أم قصي.. العوز لن يسلبها شموخها وستظل دارها بيتاً لكل العراقيين

اياد عطية الخالدي /

مثل كل العراقيين استمعت ام قصي وعائلتها في السابع عشر من شهر فبراير الفائت الى اعلان الامانة العامة لمجلس الوزراء عن تكريمها بقطعة ارض سكنية ملائمة في العاصمة بغداد عبر وسائل الاعلام التي تناقلته بإهتمام بالغ، وأشاد الاعلان بدورها الوطني المشرف، وحمايتها لعشرات الطلاب من معسكر سبايكر ومساعدتهم على العودة الى اهلهم سالمين.
ولغاية اعداد هذا التقرير لم يتصل أي مسؤول في الامانة العامة لمجلس الوزراء بالمرأة التي كرمت في البيت الابيض كواحدة من اشجع النساء في العالم ،ولازالت تترقب ان يجمعها لقاء برئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
قطعة ارض ملائمة
الامانة العامة التي خصصت ايضاً مبلغ خمسة وعشرين مليون دينار عراقي لبناء هذه القطعة وهو مبلغ غير كاف بالمرة لبناء اية قطعة سكنية في بغداد لاتعلم ان ام قصي لاتمتلك أي مورد او راتب يمكن ان يوفر لها تكلفة البناء، او حتى يمكنها من الاقتراض من البنوك، لهذا فان مجلس الوزراء مدعو الى رفع المبلغ الى مائة مليون دينار كي يمكن ام قصي من بناء دار “ملائمة” وهو التعبير الذي استخدمته الامانة العامة لمجلس الوزراء في اعلان تكريمها.
علية صالح الجبوري او ام قصي كما يعرفها العراقيون غدت ايقونة للوحدة الوطنية، حتى مدينتها ناحية العلم، لديها ماتفتخربه فهنا ضرب رجالها ونساؤها اروع الأمثلة في التضحية والفداء، وهنا تحول دم الشهيدة الشيخة امية الجبوري التي واجهت التنظيم بشجاعة كبيرة الى شجرة يتفيأ بظلها عشاق الوطن والوطنية.
المرأة التي تفخر بإنقاذها لطلبة الكلية العسكرية نجوا من مجزرة سبايكر وصارت درعا لحمايتهم من تنظيم مجرم يطلب رؤوسهم ورأس من يحميهم، استقبلها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وكرمها بوسام الوطن من الدرجة الخامسة، تثمينا لعملها الوطني وتأكيدا على الوحدة ووجه حينها بأن تؤدي أم قصي فريضة الحج ذلك العام على نفقة الدولة.
وإعتبر العبادي “أن “العمل الذي قامت به ام قصي يعد مثالاً للام العراقية الطيبة والشجاعة وهو نابع عن الأصالة والأخلاق والإنسانية والاعتزاز ببلدنا” لكن اولادها كانوا يتطلعون ان يخصص رئيس الوزراء السابق راتباً ملائماً او حتى يساعد على تعيين اولادها في وظائف حكومية.
ولان قصتها تحمل كل معاني البطولة والانسانية والتضحية وهي التي وضعت عائلتها فداء لانقاذ الشباب الذين ظلوا بحمايتها لايام من تنظيم مجرم يسعى الى قتلهم ثم ساعدتهم على الوصول الى أهلهم بكثير من الشجاعة والاستبسال والمروءة وهي تجتاز سيطرات وحواجز تنظيم داعش وتتوغل في طرق بعيدة عن اعين عناصره، ثم تسلمهم في حماية امرأة عراقية صديقة لها في كركوك، ولم تغمض لها جفن حتى تأكدت من وصولهم سالمين الى اهلهم، فأن العراقيين وبشكل خاص في مدن الجنوب يحتفلون بام قصي ويلتفون حولها عندما تزورهم بكثير من المحبة والاعتزاز والتقدير.
طوعة
ام قصي كانت ولم تزل هدفا لعناصر التنظيم الارهابي، ولكنها لم تشعر بالخوف بل اكدت مرة اخرى شجاعتها عندما صارت احدى مقاتلات الحشد الشعبي، الامر الذي دفع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس الى وضع حماية لها.
بيت ام قصي المتواضع والحسينية التي بنتها وسمتها طوعة نسبة الى طوعة زوجة اسيد بن مالك التي حمت مسلم ابن عقيل من جيش ابن زياد، تحولا الى مايشبه المزار حيث تستقبل ام قصي شخصيات سياسية واجتماعية وقادة وضباط في الجيش والحشد الشعبي.
لا احد يعلم بالحقيقة
لايعلم زوار ام قصي من الشخصيات الكبيرة التي تزورها تقديراً لمواقفها وترحب هي بهم بكرمها المعهود، فتفرش لهم الموائد العامرة وتذبح لهم الذبائح تقديراً لحضورهم من مسافات ومدن بعيدة، ان ام قصي واولادها لايحصلون على اي راتب من الدولة وأن معرض الاوسمة والدروع والجوائز الكبير لم يجلب لام قصي سوى هذه المكانة التي تعتز بها، ومع هذا تصر ام قصي ان تكرم ضيوفها الكبار ولاتشعرهم بالعوز، وحدهم أهالي مدينة العلم وشيوخها يعرفون الحقيقية فيسارعون الى الى المساهمة بتحمل تكاليف تلك العزائم لإمرأة كانت كريمة وسخية بروحها وليس بوسعها الا ان تظل قصة في العطاء.
يشعر اولادها بكثير من الحرج وهم امام وجوه وشخصيات يتمنى كثيرون لقاؤها، ووصل بإم قصي الحال الى بيع خاتمها كي توفر تكاليف استقبال شخصية عراقية مرموقة جاءت لتيحي ام قصي على موقفها الوطني فكان ان تبادلها التحية باستقبال يليق بها ومن معها.
يريد أهالي العلم ان تعين الدولة اولاد ام قصي العاطلون عن العمل ويريدون ان تخصص لام قصي راتبا يليق بها كرمز وطني، يجعل بيتها وحسينية طوعة التي بنتها بجوار بيتها مفتوحة امام العراقيين دون ان يضعوها وعائلتها في حرج العوز وهي التي ينظر اليها الناس بعين التقدير والاحترام.
عشرات المسؤلين العراقيين يستقبلون ام قصي ويشيدون ببطولتها وشجاعتها لكن تلك اللقاءات تنتهي بصورة سيلفي، فيما تظل ام قصي حائرة في تدبير اجرة ذهابها وعوداها الى ومن بغداد للقاء تلك الشخصيات الكبيرة.
رمز وطني
ام قصي لم تعد مجرد مواطنة بل غدت رمزاً وطنيا يريد الناس ان تحافظ الدولة على مكانتها وشموخها وان لن ينال العوز من ذلك الشموخ والسخاء، ويرون انها جديرة بان يكون لها راتباً من خير بلدها الذي وصل الى جيوب فاسدين لم يقدموا لوطنهم ذرة من عطاء هذه المرأة.
ومع كل هذا لازالت المرأة تروي بسعادة غامرة قصتها مع الشباب الذي حمتهم وتطوع قسم منهم لحمايتها، وتعبر عن سعادتها وهم يدعونها الى مناسبات زواجهم وافراحهم واللقاء بعوائلهم فتتحول تلك الزيارة الى احتفال تعيشه مدن الطلاب الذين انقذتهم.
وفي رمضان الفائت كانت المرأة الشجاعة تجلس الى جانب طلاب الكلية العسكرية الذين انقذتهم، حيث بادروا الى زيارتها ردًّا للجميل الذي غمرتهم به، وتناولوا معها الافطار، وهو امر اضفى على قلبها سعادة كبيرة في ان تجمع حولها ابناءها صاروا يرون فيها اماً عظيمة وحنونة.
ومازالت المرأة التي وقفت في البيت الأبيض لتكرمها زوجة الرئيس الامريكي ميلانيا ترامب كواحدة من اشجع نساء العالم وتمنحها جائزة “آي دبليو أو سي” التي تمنح للنساء اللواتي يظهرن شجاعة وقيادة استثنائية ويسهمن في تحقيق السلام والعدالة والحفاظ على حقوق الإنسان، تشعر بالفخر وهي ترفع علم بلادها وتمثل نساءه خير تمثيل، وتستذكر تلك اللحظات التأريخية التي لن تغادر ذاكرتها.