الدوحة – محمود خوام/
غالبية الجمهور الرياضي ومتابعو الكرة لم يتخيلوا، قبل بداية البطولة الآسيوية، أن العراق سيكون مرشحاً للقب، وأنه سيفوز على اليابان ويُتعب كبار آسيا. لكن بعد نهاية دور المجموعات تغير هذا الرأي، إذ بات العراق منافساً على اللقب، ورفع رجاله اسم البلاد عالياً، حين تغلبوا بجدارة على منتخب اليابان المرشح القوي، وقبله على إندونيسيا، وعادوا ليحققوا العلامة الكاملة بالفوز على فيتنام، لا بل إن لاعب منتخبنا أيمن حسين أصبح منافساً على لقب هداف البطولة.. هذا ما حدث.
إذا كنت دائماً تفتش عن شيء معين فإن عليك البحث في البدايات. البداية كانت بقرار تعيين كاساس من قبل الاتحاد العراقي، القرار الصحيح من أجل بناء قاعدة رياضية صحيحة وأسلوب صحيح، كيف؟
كاساس وضع لبنة الأساس
لم يكن كاساس ذا اسم تدريبي كبير، لكن المهتمين بالكرة الإسبانية يدركون أهمية وتأثير كاساس في الكرة الإسبانية، فقد كان واحداً من أهم العقول الرياضية في تدريب الفئات السنيّة والتحليل، وحتى الإدارة والبحث عن المواهب في نادي قادش. استمر بعمله في نادي قادش لغاية عام 2008، مثل أي مدرب إسباني شاب، تواجد كمحلل في (إيبار) لموسم واحد فقط حيث بدأ الحديث عنه بشكل أكبر. برشلونة كان أول من أُعجب به، إذ جرى الحديث على أن الطريقة التي يتبعها في التحليل والتدريب مناسبة لمدرسة برشلونة. لذا قرروا جلبه إلى برشلونة كمحلل عام 2010، حينها كان عمره 37 سنة. وبدأ بالتدرج في أدوار إدارية مهمة عدة في برشلونة، وكان أحد كشافي النادي والمحللين، فقد كان محلل إنريكي للخصم في برشلونة.
عاد إلى قادش بعد رحيل إنريكي ليكون المسؤول الكامل عن تطوير القواعد السنيّة في ذلك النادي، لكن بعدها جاءت تجربة (واتفورد) حين تحدث معه خافي غارسيا ليكون مساعده، لكن تجربة واتفورد لم تطل كثيراً، لأن الفرصة الأكبر قد جاءت: منتخب إسبانيا.
روبرت مورينو، أحد مساعدي إنريكي في روما وبرشلونة تواصل مع كاساس ليكون مساعداً له، وفعلاً وافق كاساس، ثم حين تسلم إنريكي مهمة تدريب باريس سان جيرمان، كان من أكبر المعجبين بكاساس وبكيفية تحليله للخصم. وفعلاً تواصل مع كاساس ليكون مساعداً له، وأقنعه بالمشروع وعدم الرحيل عن المنتخب. وحتى بعد رحيل إنريكي كان كاساس موجوداً في كادر لويس دي لا فونتي، فتخيلوا كم كان كاساس مقنعاً ومؤثراً لدى أشهر المدربين.
تلك السيرة المميزة فتحت الأعين عليه في العراق، وفعلاً جرى توقيع عقد معه لغاية 2026، لم يكن عقداً قصير المدى لمرحلة مؤقتة، فالعراق يريد بناء أسلوب جديد برفقته، وخطة حقيقية، خطة من الممكن أن تواجه بعض المطبات، لكن لا يوجد مشروع في العالم لا يواجه مطبات في بداياته.
خطوات النجاح
تسلم كاساس المنتخب، وبدأ بوضع الأساسيات لنجاح أي منتخب: الاهتمام بالموهبة، وبالحالة النفسية للاعب، وهو شيء مهم لدى كاساس، الذي قال قبل مواجهة اليابان إن الحياة الشخصية مهمة أكثر من كرة القدم، كما تحدث عن أسامة رشيد، ووجوب معاملة كل لاعب بطريقة ذهنية مختلفة حسب الظروف التي يمر بها، وتطوير القدرات البدنية للاعبين، ووضع نظام صحي مدروس لكل اللاعبين.
لذلك شاهدنا اختلافاً فنياً مهماً للاعبي العراق: تطور التحكم بالكرة بالصدر والرأس والقدمين، الاهتمام بعملية الالتفاف، تطوير المراوغة، دقة التمريرات، التحكم بالجسم أثناء الجري، رفع ذكاء اللاعبين وجعلهم يفهمون اللعبة أكثر، وكيف يتحرك الفريق المنافس من حولهم، وكيف يتصرف صاحب الكرة، كما جعلهم يفهمون أهمية استغلال المساحات أكثر.
تلك الأمور لمسناها في المنتخب، كاساس شكل نصف الدائرة، والنصف الثاني رسمته إدارة المنتخب بتوفير المستلزمات كافة لتحقيق النجاح، كمثال لمسنا تقدماً في الدوري العراقي، وتطوراً في الملاعب والأكاديميات، وتقديم المستلزمات الحديثة كافة، وإفساح المجال للاعب المحلي ليصبح أفضل، شاهدوا الانفجار الذي حصل لأيمن حسين على سبيل المثال.
هوية جديدة للمنتخب
يقيناً كلنا تابعنا ما حصل في دور المجموعات، وبكل تأكيد شاهدنا التغييرات التكتيكية الكبيرة التي قام بها المدرب، منتخب يعرف تماماً ماذا يريد وكيف يحقق أهدافه وكيف يفكر، منتخب بهوية حقيقية.
التبديل الذي حصل ما بين مباراتي إندونيسيا واليابان ثم فيتنام كبير جداً، أمير العماري لاعب مهم جداً في عمق الملعب، زيدان إقبال لم يكن يتوقف عن الركض، فهو أساسي أمام الفرق التي تريد أن تكسر دفاعاتها، إبراهيم بايش مهم أيضاً في صناعة اللعب أو الوجود على الأطراف والدخول إلى العمق، إنه واحد من لاعبي كاساس المفضلين، وهو اللاعب الذي اقترح كاساس سابقاً أنه يجب أن يحترف في أوروبا. أيمن، كما تحدثنا، حدث انفجار في مستواه. لكن اللاعب الأهم هو علي جاسم، إنه الجوهرة الحقيقية الموجودة في المنتخب. علي جاسم مازال عمره 20 سنة، أداؤه في البطولة فتح الأعين عليه، وبدأ بعض الإعلاميين المهمين في وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عنه، مثل (روماين مولينا)، الصحفي الفرنسي الشهير الذي يملك أكثر من نصف مليون متابع عبر تطبيق (الأكس)، الذي تحدث عن موهبة علي جاسم وصغر عمره والتطور الذي أحدثه كاساس فيه.
نحن نتكلم إذاً عن منتخب مليء بالمواهب، منتخب مليء بالشخصية، منتخب مليء بالقدرات الفنية المخيفة، منتخب يمتلك كل المؤهلات ليكون بطلاً لآسيا، منتخب لا يعرف الخوف، وكما قلنا: انتصر على اليابان الذي كان بعبعاً في كأس العالم وخرج من مجموعة الموت التي تواجدت فيها إسبانيا وألمانيا.
إذاً هل نرشح العراق لنيل اللقب؟
كاساس رفض فكرة ترشيح منتخبه للبطولة، وكلامه منطقي، إذ يجب علينا ألا نضع ضغوطات على لاعبي المنتخب، بل أن نستمر بتخفيف تلك الضغوطات عليهم، كلام كاساس كان ممتازاً، المنتخب يمتلك الجودة لتحقيق الحلم، لكن كما قلنا: لا يجب الضغط عليهم.
ماذا بعد؟
هذا المقال كتب قبل صدور قرعة الدور 16، ولدينا احتمال اللعب ضد البحرين أو تايلاند أو عمان.
تايلاند هي الأسهل، وعمان هي الأصعب، تايلاند فيها نقاط ضعف كبيرة، والبحرين أيضاً لن تستطيع الصمود أمام الهجمات العراقية، لكن عمان منتخب منظم حسب الذي شاهدناه، ويمتلك لاعبين خطرين مثل اليحيائي، لكن يمكن ضرب دفاعاتهم، وفي ذات الوقت علينا الحذر من مرتداتهم، كما فعلوا ضد السعودية في الشوط الأول.
تجاوزنا لدور الستة عشر سيضعنا بمواجهة الإمارات أو طاجيكستان، والمنتخبان فيهما نقاط ضعف كبيرة، الإمارات لم تقدم بطولة مميزة، وطاجيكستان أيضاً، ولولا طرد قاسم الزين لاعب لبنان لخرجت من الدور الأول، لذلك فإن وصولنا إلى الدور نصف النهائي وارد تماماً.
كلمة أخيرة
هذه البطولة من الممكن أن نحققها، فنحن -كما تحدثنا في المقدمة- نمتلك كافة الأدوات اللازمة لتحقيق البطولة، ولاسيما أن المنتخبات المرشحة للقب لديها نقاط ضعف واضحة وليست “بعبعاً”، كما يصفها البعض، فإيران جرى ضرب دفاعاتها، وكوريا عانت كثيراً، وهذا يعني بأن طريقنا مفروش إلى النهائي.
لكن.. في حال حدث عكس ما نتمناه، فإن علينا الوقوف مع المنتخب ولاعبيه ودعم الكادر والاتحاد العراقي لإكمال مشروع تطوير هذا المنتخب الذي بدأ يرسم هوية ستتكلم آسيا عنها كثيراً في المستقبل.