واجتماعية.