د. صفد الشمري/
الذكاء الاصطناعي التوليدي، هذا الذي يشكل ظهوره جيلاً تقنياً خطيراً، لقدرته الفائقة على توليد محتويات ونصوص للمستخدم بشكل مباشر، يكون فيها حق الملكية الفكرية متاحاً له، بعد أن تقدمه الروبوتات باعتماد البيانات الضخمة، الأمر الذي أثار جدلاً على مستوى العالم بشأن التزام هذه الروبوتات بالأخلاقيات، وما يمكن أن يعكسه ذلك على مستوى الأبحاث والدراسات وكل النتاجات، التي صار الحصول عليها ميسراً بشكل هو الأكبر والأسرع على مستوى التاريخ.
الحتمية الرقمية
بصرف النظر عن تلك المؤاخذات، فإن التعاطي مع هذه الروبوتات صار حتمياً لمواكبة العالم، شريطة التعامل معها وفق المعايير المهنية. ولعل أبرز تلك الروبوتات ما يعرف بروبوت (Chat GPT)، الذي تتمحور فكرته في كونه روبوت محادثة بمواصفات غير مسبوقة، مكّن المستخدمين العاديين من التواصل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، لأول مرة.
كما شهدت هذه التقنية تطوراً جديداً لافتاً، حينما أطلقت تحديثها (GPT-4) في 2023، إذ يقول هذا الروبوت عن نفسه في سؤال وجهناه له: ((تدربت على مجموعة بيانات ضخمة من النصوص التي أنشأها الإنسان، ويمكنني أداء مجموعة متنوعة من المهام اللغوية، مثل الإجابة عن الأسئلة وإنشاء نص، وحتى الانخراط في المحادثات مع الناس… إن هدفي مساعدة المستخدمين، وتقديم قيمة لهم، من خلال التفاعلات القائمة على اللغة)).
عمل الروبوت
تعمل تقنية (Chat GPT) للذكاء الاصطناعي التوليدي باعتماد المدخلات المستندة إلى النص، وتوليد الردود بناءً على الأنماط والعلاقات التي تعلمتها الخدمة من البيانات التي تدربت عليها على وجه التحديد، واستخدام بنية شبكة عصبية عميقة تسمى (المحوّل)، التي تمكنها من تحليل وفهم سياق نص الإدخال وتوليد مخرجات متماسكة ذات صلة.
وعندما يقوم المستخدم بإدخال سؤال أو بيان قائم على النص، تقوم الخدمة بترميز النص أولاً، وتقسيمه إلى وحدات أصغر، وتمثيلها كمتجهات رقمية، يمكن لشبكتها العصبية معالجتها، ومن ثم تمرر هذه المتجهات عبر سلسلة من الطبقات الحسابية، إذ يجري تحويلها ودمجها لتوليد استجابة ناتجة، ويجري بعد ذلك فك شفرة استجابة الإخراج وتقديمها إلى المستخدم بتنسيق اللغة الطبيعية.
بشكل عام، تعتمد قدرة (Chat GPT) على فهم اللغة وتوليدها على الكمية الهائلة من البيانات التي تدربت عليها الخدمة، التي تشمل الكتب والمقالات والمواقع الإلكترونية، وأشكالاً أخرى من المعلومات النصية، فكلما ازدادت البيانات التي تعرضت لها الخدمة لها وتدربت عليها، أصبحت قدراتها اللغوية أفضل، فهي كنموذج لغة للذكاء الاصطناعي، تعتمد على الكم الهائل من البيانات التي تدربت عليها لتوليد ردود عن الأسئلة.
فعندما يسألها المستخدم سؤالاً، تعتمد الخدمة مزيجاً من قاعدة المعارف المختصة بها، وخوارزميات معالجة اللغة لتحديد المعلومات ذات الصلة وإنشاء استجابة، وتكوّن الخوارزميات الخاصة بها سياق نص الإدخال، وتستخدم تقنيات التعرف على الأنماط والتعلم الآلي لتحديد الاستجابة الأكثر ملاءمة بناءً على البيانات التي تدربت عليها الخدمة.
الحصول على الخدمة
يمكن للمستخدم الحصول على خدمات روبوت (Chat GPT) للذكاء الاصطناعي التوليدي عن طريق تنزيل التطبيق المختص به من المتاجر، وتكون خدماته مجانية، أو مطورة مقابل اشتراك يومي أو أسبوعي أو شهري أو سنوي، بحسب رغبة ومستوى احتياج المستخدمات من الخدمات، كذلك يمكن البحث عن الخدمة بمحرك البحث (Google)، أو أي محرك متاح، من دون تنزيل التطبيق الرقمي، ومن ثم تسجيل الحساب في بريد إلكتروني جامع، يطلب منك تدوين معلوماتك وتثبيت رقم هاتفك، ومن ثم يعمل الروبوت على إرسال الرابط إلى بريدك الإلكتروني الذي ثبته، بعدها يوصلك الضغط عليه إلى حسابك، الذي سيكون مستشاراً لك في أية خدمة تطلبها منه.
تقنيات كبيرة
أحدث إطلاق خدمات (Chat GPT) جدلاً في الأوساط التقنية، فقد أدى ظهورها وتقديمها للجمهور العام إلى زيادة الاهتمام والمنافسة، إذ بدأت (Google) تقديمَ خدمة تجريبية تسمى (Bard) تنشئ ردوداً نصية على الأسئلة المطروحة بناءً على المعلومات التي جُمعت من الويب.
وصرحت شركة (Meta)، التي وصفت خدمات Chat GPT بأنها “مصممة جيداً”، لكنها ليست مبتكرة بشكل خاص، أو أنها مترددة في طرح منافس في الوقت الحالي بسبب مخاطر تتعلق بالسمعة، وأن غوغل وميتا وعديد من الشركات الناشئة المستقلة تحظى جميعها بمستوى من تقنية نماذج اللغة الكبيرة، مماثل لمستوى تلك الخدمة، في حال رغب أي منها في المنافسة.
وأعلنت شركة محرك البحث الصينية (بايدو) أنها ستطلق خدمة على غرارChat GPT، تسمى (إرني بوت)، تعتمد على نموذج اللغة الذي طورته (بايدو)، فيما أكدت شركة محرك البحث الكورية الجنوبية (نافير) أنها ستطلق خدمة على غرار Chat GPT تسمى (سيرش جي بي تي) باللغة الكورية، كما كشف محرك البحث الروسي (باندكس) بأنه سيطلق خدمة مماثلة، تسمى (يالم 2.0) باللغة الروسية.