من يحمي نتاجات المبدعين الفكرية من السرقة؟

زياد العاني
في جميع دول العالم المتقدمة، هناك قوانين تحمي الملكية الخاصة بحقوق المبدعين. وفي العراق يتبنى ذلك (المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة)، وهو ضمن تشكيلات وزارة الثقافة. لكن بالرغم من وجوده، نسمع ونقرأ بين الحين والآخر عن سرقات جهود إبداعية مهمة، إجراء بات يشكل مخاوف لدى العديد من المبدعين، خاصة في المجالات الفكرية والفنية والثقافية.

لمعرفة أسباب وحلول هذه المشكلة، توجهنا إلى بعض الشخصيات الثقافية والفنية والجهات الرسمية المعنية بهذا الاستطلاع..
تحدثت السيدة هند الحديثي، مديرة المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، أحد تشكيلات وزارة الثقافة والسياحة والآثار، منوهة بأن “هذا القسم تأسس وفق قانون حق المؤلف العراقي رقم 3 لسنة 1971 المعدل في 2004.” وحسب تصنيف عنوانه قالت: “قانون حق المؤلف يعنى في مواده القانونية حماية 13 مصنفاً، كالمصنفات المكتوبة في جميع الأصناف وبرامج الكومبيوتر، سواء برمز المصدر أو بالآلة التي يجب حمايتها، كمصنفات أدبية، والمصنفات المعبر عنها شفوياً، كالمحاضرات والدروس والخطب والمواعظ ونحوها أيضاً، ويكون المؤلف وحده له الحق في نشر المصنف والانتفاع به مادياً ومعنوياً، ولا يجوز لغيره المباشرة بهذا الحق من دون إذن سابق منه، أو ممن يؤول إليه الحق.”
وأضافت: “تحمى الحقوق المالية المكفولة للمؤلف بموجب قانون حق المؤلف مدى حياته، ولمدة 50 سنة من تاريخ وفاته، أما الحق المعنوي فهو باقٍ وليست له نهاية. ومن أهم شروط الحماية والتوثيق أن يكون العمل، أو المصنف، أصيلا وغير منسوخ، ويمتاز بصفة الجدة والحداثة والابتكار، أي أن يكون غير مقتبس أو مستنسخ من عمل آخر أو فكرة موجودة سابقاً ومطبقة.” وعن التسجيل والتوثيق لدى مركزهم قالت: “هو تسجيل مجاني من دون أية رسوم، ويمكن أن يكون حضورياً بحضور صاحب العمل أو من ينوب عنه قانونياً، أو التقديم إلكترونياً عن طريق منصة أور الحكومية.”
الحرية مسؤولية
وتحدث لنا الشاعر عدنان الصائغ، عبر اتصال هاتفي من مكان إقامته في لندن، وقال “أرى أنَّ من أولويات حقوق الإنسان هو احترام الملكية الفكرية، صوناً لها من السرقة أو التحايل أو التشويه أو المصادرة وما إلى ذلك، فالحضارات العظيمة تبنى أولاً بالفكر والحس والابتكار، وكلُّ هذا ينبغي أن يُصان بالقوانين والأعراف، لتتواصل مسيرة الشعوب الحيَّة نحو النمو والتطور والحرية المسؤولة، فإن صُودرتْ حرية الفرد، أو سرقتْ أفكاره، فإنّ خللاً جسيماً سينشأُ في عجلاتها فتتعثر وتبطئ وقد تتوقف. وهذا غيضٌ من فيضِ الثقافات في التاريخ البشري، ارتفاعاً أو انحساراً.”
أضاف الصائغ: “ولا مجال هنا للمقارنات الموجعة بين ما تشهده سجلات الملكية الفكرية في دول المنافي، التي نعيشها، وبين أوطاننا التي ما زالت مثقلة بهمومها حد نسيانها أو تجاهلها هذا الأمر وغيره. فإذْ لا تستطيعُ أن تأمنَ على نفسك فكيف لك أنْ تأمن على نصك أو فكرك؟” وحول تفعيل قانون الملكية الفكرية قال: “العبرة ليست بالنظرية، وإنما بالتطبيق. لذا على الدول ومؤسساتها وعلى الأفراد وتجمعاتهم إيلاء الاهتمامَ الكافي لما وصلنا إليه من تجاوزات والتباسات جمّة، فقد ترى من يأخذ عملك الإبداعي الذي استنزفك عمرك وفكرك دون استئذان، وأحياناً حتى دون أن يشير لاسم مالكه، وقد يحرّفه أو يشوهه أو ينقص منه أو يزيد عليه دون أن تجد من تلتجئ إليه، ولا أعتقد أن أحداً منا: أدباء وفنانين ومفكرين وعلماء، قد نجا من هذا الطامة.”
تجارب مسروقة
اما الفنان التشكيلي حسن إبراهيم فقد تعرضت تجربته الفنية لأكثر من محاولة سطو. عن هذه الظاهرة قال: إن “دوافع سرقة الجهود الفكرية، أولها غياب الضمير والوازع الأخلاقي قبل كل شيء، (فإن لم تستحِ افعل ماشئت)، وثانيها عدم احترام الجانب الرقابي والقانوني، وبصراحة نحن بحاجة فعلية إلى تثقيف الغالبية من المبدعين وحماية منتجهم تحت المظلة القانونية، التي تعنى بحقوق الملكية الفكرية، التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.”
وعن الوسط التشكيلي تحديداً قال: “لقد عانى كثير من الفنانين من هذه الحالة السلبية الغريبة، وصارت مصدر إزعاج ومعاناة وتكررت كثيراً.” وعن الفئة المتمرسة في السرقة تحدث بغضب وقال: “أي منطق هذا الذي يجعل السارق ينجو بفعلته هذه، ويكون النجاح من نصيبه ظلماً، ويفتخر بفوزه المزيف بكل بشاعة وقبح ويكون هو المبدع المبتكر وسط عالم مخدوع ؟”
فوضى الميديا
كما تحدث المخرج نزار شهيد الفدعم عن هذا الموضوع فقال: “عانينا ما عانيناه من هذه المسألة، أعتقد أن المشكلة هي أن غالبية المثقفين العراقيين لا يستوعبون حقوقهم التي ضمنتها لهم بعض القوانيين والتشريعات النافذة للحفاظ على حقوقهم الفكرية، من رواية أو قصيدة أو نص إذاعي أو نص تلفزيوني أو سينمائي.. إلى آخره، خلال تسجيل أعمالهم الفكرية عند الجهات الرسمية خوفاً من السرقة، ولكيلا تضيع الحقوق الفكرية الإبداعية الخلاقة وسط فوضى تعدد وسائط الميديا.” وأضاف “الملكية الفكرية توفر للمؤلف والعلامات التجارية كسب الاعتراف بابتكاراتهم أو اختراعاتهم من أجل تحقيق مصالح مالية، كي تخلق بيئة تساعد على الابتكار والتطوير.” كما يحث الفدعم الجهات ذات العلاقة بالملكية الفكرية على “تقديم حملات توعوية ومؤتمرات من أجل التعريف بمهامها وواجباتها، وأهمية تسجيل الأعمال الفكرية والاختراعات والعلامات التجارية، لكي تحقق توازناً سليماً بين مصالح المبتكرين والجهات المستفيدة دون تجاوز.”