مصطفى الهاشمي /
يعاني العراق من ريعية اقتصاده وحصره بقطب أوحد للإيرادات المالية من خام النفط، على الرغم من امتلاكه مقومات قيام اقتصاد متنوع الإيرادات، وذلك من قطاعات غير نفطية، كالزراعة والصناعة والسياحة، وموارد واستثمارات أخرى، إلا أن الملاحظ هو استمرار اعتماد الاقتصاد على النفط حتى الآن، برغم تذبذب أسعاره عالمياً، ومخاطر انخفاض تلك الأسعار إلى سعر القاع، دون المباشرة بتنويع إيراداتنا المالية لتحقيق الاستغناء عن جزء من عائدات البلد النفطية.
اختلال الميزان التجاري
توضح أ.م.د. (حمدية شاكر مسلم)، الأستاذة في قسم الاقتصاد في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد، أسباب استمرار العمل بالريع النفطي للعراق بالقول: “شهد العراق تدهوراً في التجارة الخارجية، وعجزاً مزمناً في ميزان المدفوعات، في تسعينيات القرن الماضي، نتيجة توقف صادرات النفط.”
أضافت في حديثها مع “مجلة الشبكة” أنه “من المعلوم اعتماد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على عائدات تصدير النفط في السنوات السابقة، أما بعد العام 2003 فكان الاقتصاد العراقي شديد الحساسية تجاه الصدمات الخارجية، إذ أن النفط صار يشكل 95% من الإيرادات العامة و 60% من الناتج المحلي الإجمالي.”
واكدت مسلم ضرورة “تنويع مصادر الدخل القومي عن طريق وضع خطط مستقبلية لتنشيط القطاعات الإنتاجية، ولاسيما القطاعين الزراعي والصناعي، وتفعيل الرقابة، وتوسيع القاعدة الضريبية، على السلع الكمالية خصوصاً، لغرض الإفادة من الإيرادات غير النفطية في حال انخفاض الموارد المالية من المصادر النفطية.”
وبينت أن “هنالك أمراً في غاية الأهمية يتمثل بضرورة إقامة صناديق سيادية أو صندوق للطوارئ، أو صناديق للأجيال اللاحقة، لما في ذلك من أهمية كبيرة.” موضحة أن “هذا النظام معمول به في معظم البلدان النفطية، إذ أن أسعار النفط عرضة للصدمات الخارجية، وهذا له أثر سلبي على الناتج المحلي الإجمالي في بلد ريعي مثل العراق.”
تطوير القطاعات الإنتاجية
وعن سبب عدم تطوير القطاعات الإنتاجية الأخرى (الزراعة، الصناعة)، لتحقيق إيرادات غير نفطية، أشارت مسلم إلى أن “دعم القطاعات الإنتاجية، وزيادة الوعي الاجتماعي، عن طريق الإرشاد والتعليم، يرفع قدرات البلد الإنتاجية، ويحد من الإنفاق الاستهلاكي المظهري والبذخي، المتمثل بالسلع والخدمات الكمالية غير الضرورية، التي تستنزف قدراً كبيراً من النقد الأجنبي بدون مبرر.”
كما دعت إلى “تقليص الاستيرادات لغرض تشجيع الإنتاج المحلي، مع توفير الحماية له لتمكينه من منافسة السلع في السوق الدولية، مع ضرورة اهتمام الحكومة ببناء القدرات ورفع مستوى مهارات القوى العاملة بهدف زيادة الإنتاج ومعالجة اختلال هيكله عن طريق زيادة المساهمات النسبية للقطاعات السلعية، ولاسيما الزراعة والصناعة.”
مقومات السياحة المتنوعة
وبشأن امتلاك العراق مقومات السياحة (الدينية، والترفيهية، والعلاجية) وعدم منح القطاع أولوية لتفعيله، أجابت مسلم أنّ “ضعف دور السياحة في رفد الحكومة بالرسوم والضرائب السياحية يُؤشر فشل خطط تنمية القطاع في جعله رائداً في رفد ميزانية الحكومة بالأموال المستحصلة من الرسوم والضرائب السياحية، لكونهُ نشاطاً اقتصادياً يتعامل مع خدمات وسلع كمالية تشكل وعاءً دسماً للضرائب، ويرفد الحكومة بأموال كثيرة.”
مشيرة إلى أنّ “التدخل السياسي، بالضغط على الأسعار، ألحق الضرر بكفاءة أداء التنمية السياحية، وتسبب في انخفاض نسبة الأرباح بالقطاع السياحي، ما شكل عائقاً على المزيد من الاستثمارات السياحية، لذا يجب الاهتمام بالسيطرة على الاستثمار السياحي في القطاع الخاص، بما ينسجم مع أهداف وطموحات خطط التنمية السياحية، وتقديم الدعم والتسهيلات لكل المستثمرين في المجال السياحي، سواء أكانوا عراقيين أم من غير العراقيين.”
سندات الخزانة الأمريكية
وعن الإيرادات المتحققة من استثمار العراق في سندات الخزانة الأمريكية ووجود استثمارات مشابهة تحقق عوائد مالية للعراق، بينت مسلم أن “العراق اشترى سندات أمريكية خلال العام الماضي 2022 ابتداء من كانون الثاني ولغاية كانون الأول بمبلغ 18.31 مليار دولار، وبنسبة نمو بلغت 81.38%، لتبلغ حيازته 40.814 مليار دولار، ليحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية التي كانت الأكثر شراءً السندات الأمريكية.”
وأشارت إلى “ارتفاع الاحتياطي النقدي للبنك المركزي العراقي، وشراء هذه السندات نظراً لتصنيفها الائتماني المرتفع، مع زيادة سعر الفائدة الممنوحة لمن يمتلكون هذه السندات من 1% إلى 4% حاليا”.
أهداف البنك المركزي
واختتمت مسلم حديثها بالقول إن “تحقيق أهداف البنك المركزي (استقرار الأسعار والاستقرار المالي) يرتبط بعلاقة طردية مع تحقيق الاستقرارين الأمني والسياسي في البلد، إذ لوحظ أن السنوات التي حقق فيها المركزي أدنى مستوى للتضخم وأعلى مستوى في قيمة الدينار، توافقت بشكل كبير مع الفترة التي شهد فيها العراق استقراراً سياسياً وأمنياً نسبياً.”
ولفتت إلى أن “احتياطيات المركزي تتمثل بموجودات نقدية، أو مالية أجنبية، توظف لغرض استقرار قيمة الدينار، أو ما يسمى بغطاء العملة الوطنية، لضمان استقرار القوة الشرائية للدينار، فهي ليست موارد للموازنة العامة في النهاية، بل هي موارد السياسة النقدية لحماية القيمة الخارجية للدينار، وتمثل تلك الاحتياطيات الجانب المهم من المحفظة الاستثمارية للبنك المركزي.” مؤكدة “أننا لا نستطيع تحقيق الفوائض المالية مالم نحقق هذا الاستقرار من أجل جذب الاستثمارات بأنواعها.”