الذكاء الاصطناعي والموسيقى.. خوارزميات تصنع الألحان

إعداد وترجمة/ أحمد الهاشم
يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة مثيرة للاهتمام في مجال الموسيقى والغناء، فهو يفتح آفاقًا جديدة للإبداع والابتكار، ويساهم في خلق تجارب موسيقية أكثر فرادة وتنوعًا.

متى بدأت الحكاية؟
إذا التزمنا بالتعريف الصارم للذكاء الاصطناعي، فإن أول مقطوعة جرى تأليفها بمساعدة الحاسوب تعود إلى عام 1957: الرباعية الوترية (سويت إيلياك) للعالمين ليجارين هيلر وليونارد إيزاكسون.
والسويت (Suite) في الموسيقى مجموعة من القطع الموسيقية المستقلة، ولكنها مرتبطة بعضها ببعض من خلال أسلوب واحد أو موضوع مشترك. عادة ما يجري عزف هذه القطع بشكل متتابع، وتكون متجانسة في الطابع الموسيقي. قد تتكون السويت من (دانسات)، أي مقطوعات موسيقية مصممة للرقص، أو مقطوعات آلية، أو مزيج من الاثنتين.
في ذلك الوقت الذي ولدت فيه مقطوعة السويت الرباعية، كان الحاسوب آلة ضخمة ومعقدة، لكن هيلر وإيزاكسون استطاعا استغلال قدراته الحسابية لتوليد تسلسلات عشوائية من النوتات الموسيقية. ومع ذلك، لم يكن هذا التوليد عشوائياً تماماً، بل كان يخضع لقواعد وقوانين محددة لضمان أن تكون النتيجة النهائية قطعة موسيقية متماسكة وجميلة.
وتعدّ تلك الرباعية الوترية علامة فارقة في تاريخ الموسيقى، التقنيات المستخدمة في تأليفها تختلف جذرياً عن تقنيات (التعلم العميق) التي تستخدم اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي الموسيقي. لكن لم تظهر النماذج الأولى التي تحلِّل المقطوعات الموسيقية الموجودة من أجل توليد مقطوعات جديدة إلا في ثمانينيات القرن العشرين على سبيل المثال، مع أبحاث ديفيد كوب في عام 1981، على الرغم من أن عمل كوب كان في المقام الأول بحثيًا، إلا أنه أظهر إمكانية مساهمة الحواسيب في تأليف الموسيقى للأفلام والألعاب.
وبينما كانت مقطوعة (إيلياك) تعتمد على قواعد بسيطة وتوليد شبه عشوائي، فإن (التعلم العميق) في الذكاء الاصطناعي يسمح للحاسوب بتحليل كميات هائلة من البيانات الموسيقية وتعلّم أنماطها وأساليبها، ومن ثم توليد موسيقى جديدة تتناسب مع هذه الأنماط.
تطبيقات متنوعة
في وسع بعض نماذج الذكاء الاصطناعي إنشاء أي محتوى موسيقي تقريبًا. في هذه الحالة، لا يبذل المستخدم أي جهد؛ بل من الممكن اختيار الآلة والإيقاع وحتى النوع المطلوب.
وتمكّنت بعض نماذج الذكاء الاصطناعي من توليد أغانٍ كاملة، بما في ذلك الألحان والكلمات، بأسلوب فنانين محددين. على سبيل المثال، تمكّنت نماذج من توليد أغانٍ تشبه أغاني فرقة البيتلز أو بعض فناني الراب المعاصرين.
وثمة أيضا الموسيقى المصاحِبة، أو الخلفية الموسيقية، إذ تستخدم الموسيقى التي ابتكرها الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى المرئي مثل توليد موسيقى تصويرية لأفلام قصيرة وبرامج تلفازية واعلانات وألعاب فيديو. تتميز هذه الموسيقى بقدرتها على تعزيز تجربة المشاهد وجعل المحتوى أكثر إقناعًا.
وصار في وسع الذكاء الاصطناعي أن يرافق الموسيقيين في العزف، سواء كان ذلك في أداء مباشر أو في الاستوديو. ففي مقدور نماذج الذكاء الاصطناعي أن تتعلم أساليب عازفين محددين وتوفّر مرافقة واقعية.
وثمة تجارب تفاعلية، فهناك تطبيقات تسمح للمستخدمين بإنشاء موسيقاهم الخاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي. وفي مقدور المستخدمين اختيار النمط الموسيقي والأدوات والأجواء، ثم يتكفل نموذج الذكاء الاصطناعي بتوليد موسيقى فريدة بناءً على هذه الخيارات.
التحديات المستقبلية
على الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذا المجال، مثل الحفاظ على الأصالة: إذ كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولد موسيقى أصلية ومبتكرة بدلاً من مجرد تقليد الموسيقى الموجودة؟ إضافة الى حقوق الملكية الفكرية، فمن يملك حقوق الملكية الفكرية للموسيقى التي تم توليدها بالذكاء الاصطناعي؟ والأثر الاجتماعي: كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على صناعة الموسيقى وفرص العمل للموسيقيين؟
يظل مجال الموسيقى التي يبتكرها الذكاء الاصطناعي مجالاً مثيراً للاهتمام ومتطوراً بسرعة. من المتوقع أن نشهد المزيد من الابتكارات والتطبيقات الجديدة في هذا المجال في المستقبل القريب.