وحيد أبو الچول:الشعر ساعدني على احتمال ما لا يمكن احتماله!

حوار / علي السومري/

شاعر وروائي، يكتب لينجو من ظلام النسيان، ويوثق معاناة الإنسان المحاصر بالدم، المقهور بالموت.

ولد في بغداد عام 1965، وأصدر ست روايات وكتاب نصوص ومجموعتين شعريتين، بينها (غرق طفيف)، و(منتصف مائل)، و(ثمرة الإله)، و(زولام). عضو اتحاد الأدباء والكتّاب في بغداد، نشرت نصوصه الشعرية في صحيفتي الصباح والزمان. إنه (وحيد أبو الچول)، الشاعر والروائي الذي كان لنا معه هذا الحوار، ابتدأناه بسؤال:

ـ لمن تكتبون؟ ولماذا؟

ــ من المتوقع أن أقف أمام هذا السؤال، لأنه صادف أن وقفت أمامه فيما سبق، وسأقف أمامه مرّات كثيرة لاحقاً. لِمَن أكتب ولماذا؟ بالتأكيد ليس لي، على الرغم من أنني قارئ لما أكتب أيضاً، وليس لأكون حاضراً باسمي المحدود بعدد من الحروف في أذهان الآخرين. بل أردتُ من خلال الكتابة أن أحاذي بأفكاري أفكار القارئ لنخلق معاً عالماً في منطقة مضيئة بين الوعي واللاوعي. الأمر ليس بالسهل، نعم هو ليس بالسهل في أن يكون الكاتب فيما يكتبه ظل مسار الوقت بين شيئين، أي شيئين داخل الرأس. وبالتأكيد ثمة تفاوت في القصد بين كاتب وآخر، مثلما هناك تفاوت بين قارئ وآخر، ومدى تقبل الكلمة والتعايش معها زمناً معيناً.

ـ هل بدأت بالشعر ثم الرواية، أم العكس، وأيهما الأقرب إلى روحك؟

ــ بدأتُ في كتابة النص النثري قبل كتابة الرواية بأعوام، وكانت مجرد محاولات بسيطة ينقصها الكثير من الدراية، كنت أراها عبارة عن مجموعة شوائب عالقة على سطح زجاج شباك غرفتي. في الحقيقة هي شوائب تلك الجمل النثرية التي كنت أكتبها في ثمانينيات القرن الماضي، التي ما زلت أكتبها بغض النظر عن مساحة الإدراك التي اتسعت كثيراً وصرت في داخلها رجلاً رشيقاً يرى بعيني مخيلته ثلثي جنونه. هذه الحقيقة التي لا يمكن إنكارها في هذا الوقت. بعد أعوام من كتابة النص النثري (الشعر)، كتبتُ رواية (منتصف مائل)، وهي رواية قصيرة نشرتُ بعض أجزاء منها في جريدة الزمان قبل أن تكون ضمن كتاب مطبوع صدر عام 2016.

كلاهما قريبان مِن روحي، الشعر والرواية، ولا يمكن وضع أحدهما أمام الآخر ولو بربع خطوة، وأراني فيهما وكأنهما مرآة واحدة، إلا أنني عندما أكتبُ الرواية أشعر أنني خارج سجن رأسي، الرأس المكتظ بعشرات الأسئلة، وأراني في كل الشخوص التي أكتبها على الورق وتحت سماء كل الأزمنة والأمكنة. في الرواية أشعر أن لساني كأنه قطعة طين مبللة وغير محاصر بشيء ما.

ـ كتبت ست روايات وكنت فيها مهموماً بقول ما لا تريد نسيانه، هل تكتب السرد لتوثيق ما جرى؟

ــ نعم كانت ست روايات، وكنت في تلك الروايات الست مهموماً وحزيناً أيضاً أحاول وضع قدمي خارج ظلام النسيان كي لا أموت مثلما يموت تمثال بين أطر آيديولوجية معينة. في كل عمل روائي كتبته كان ثمة مسار، أو خط ضوء أسير بمحاذاته حاملاً فكرة على كتفي كي أخرج بها إلى وعي آخر أشارك به ما يحيط بي من أنفس وعيون. نعم أردت توثيق ما أفكر فيه، وتوثيق حجم المعاناة الإنسانية. أردتُ توثيق رحلتي من وإلى، الرحلة التي بالتأكيد سيمسك القارئ فيها رأس الخيط ليتبع أثر خطواتي للوصول إلى مصب ماء النهر.

ـ مَن يعرفك يدرك أنك تعيش الشعر ولا تكتبه فقط، هل ساعدك الشعر على احتمال ما لا يمكن اِحتماله زمن الحروب والموت، وحتى اللحظة؟

ــ في الحقيقة لا أدري على أي نحو يراني مَن هو قريب مني القرب الذي يكاد أن يكون التصاقاً، أو مَن يجالسني في المقهى ويرافق خطواتي الثقيلة الذاهبة إلى أي مكان والعائدة منه. هكذا أنا مذ عرفتني. أختنق وأشهق، أعيش الألم، أكتبه، أصرخ، ألملم نفسي بعد كل اِرتطام بجدار، وكثيراً ما يرتطم صوتي ورأسي بجدران الحياة.

نعم، لقد ساعدتني قراءة الشعر وكتابته على احتمال ما لا يمكن احتماله أثناء سنوات الحرب، السنوات التي عشتُ ألمها كأي آخر، الآخر الذي لا شيء يقف بينه والموت غير ظله، كأي آخر يرى الحياة محرقة لجسده، وأنها في بعض المرّات تصير بئراً عميقة يختنق فيها صوته. بالإضافة إلى أن الشعر جعلني أتخطى تجربة الموت التي عشتها في عام 1986، التجربة التي خرجت منها بذهن مختلف إلى السلام الذي كانت ترجوه نفسي. وتلك كانت هي بداية أول خطوة حملني الشعر فيها على جناحيه باتجاه الباب الكبير الذي يخرجنا إلى عالم مثالي، العالم الذي هو غاية الروح والعقل.

ـ ست روايات، كتاب نصوص بالإضافة إلى مجموعتين شعريتين، إن أردت من القارئ أن يعرفك عن قرب، كيف ترتب له هذه النتاجات ليقرأها ويقرأك؟

ــ نعم، وأنا سعيد فيما أشرت إليه. البداية كانت مع رواية (منتصف مائل)، ثم جاء بعدها كتاب النصوص (غرق طيف)، ثم رواية (نهار يوم أحد)، بعد ذلك رواية (عنق الغراب)، وأيضاً رواية (ثمرة الإله)، ومن ثم رواية (أبيض رمادي أسود)، بعدها مجموعة شعرية تحت عنوان (تفاحة على المائدة)، ثم رواية (زولام)، ثم مجموعتي الشعرية (نصف الفراغ). هذه خلاصة تجربتي إلى اللحظة.

ـ من مطالعاتك ومراقبتك للمنجز الثقافي، كيف ترى المشهد الثقافي اليوم؟ وهل زمننا هذا هو زمن الرواية أم الشعر؟

ــ لم أطلع في الحقيقة على نتاج جميع الكتاب، بل القليل، لذلك لا يمكن أن أضع تقيماً معيناً، لكني قرأتُ الكتاب الجيد الذي جعلني لا أتركه دون الوصول إلى نهايته، وقرأتُ غير الجيد الذي هو ليس بالرواية، ولا شعراً. أما فيما يخص زمننا هل هو زمن الرواية أم الشعر، أقول إن لكل جنس أدبي حضوره، قد يكون لحضور الرواية وقع في الوسط الأدبي، لكن الشعر هو المحرك الأساس ورحم كل جنس أدبي آخر.

ـ ما جديدك؟

ــ سأنتهي بعد أيام من آخر مراجعة لروايتي (ميـلام) قبل ذهابها إلى دار النشر.