إعداد وترجمة/ أحمد الهاشم
اعلنت شركة (ديب سيك) عن نموذجها للذكاء الاصطناعي المتقدم بتكلفة أقل بكثير مما أنفقته كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية. وأعاد ذلك الاهتمام بما توقعه الخبير والمدير السابق لفرغ غوغل في الصين (كاي فو لي) في كتابه (القوى العظمى للذكاء الاصطناعي: الصين ووادي السيليكون).
على الرغم من أن الكتاب يعود إلى عام 2018، فإنه يصف قوة الصين جيدًا عندما تقرر الحكومة الموضع الذي تريد الأمة أن تتفوق فيه. عادة ما تفكر الصين في الأجل الطويل، بينما تركز العديد من المجتمعات الغربية على الأرباح القصيرة الأجل.
وفقًا لمقالة في مجلة (نيتشر) العالمية بعنوان (كيف أنشأت الصين نموذج الذكاء الاصطناعي ديب سيك وأذهلت العالم)، أسهمت سياسات الحكومة، والتمويل السخي، وأعداد من خريجي الذكاء الاصطناعي في مساعدة الشركات الصينية على إنشاء نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي
من حيث التكلفة
لم يكلف نموذج ديب سيك سوى 5.6 مليون دولار فقط، مقارنة بالاستثمارات الهائلة التي قامت بها شركات التكنولوجيا الأميركية. مع ذلك ظهرت بالفعل آراء تشير إلى أن الأرقام غير مبررة، مثل رأي (يان لوكون)، رئيس عالم الذكاء الاصطناعي في مركز بحوث شركة ميتا صاحبة موقع فيسبوك.
ويرى يان لوكون أن هناك “سوء فهم بدرجة كبيرة بصدد كيفية استخدام مئات مليارات الدولارات التي استثمرت في الذكاء الاصطناعي. إذ إن المبالغ الهائلة من المال التي تدخل إلى شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية كانت ضرورية في مجال الاستدلال، وليس لتدريب الذكاء الاصطناعي”.
الاستدلال هو عملية تطبق فيها نماذج الذكاء الاصطناعي معرفتها التدريبية على بيانات جديدة. والمقصود به الكيفية التي تستجيب بها النماذج النمطية للذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT لطلبات المستخدمين. ويعني المزيد من طلبات المستخدمين أن يكون هناك استدلال أكثر، ويزيد تكلفة المعالجة. بعبارة أخرى يشير مصطلح (الاستدلال) إلى استخدام النماذج المُدرَّبة لاتخاذ قرارات أو استنتاجات بناءً على بيانات جديدة. هذه المرحلة ضرورية لتطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، ولكنها لا تزال تتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتطوير.
دعم الحكومة
والتخطيط الستراتيجي
يُبرز الكتاب الدور الاستباقي الذي تضطلع به الحكومة الصينية في تعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي. وقد تجسّد ذلك في ستراتيجيات الصين الشاملة للذكاء الاصطناعي، ومن ضمنها (خطة تطوير الجيل التالي من الذكاء الاصطناعي)، وما تلاها من مبادئ توجيهية، التي تهدف إلى جعل الصين رائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. وتُوضح الورقة البيضاء للمنتدى الاقتصادي العالمي، خطة عمل: مسار الصين نحو تحول الصناعة المدعوم بالذكاء الاصطناعي. (كانون الثاني2025)، خريطة طريق الصين الستراتيجية لتطوير الذكاء الاصطناعي.
ركزت الأطروحة الأساسية للكتاب على سباق الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة، وكيفية تشكيل هذه المنافسة للمشهدين التكنولوجي والاقتصادي العالميين.
يوضح نجاح شركة ديب سيك أن هناك طرقًا متعددة لتطوير الذكاء الاصطناعي، وليس فقط الطرق التي تعتمد على كثافة رأس المال والتي تـتّبعها الشركات الأميركية العملاقة في التكنولوجيا، الامر الذي يعني أن هناك مسارات متنوعة نحو الابتكار في الذكاء الاصطناعي.
قلق في أوربا
رؤى الكتاب بشأن كيف يمكن أن يدفع الذكاء الاصطناعي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد أصبحت ذات صلة متزايدة مع تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي في الصناعات. وفي حين يركز الكتاب على المنافسة، لابد أن نأخذ في الاعتبار الإمكانيات المتاحة للتعاون الدولي في تطوير الذكاء الاصطناعي وإدارته.
وتُعد مناقشة المؤلف لتأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف والمجتمع أمرًا حيويًا. مع تقدم قدرات الذكاء الاصطناعي بسرعة، من المهم النظر في الآثار الأخلاقية والاضطرابات الاجتماعية المحتملة.
وفي أوربا ثمة قلق بشأن القدرة التنافسية الأوربية في مجال الذكاء الاصطناعي. إذ يُحكم السياسيون قبضتهم على الشركات عن طريق وضع قواعد ولوائح مختلفة تضع رواد الأعمال الأوربيين في موقف أضعف في المنافسة العالمية على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي. وإذا تخلفت أوربا عن تطوير الذكاء الاصطناعي، فسيؤثر ذلك في النهاية على القدرة التنافسية للشركات التقليدية بسبب عوامل مثل انخفاض الإنتاجية. تُقيّد بعض الشركات الأميركية بالفعل إطلاق تقنيات الذكاء الاصطناعي في أوربا بسبب القلق من تشريعات الاتحاد الأوربي.