علي لفتة سعيد /
تكشف الدراسات الحفرية والتنقيبات العديدة أن المطبخ العراقي الحالي له جذور سومرية وبابلية، ويعد الحساء (الشوربة) أو (السوب) أحد أهم ركائز وجبة الإفطار للعائلة العراقية الرمضانية التي لها جذور بابلية وسومرية.
كانت المائدة البابلية تضم ثمانية عشر نوعاً من الأجبان، وثلاثمئة نوع من الخبز، كما نجد أن أكلة (خبز العروق) -التي تشبه البيتزا الإيطالية- هي أكلة سومرية قديمة. والسؤال: الى أي العصور تمتد أصول المطبخ العراقي؟ وما الأكلات التي توارثها العراقيون لحد الآن؟
يؤكد الأكاديمي والمعماري (الدكتور علي ثويني) أن لكل شيء جذر في التاريخ، ولا يمكن لشعوب أصيلة، كالشعب العراقي، أن يعيش باستمرارية إذا لم تكن له جذور. ويشير الى أن المطبخ الذي يعد أساس الحياة لم يكن سوى جزء من جذور الفرد العراقي، إذ أنه يرتبط بالحضارة ذاتها، فمن خلال المطبخ وما يجري تناوله لدى هذا الشعب أو ذاك، تعرف ملامح الحضارة لديهم. ويوضح الدكتور أن المطبخ العراقي بدأ مع السومريين، وأن المؤرخ ول ديورانت (1885-1981) ذكر أن السومريون كان لهم الكثير من أنواع الطعام، التي جاءت لكثرة الآلهة التي تقدم لها النذور والقرابين، ما يدل على أهمية الطعام في حياة الناس آنذاك، ويذكر أن ألواح (ﮔوديا) ملك لكش تنص على الأكلات التي تفضلها الآلهة، ومنها لحوم الثيران، والماعز، والضأن، واليمام، والدجاج، والبط، والسمك، إضافة الى التمر، والتين، والخيار، والزبد، والزيت، والكعك.
بابل والحساء
ويذهب الدكتور ثويني الى أن الحفريات ودراستها قد نشرتها جامعة (ييل) في الولايات المتحدة عام 1985، بالاستناد إلى مدونات مسمارية وردت باللغة الأكدية، وأنها تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أي قبيل حمورابي أو زمن النبي إبراهيم الخليل (ع)، وقد أظهرت أن أهل بابل كان لهم مئة نوع من الشوربة (الحساء)، وثمانية عشر نوعاً من الأجبان، وثلاثمئة نوع من الخبز المصنوع من أنواع مختلفة من الدقيق بنكهات وألوان وأشكال مختلفة تتراوح بين شكل القلب حتى شكل ثدي المرأة. ويقول أيضاً إن بعض الباحثين تصور أن هذه الكتابات عبارة عن وصفات طبية، إلّا أن العالم الفرنسي (جان بوتيرو) اكتشف أنها كتب ووصفات للطبخ كتبت على ألواح، إذ احتوى اللوح الواحد على 25 وصفة طعام، 21 منها تتعلق باللحوم وأهمها لحوم الضأن والغزلان والخنازير والماعز والطيور والأسماك والسلاحف، والأربع وصفات الباقية تتعلق بالخضراوات وتحضير السلطات المتنوعة.
البيتزا والنقانق
وعن الأكلات البابلية يقول الدكتور ثويني إنها تضمنت أصنافاً من لحوم الحيوانات البرية والداجنة، وكذلك الأسماك والسلاحف والهلاميات والحبوب بأنواعها والخضر والفطر. ويؤكد وجود نص على رقيم طيبني يشرح كيفية حشو المصران، ولعله أول نص يصف النقانق أو السجق (الباسطرمة في اللهجة العراقية) التي يعتقد العامة بأنها تركية بحسب التسمية. وثمة نقش يظهر شخصاً يحمل صحناً من حبوب الرمان وجنادب حارة. ويرى أن الأمر لا يقتصر على التاريخ القديم، بل حتى قبل عشرة قرون، إذ يورد أن ما يطلق عليه البيتزا الإيطالية أو ما تسمى باللهجة العراقية (خبز العروﮔ) قد ذكرها قبل أكثر من ألف عام الشاعر أبو عبد الله الحسين بن الحجاج ( ت: عام 391 هـ /1001 م ) وقد رثاه الشريف الرضي وأثنى عليه الثعالبي كثيراً، وقد وصف الخبز:
يا سيدي هذي القوافي التي :::: وجوهها مثل الدنانير
خفيفة من نضجها هشـــــة :::: كأنها خبـــز الأبازير
وخبز الأبازير هو خبز العروق (العروﮔ). وكلمة عروق محرفة من العُراق (بضم العين) جمع عرق (بفتح العين) وتعني اللحم بدون عظم أي الفدرة (الشرح) من اللحم بدون عظم.
الخبز والصمون
إن الحضارة العراقية لم تكن مقتصرة على العلوم والطب وغيرها، بل أيضاً على الطبخ، إذ يؤكد باحثون ورود أسماء الأطعمة على 24 رقيماً طينياً.
من جانبه، يشير الخبير الآثاري مدير آثار ذي قار سابقاً (عامر عبد الرزاق) الى إن المطبخ العراقي هو الأشهر من ناحية الجذور وهو الذي ابتدع، أو اكتشف، كيفية طبخ الأطعمة، ليس من خلال الحاجة الى الطعام، بل لتكملة الإبداعات الحضارية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ولاسيما مع اختراع الحرف والعجلة. وأضاف أن أسماء الأطعمة بقيت هي ذاتها فمثلاً كلمة (كبابو) أو (الكبوْ) في اللغة الأكدية تعني الكباب الذي يأكله العراقيون بطريقة لا تشبه أية طريقة في العالم، وتعني اللحم المشوي، مؤكداً وجود ما يقرب من 300 نوع من الخبز، ومثلها للأجبان، ولهذا تتعدد لدينا في العراق عمليات تحضير الخبز بأنواعه، بما فيها الصمون. ويشير الى أن الكاتب الفرنسي (جون جاك) لديه كتاب عن المطبخ العراقي القديم، لكنه غير مترجم الى العربية. وأشار الى أننا لو تتبعنا الكثير من الأكلات العراقية، ولاسيما في الجنوب العراقي، لوجدنا أن لها جذوراً سومرية، فلو أخذنا أشهر أكلة في الوقت الحاضر وهي السمك (المسكوف) الذي هو السمك المشوي بالطريقة العراقية، لوجدنا أنها طريقة طبخ عراقية سومرية، بل إن هناك مئات الأكلات المرتبطة بالسمك لها جذور تاريخية، ويورد مثالاً آخر عن أكلتي الباميا والحساء وطريقة تحضيرهما في العراق إذ تطبخان وتحضران بذات الطريقة السومرية.