اختتم في الأراضي الفرنسية السويسرية، مؤخراً، مهرجان “بغداد/بيزانسون” الثقافي بمشاركة عدد من الفنانين العراقيين، حاملين معهم أوجاع العراق وحكاياته.
لطيف العاني أولاً
افتتح مهرجان “بغداد/ بيزانسون” ، بمعرض شخصي لشيخ المصورين العراقيين “لطيف العاني”، فعلى امتداد جدران المسرح الوطني لمدينة بيزانسون، علقت صور مختلفة من آرشيف العاني عن العراق وأزقته القديمة، وصور لجواد سليم قبيل وفاته بيومين، وصور لجنازته، ولساحة التحرير قبل وبعد إنشائها مع نصبها الخالد، إضافة الى مشاهد كثيرة عن العراق ومدنه ونسائه الجميلات، المعرض الذي شهد حضوراً متميزاً أثار انبهار ودهشة زواره. تقول “كاترين” إحدى الزائرات: “لقد انبهرت حقاً ببغداد القديمة، لم أكن اتصورها بهذا الجمال، أتمنى أنها ما زالت كذلك.”
اقيمت بعدها على هامش المعرض جلسة تحدث فيها المصور (العاني) شيخ المصورين، الذي عاصر تأريخ العراق بدءاً من ذكرياته مع الملك فيصل الثاني حتى يومنا هذا، عن حياته في العراق وذكرياته مع الصور، مسترجعاً بداياته اذ قال: “كانت الكاميرا التي أصور بها قديمة جداً، وكان جاري اليهودي يملك واحدة منها واستطعت عن طريقه تجريبها والتقاط الصور بها، بعدها اشترى لي أخي واحدة، ثم طلبت شركة نفط العراق، متدربين للتصوير فقاموا بتدريبي من قبل مصورين أجانب والذين التحقت بالعمل معهم، ثم أقامت الشركة بعدها معرضاً خاصاً تم افتتاحه من قبل الملك فيصل الثاني العام 1954، وحينها قمت بتصوير الحدث، وكانت تلك أولى الصور لي كفوتوغرافي محترف.”
(العاني) تحدث أيضاً بغصّة عن أرشيف الصور الذي تعرض للنهب والسرقة والحرق العام 2003 ليفقد الآلاف من الصور التي وثقها للعراق طوال سنيّ احترافه، مضيفاً: “سابقاً كنا نقوم بإرسال الصور للسفارات العراقية خارج العراق من أجل عرضها في أروقتها، بالإضافة لوجود مجلة شهرية تطبع بأربع لغات وتوزع في العالم في ستينات القرن الماضي.”
نعم غودو
في اليوم التالي من “بغداد/ بيزانسون” كان للمسرح العراقي حضور متميز، من خلال العرض المسرحي الصامت (نعم غودو) للمخرج العراقي أنس عبد الصمد، حيث امتلأت مدرجات المسرح بالمشاهدين.
ابتدأ العرض، الذي شارك فيه المخرج أنس عبد الصمد ممثلاً مع زميله الممثل محمد عمر بإمسكاهما بطائرتين وسط المسرح، مقترناً بصوت الإقلاع والهبوط، مع عدد من الصناديق الورقية التي ازدحمت بها منصة المسرح، تخللتها مشاهد قلق واضطراب أدياها بحرفة عالية، ليبتعد بعدها (عبد الصمد) في عمق المسرح بعد أن أدخل رأسه في قفص، صاحبتها أصوات لحركة عقارب الساعة وهي تدق بصوت عال، لتخرج بعدها صورة لصاموئيل بيكيت وصوت له وهو يردد: “أين، أين أين” فيضربانه بالبيض بغضب، لينتهي العرض بسقوطهما أرضاً وسط المسرح، ضائعين بين صناديق ورقية وصوت بيكيت.
بعد انتهاء العرض تحدث المخرج ومدير فرقة “المسرح المستحيل” أنس عبد الصمد لمجلة “الشبكة” عن إصراره على هذا النوع من الأعمال: “قد لا يفهم الكثيرون ما أعنيه، وهذه غايتي، أن يفسر كل مشاهد للعرض حسب رؤيته الخاصة، لكنها الحرب بلا شك، وما تركته في نفوسنا، بكل ذلك القلق والخوف، بمصاحبة غودو الذي جعلنا ننتظر وسنبقى.”
الساعة السوداء
بعد خروج الحضور “متفاجئين” بعرض (نعم غودو)، عاد الحضور الى المسرح مرة أخرى لمشاهدة العرض المسرحي العراقي الآخر (الساعة السوداء) للمخرج العراقي سنان العزاوي، العمل تناول فرضية تحاكي تورط (آدم وحواء) بعد هبوطهما الى الأرض ومحاولاتهما الحثيثة للعودة الى الجنة.
بدأ العرض باستلقاء آدم، والذي جسد شخصيته الفنان (يحيى ابراهيم)، وحواء التي جسدت شخصيتها الفنانة (شيماء جعفر)، على السرير، وما أن يأتي صوت “الله” حتى ينهضان وهما مفزوعين يرتجفان خوفاً، ليتشاجرا بعدها فيما بينهما بسبب نزولهما إلى الأرض، ولا تنتهي الحرب بينهما، (العزاوي) استثمر في العرض، السرير الذي يتحول لخزانة ملابس، كمكان لتبديل الثياب وانتقال الأزمنة، مستثمراً في حواراته بعداً فلسفياً عن الحياة والإنسان.
يقول (العزاوي) في حديثه لمجلة “الشبكة”: “إن الإنسان كان غاضباً وحزيناً لهبوطه إلى الأرض، لكنه لم يستغل وجوده عليها بسلام، وكان مستعداً لقتل كل شيء حتى أبنائه من أجل نرجسيته وطبيعته البشرية”.
وحدها تغني
مسك الختام لمهرجان بغداد/ بيزانسون كان جلسة شعرية للشاعرة العراقية آية منصور، والتي ترجم كتابها الشعري (وحدها تغني) إلى اللغة الفرنسية، حيث قدمت عرضاً مع الممثلة الفرنسية (جوديت موريسيو) والعازف الفرنسي (لو ايبرتو)، من خلال قراءات على المسرح الوطني في بيزانسون، بحضور جمع غفير من الجمهور الفرنسي.
قرأت (منصور) قصائدها باللغة العربية، وقامت المترجمة (جوديت) بإلقائها باللغة الفرنسية، قراءات تخللها تقديم مقطوعات موسيقية وأغان بصوت العازف (لو ابيرتو) والذي صنع آلاته الموسيقية بنفسه، لينتهي العرض بتوقيع الشاعرة كتابها للجمهور.
وتحدثت الشاعرة آية منصور في جلسة تلت العرض عن العراق وأدبه واستمرار مبدعيه بإنتاج ثقافتهم بالرغم من الظروف المحيطة بهم، متناولة ثيمة الحرب التي كانت موجودة بوضوح في تجربتها الشعرية كمحاولة منها للتخلص من همومها وصور الجثث التي كانت تصادفها في العراق جراء الحروب الخارجية والداخلية.
تقول (منصور): “كانت الحرب مؤذية لدرجة أني لم أتمكن من رؤية بلادي ومدينتي بالطريقة التي أريد، كانت غايتي الوحيدة بطردها من رأسي من خلال الكتابة والشعر.”
اما مترجمة الكتاب سعاد لعبيز، والتي كانت مدعوة خصيصاً لحضور جلسة آية منصور الشعرية، فتحدثت عن سعادتها بصمت الجمهور ودهشتهم طوال الفترة التي ألقت فيها (منصور) الشعر بحضرتهم، والتي استمرت لأكثر من أربعين دقيقة.
في حين أعربت مديرة المسرح الوطني في بيزانسون “سيلي بوث” أمام الجمهور عن شكر المهرجان للناشرة والمترجمة لهذه الترجمة التي عرّفت فرنسا بنصوص آية منصور، كما أكدت سعادتها لاستضافة المهرجان هذه الوجوه العراقية الشابة التي تعد بالمزيد من الإبداع العراقي.